ثقافة وفن

حفنة الكلام

التليفون خارج نطاق الحياة

أ. د. محمد أبو الفضل بدران

كثُرت في  الآونة الأخيرة وفيات الأحبة والزملاء وكم أتعبُ كثيرا في  تحويلهم من خانة الأحياء إلى خانة الموتى، هذه عملية معقدة ومؤلمة لا أحب الوداع فهو مبتدأ الألم، وكم أطلب رقم هاتف عزيز فلا يرد أو يأتي الصوت «الهاتف الذى طلبته خارج نطاق الخدمة» لأكتشف أنه خارج نطاق الحياة، إنه في  برزخ ربما يرانا منه ولا نبصره إلا مناما، وكم تُخفف هذه المنامات (الرؤى) هذا البُعد، كم نتلمس تلك الرؤى وننتظرها بلهفة، عندما كنتُ صغيرا قالوا لنا إن أرواح الموتى تأتى في  صورة طائر أخضر كنت أبحثُ عن هذه الطيور الخضراء التي لا تجئ إلا نادرا، كم كنت أفرح عندما أرى طائرا أخضر حطّ على إحدى شجراتنا أو نخلاتنا وينظر إلينا في  فرح مغردا، كنت أترك ما لدى محدقا فيه، أودّ أن أسلّم عليه، ربما كان جدى أو أختي التي ماتت في  ريعان شبابها.. كانت الطيور الخضراء أرواح الأحبة التي جاءت لتزورنا وتطمئن على أحوالنا، هل صار الموت طقسا عاديا في  ظل كورونا وأشباهها، نراه ونسمع به وكأننا نشاهد فيلما تراجيديا، كان العزاء في  قرينتا يستمر أربعين يوما، وعندما اختصروه لسبعة أيام كان هذا الحدث قصة ظلت تُتداوَل بين الناس فريق موافق وآخر معترض، وعندما اختصروا العزاء لثلاثة أيام صار الأمر عُرفا فرضه عمل الناس ووظائفهم، أما الآن فلم يعد هناك عزاء إذْ أغلقت المنادر أبوابها وصار العزاء على القبر،، صار الدفن يتم بسرعة بمن حضر من خواص الفقيد، صار الفقد أسرع مما نتخيل، وصار الرحيل سمة هذا الزمان، صار الموت مشهدا مرئيا معتادا وأضحت منصات التواصل الاجتماعي شواهد قبور تكتب جملة على أول شاهد لتنسخه للقبور التالية، لا تحذفوا أرقام الراحلين بل هاتفوهم حتى لو كانوا خارج نطاق الحياة، ألم يقل الشاعر أبو نواس:

وما الناسُ إلا هالكٌ وابن هالكٍ

و ذو نسبٍ في الهالكين عريقُ

خاتمة الكلام:

قالت الشاعرة السلكة أم السليك

وَالمَنايا رصدٌ لِلفَتى حَيثُ سَلَكْ

كلّ شيء قاتلٌ حينَ تلقى أَجَلَكْ

إِنّ أَمرًا فادحًا عَن جَوابى شَغَلكْ

سَأُعزّى النفسَ إِذ لَم تُجِب مَن سَأَلَكْ

لَيتَ قَلبى ساعةً صبرهُ عَنك مَلَكْ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق