سياسة

كنت بين أكثر من 300 صحفي ومراقب جاءوا من دول كثيرة لعكس هذا الحدث التأريخي

ذكرياتي مع أول انتخابات في العهد الإصلاحي البحريني اكتوبر 2002م

المنامة – خالد أبو أحمد

في حياة كل صحفي وإعلامي ذكريات محفورة في ذاكرته لا تنسى ولا يمحوها النسيان، فقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن أكون شاهدا على حدث كبير بكل ما تحمل الكلمة من معنى المتمثل في التحول الكبير الذي حدث في البحرين وقاده العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة بعد تقلده الحُكم في مارس 1999م بعد وفاة والده عليه رحمة الله، وقد جاء للحُكم حاملا معه الفكرة الإصلاحية التي أصبحت فيما بعد عنوانا كبيرا لعهد جديد  وضع البحرين في مصاف الدول المتقدمة، فكان الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني في 14 فبراير 2001م، وهو الوثيقة وطنية التي نبعت من قلب المجتمع البحريني وكتبت بيد أبنائه، يمثل المواطن البحريني وتطلعاته والمجتمع ومتطلباته وكيفية تطويره، فكانت نتيجة التصويت عليه بنسبة 98.4%، فكان الميثاق الوطني بمثابة ذروة التطور الديمقراطي في البحرين، خاصة وأنه تضمن الكثير من المبادئ السياسية والاقتصادية التي تؤكد النهج الديمقراطي الانفتاحي للبحرين، مع العلم أن البحرين عرفت الديمقراطية ومبادئها في عام 1919م عندما تم تأسيس بلدية المنامة وهي الأولى من نوعها على مستوى الخليج العربي، وفي ذات العام كان تأسيس مجلس بلدي المنامة المكون من ثمانية أعضاء يتم انتخابهم، أما أول تجربة للحراك الديمقراطي في البحرين كان في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة  في ثلاثينات القرن الماضي ، وذلك من خلال تأسيس مجلس الشورى في البحرين والتي تمثل مرحلة هامة في تاريخ البحرين.

وفي العهد الحديث فإن الميثاق الوطني أثمر عن أول انتخابات عامة في 2002م كانت حدثا فريدا بالنسبة لي جرت يوم الخميس الرابع والعشرين من اكتوبر 2002م، وهي التغطية الصحفية الوحيدة التي عشتها  بتفاصيلها الدقيقة التي لا يمكن أنساها، إذ وجدت نفسي أقف على تجربة انتخابية رائدة في الوطن العربي مع أكثر من 300 صحفي ومراقب جاءوا من كل قارات العالم؛ ليشهدوا وينقلوا للعالم هذا الحدث الفريد من نوعه بالمنطقة.

مشاعر عجيبة كانت تختلط فيَّ وعشت لحظات لم أعشها من قبل في حياتي، استطاعت أن تمحو من ذاكرتي الصورة النمطية السلبية عن المنطقة الخليجية،  وكنت بين الزملاء الصحافيين القادمين من بلاد شتى من العالم في حالة اندهاش، خاصة عندما أحضرت لنا اللجنة الإعلامية للانتخابات التابعة لإدارة الإعلام الخارجي آنذاك عدد من البصات الكبيرة والحافلات المتوسطة والصغيرة للوقوف بأنفسنا على العملية الانتخابية، لمتابعة سيرها والوقوف على التجربة، وتم إعطاؤنا كامل الحرية في تأكيد حرية الناخبين في اختيار نواب البرلمان.

بالفعل انقسمنا لمجموعات ودخلنا الكثير من مناطق البحرين وتأكد لنا حقيقةً أن المواطن البحريني كان يملك حُرية قراره في اختيار الشخص الذي يمثل طموحاته وأفكاره، دون تدخل الحكومة والجهات الرسمية في التأثير على الناخبين، وكانت هناك فئة قررت عدم المشاركة في هذه الانتخابات لكن ذلك لم يقلل من أهمية هذه التجربة ومن شرعيتها فكانت نسبة المشاركة في الانتخابات 53.48% من إجمالي الناخبين الذين يحق لهم التصويت، وهي نسبة تعُد عالية حينذاك بالنظر للأجواء الإقليمية والدولية السائدة في تلك الفترة، ونظرا لحداثة التجربة الديمقراطية الوطنية، والظروف التي تخللتها.

العُرس الانتخابي الأول

كانت البحرين حقيقة تعيش أفراحاً لم نرها، بل الأحرى لم أرها في حياتي، وقد طفت العديد من البلدان العربية وغير العربية لم أجد فيها ما شاهدته في البحرين من استعداد شعبي لنجاح التجربة الأولى في ظل التحولات الجديدة التي قادها العاهل البحريني، وجدنا في المراكز الانتخابية العجزة والمسنين يريدون المشاركة بالتصويت والتعبير عن وجودهم في معركة إثبات الذات.

شاركت في العديد من اللقاءات والمؤتمرات الصحفية التي أعدها لنا المركز الإعلامي الخاص بالانتخابات، فأخذنا حريتنا كصحافيين تابعين للصُحف ووكالات الأنباء والقنوات الفضائية، وكان المركز الإعلامي مُعد بكل الوسائل التي تخدم الصحافيين من أجهزة الكمبيوتر الموصلة بالشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)؛ بغرض التمكين من إرسال الأخبار والتقارير الإخبارية والصور لوسائلنا الإعلامية، وكانت المؤتمرات الصحفية تعقد بين ألفينة والأخرى تفيد بكل ما هو جديد، الزملاء الصحفيين الضيوف الذين جاءوا لتغطية الحدث الانتخابي في البحرين أثناء المؤتمر الصحفي بعد الاعلان عن النتيجة اندهشوا وهم يستمعوا للفائزين في الانتخابات عندما عرّفوا عن أنفسهم وكفاءتهم وتحصيلهم العلمي والأكاديمي، وقد تبين لزملائي الصحفيين مدى خبرة نواب البرلمان الجُدد وكفاءاتهم العلمية والعملية، وقد تحدثوا بلغة إنجليزية طليقة اللسان في بلد خليجي أبهروا الحضور الإعلامي الأجنبي، ولم يكن النواب الجُدد وحدهم الذين لفتوا أنظار زملائي ببرامجهم الانتخابية، وآرائهم ووجهات نظرهم في المشروع الإصلاحي لملك البلاد، أيضا كان الكثير ممن إلتقيناهم من المواطنين رجالا ونساء تحدثوا لنا بثقة عن المستقبل المشرق لبلادهم على ضوء تجربة الانتخابات التي خاضونها.

كنت فخوراً للغاية بين زملائي الإعلاميين الأجانب في أن يكون بين ظهرانينا في بلد من بلدان الوطن العربي فيه مثل هذا العدد الكبير من المتعلمين والمؤهلين لخدمة بلادنا مهما كانت أفكارهم ورؤاهم الفكرية والسياسية،الأمر الذي دلل على أن أمتنا غنية بمواردها البشرية، وفي الأسبوع الانتخابي ذاك دارت بيننا وزملائي الصحافيين الكثير من النقاشات حول البحرين، وما يجري فيها من تطورات إيجابية ألقت بظلالها على ما كان في أذهانهم ومخيلتهم من أفكار مسبقة حول الشعب البحريني وانتخاباته، وما وجدوه من ترحيب وكرم ورُقي وما سمعوه من المواطنين ومن قادة البلاد من فكر ومعرفة، أكدوا ليً بأن زيارتهم هذه غيرّت الكثير مما كان في مخليتهم، وأنهم وجدوا هنا قيادة على مستوى عال من المعرفة والثقافة، وتحديدا لفت انتباهم كفاءة وحنكة كل من الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة المدير التنفيذي للانتخابات النيابية، والشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة الوكيل المساعد لشؤون الإعلام الخارجي رئيس اللجنة الإعلامية للإنتخابات اللذان لعبا دورا مهما في نجاح العملية الانتخابية، وعكسا الصورة المشرقة لما تحظى به البحرين من وجود قيادات ذات كفاءة عالية في العديد من المجالات التي تسهم في التطور والازدهار، النواب الجدد ردوا على أسئلة الصحفيين باللغة العربية والانجليزية.

تميّز البحرين

أتذكر عندما كنا في إحدى مراكز الاقتراع في مدينة المحرق جاءت إلينا امراة كبيرة في السن تخطو نحو السبعين من عمرها، تحدثت للصحافيين الأجانب بلغة انجليزية فصيحة اللسان، عبّرت عن سعادتها بالتحولات الجديدة في البحرين، ومشيدة بسمو الأمير حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد (آنذاك) وابتسامته التي لا تفارق وجهه، وحديثه العفوي الذي يدخل القلوب بلا استئذان، وفي حديثها طلبت منا جميعاً أن نعكس حقيقة ما جرى في البحرين من انتخابات وحرية في اتخاذ القرار.

ومن التعليقات التي عبّرت عن حقيقة ما يجري في البحرين قال لي أكثر من زميل صحفي زائر بأنهم اكتشفوا بأن البحرين تختلف اختلافاً كبيراً عن محيطها العربي والاسلامي بالعمق الحضاري، الذي ساهم كثيراً في جعل البحرينيين أهل معرفة وثقافة عالية، ومستوى من الرقي لم يتوفر في الكثير من البلدان العربية التي زاروها في حياتهم، وباعتبار أنني صحفي ومقيم في البلاد كانت توجه ليّ الكثير من الأسئلة حول تأثير الإصلاحات السياسية التي حدثت في البحرين، وقد ذكرت لهم في إحدى المرات بأن هذه التغيرات ربما لا توجد في أي بلد عربي في الوقت الراهن لأن مشاريع الإصلاح تحتاج لإرادة قوية جدا، وفكر وسعة معرفة.

هناك أمراً آخر جديرا بالحديث عنه وهو ما يعرف بـ (الديمقراطية الشعبية)، وقد بينت لهم بأن مشروع الإصلاح فتح أبواب التداول السياسي والثقافي والمعرفي من خلال المجالس الشعبية أو ما يعرف بالديوانيات المنتشرة داخل الأحياء في كل مدن البحرين وقُراها، وهو ما يمثل شكلا من أشكال الممارسة الديمقراطية انتشرت بشكل كبير، وتم من خلالها مناقشة كل القضايا التي تهم أمر المواطنين، وبالتالي ساهمت في توعية الناس ورفعت من درجة المعرفة لديهم، فيما يتعلق بحقوقهم السياسية في اختيار ممثليهم في المجالس التشريعية، وكثيرة هي المواقف التي عشتها بنفسي مع الصحافيين الذين دعتهم حكومة البحرين لتوثيق هذا الحدث التاريخي الكبير.

لم يكن الصحافيون وحدهم الذين جاءوا إلى البحرين لحضور العملية الانتخابية الأولى في العهد الإصلاحي، بل هناك جاء العديد من الإخوة المراقبين الذين مثلوا المنظمات الأجنبية في رقابة الانتخابات وكان غالبيتهم من أصول عربية، وكانوا معنا بشكل دائم وسجلوا في دفاترهم الملاحظات التي خرجوا بها، وهم أيضاً قد اتيحت لهم حرية الحركة في البحرين وزيارة المناطق داخل البلاد؛ للتأكد من حرية العمل السياسي حتى قبل عملية الاقتراع بأيام، وقد كان الكثير منهم شهوداً على الحملات الإعلامية الانتخابية التي جرت في البحرين، كانت سعادتهم بالغة بحضورهم البحرين في هذا الوقت، وقد تعرفوا على الكثير من الأشياء المهمة التي لا يعرفونها عن شعب هذه الجزيرة.

الصحافيون الأجانب أيضاً تفاعلوا مع ظهور نتيجة الانتخابات بالحديث والتعليقات وتأكيدهم على أن الشارع البحريني حرص على المشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية لتحديد ملامح المجلس النيابي، الكثير منهم تنبأ بمستقبل مشرق للديمقراطية في البحرين من خلال النتائج التي أفرزتها الانتخابات التي جرت في 24 أكتوبر 2002م، حيث شهدنا جميعاً التفاعل الجماهيري الكبير معها وما تمخضت عنه، وللدقة والحنكة في تنظيم الانتخابات، ووعي الذين وقفوا عليها وقاموا بترتيبها وتنفيذها، فقد حظيت بإشادات محلية وإقليمية ودولية واسعة.

الانتخابات البلدية دفقة جديدة للعمل الشعبي

صورة أخرى من صور الإنجاز الذي حققه المشروع الإصلاحي، والمتمثل في الانتخابات البلدية الأولى في هذا العهد بمثابة نقلة حضارية كبرى شاركت فيها جميع الفعاليات والقوى السياسية، وأُعتبرت تأكيد لمبدأ فصل السلطات، وفي الوقت نفسه تحقيق التفاعل فيما بينها، وإشراك الشعب في ممارسة السُلطة باعتباره مصدر السُلطات جميعًا، وقد ذهب البحرينيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب خمسة مجالس بلدية بالاختيار الحر، حيث أسفرت الجولة الأولى للانتخابات يوم التاسع من مايو 2002م عن فوز ثلاثين مُرشحاً من إجمالي عدد المقاعدالخمسين التي كان يتم التنافس عليها، فيما تم تحديد الفائزين في العشرين مقعدا المتبقية في الجولة الثانية التي جرت يوم 16 مايو، وبلغ عدد المرشحين نحو 306 مرشح، من بينهم 31 امرأة، مثلوا مختلف القوى والاتجاهات السياسية.

أشاد المراقبون بهذه الانتخابات ليس فقط لطبيعة صلاحيات تلك المجالس المُعبرة عن التطور الديمقراطي، وإنما لأن عملية اختيار الأعضاء البلديين ذاتها ومسار الحملة الانتخابية شهدا نجاحا على المستويات كافة، حيث كانت مقدمة للانتخابات النيابية بعد أن أعرب كل من المرشحين والناخبين عن تقديرهم لمستوى الحرفية والحيادية الذي أظهره مسئولو الانتخابات في كل مراحلها من تسجيل المرشحين وإحصاء عدد الأصوات حتى إعلان النتائج، وكان سبب إعجاب المراقبين ارتفاع نسبة المشاركة، التي ووصلت في بعض المناطق إلى 76 % و نسبة المشاركة من جانب المرأة أكبر من الرجل، حيث وصلت إلى 51% مقابل 49% للرجال، وبلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات أكثر من 55%.

ورغم إخفاق المرشحات في الفوز بأي مقاعد، فإن الدولة رأت في تشجيع المرأة على المشاركة في الساحة السياسية أكثر أهمية من مجرد الفوز بأي مقاعد، وقد اعتبرت وسائل الإعلام الأجنبية والعربية، وجميع الآراء التي علقت عليها آنذاك أنها تمثل «حدثًا فريدًا» وسابقة يمكن الاحتذاء بها في المنطقة، وذلك لأكثر من سبب، يرجع إلى أنها شهدت إقبالاً كبيرا وحماسة للمشاركة في إحدى فعاليات صنع القرار في الدولة، وأن التجربة مثلت خطوة ضمن خطوات لبناء ديمقراطية على أسس سليمة وصحيحة، و كانت تعبيرًا عن إمكانات المرأة البحرينية في المشاركة والمساهمة في إدارة الشأن العام في البلاد.

هناك مؤشرات إيجابية تظهر للمراقب للأحداث في البحرين ويمكن النظر إليها بعين الباحث عن الحقيقة في أهمية ما جرى ويجري على الساحة من تطورات،  تكشف عن المستقبل المشرق للتجربة الإصلاحية التي قادها الملك حمد بن عيسى، وتتمثل في الآتي:

• التجربة الانتخابية في البحرين عبرّت عما تشهده الساحة من تطورات ومن حراك سياسي وفكري وثقافي وأدبي واجتماعي ما يؤكد صدق التوجهات الديمقراطية.

• يعود الجزء الأكبر للتحول في المملكة إلى قناعة قيادتها السياسية بضرورة التحديث والتطوير، والتي لعبت في هذا السياق دوراً فاعلاً في نجاح تلك التجربة وبلوغهذه النسبة من المشاركة.

• عكست إدارة عملية الانتخاب في كل الجولات قدرًا كبيرًا من الشفافية والنزاهة، ولاسيما مع مراقبة جمعيات وطنية.

• لم تسجل العملية الانتخابية أي حوادث عنف أو مظاهرات أو تشكيك في نزاهة إجراءاتها، وهو مؤشر على احترام جميع الأطراف لرغبة المواطن وإرادته، فضلاً عن احترام قواعد اللعبة السياسيةسواء من جانب الحكومة أو المُعارضة.

• تجاوزت نسبة المشاركين في الدور الأول من الانتخابات النيابية توقعات المراقبين وذلك مقارنة بمثيلاتها في العديد من الدول الأخرى، وحازت الانتخابات اهتماماً دولياً وتغطية موسعة من وسائل الإعلام، عربية وأجنبية، حيث استضافت البحرين أكثر من 300 صحفي ومراسل لصحف وشبكات تلفزيون وراديو ووكالة أنباء؛ لمتابعة وقائع العملية الانتخابية.

التفاعلات السياسية في المجتمع

كان قد مضى على وجودي في البحرين ما يربو على العامين عندما بدأت العملية الانتخابية الأولى في العهد الجديد (اكتوبر 2002م) حيث شهدت المرحلة التي سبقت الانتخابات والتي امتازت بالكثير من المشاهدات الإيجابية التي أكدت أن المجتمع البحريني حقيق بهذا التطور ما دام يمتاز بهذا الوعي والإدراك، الواقع ثمة أرضية طيبة في هذه الجزيرة للشروع في حياة برلمانية على هدى وكتاب منير، حيث شهدت الساحة المحلية مناقشات عميقة بشأن جدوى نظام المجلسين، وقد رأى البعض من المكونات السياسية أن وجود مجلس معين هو أمر سلبي، وهو في الحقيقة ليس كذلك وبحسب اتحاد البرلمانات الدولي فقد بلغ عدد البرلمانات الوطنية حول العالم 190 برلماناً يطبق 60% منها نظام المجلسين مقابل 40% لنظام المجلس الواحد.

وفي المقابل كانت هناك قناعات في البحرين تقول أن عدم المشاركة في العملية الانتخابية غير مبرر، وترى أنه من الأفضل لمن لديه رأي حول هذه المسألة يجب أن يشارك أولا ويطرح كل ما لديه من أفكار ومن رؤى داخل المجلس النيابي، وليس خارجه باعتبار أن ما يطرح داخل البرلمان له تأثيره في عملية التشريع بتعديل صيغة التعبير عن الآراء إذا كان مجلساً واحداً أو اثنين.

بعد الانتهاء من الانتخابات الأولى نشطت المنتديات والمجالس الاجتماعية المنتشرة في كل مُدن البحرين وقُراها، وكان ما يطرح في البرلمان يلقي بظلاله على هذه الملتقيات العفوية التي أصبحت تلعب الدور الكبير في صياغة الوجدان الوطني نحو ترسيخ القيم الديمقراطية الحقة، كانت وما زالت هذه المجالس تناقش أمهات القضايا التي تشغل الساحة بلا استثناء، إذ اتسمت بروح المسؤولية وأدب الحوار والتداول الراقي بين أصحاب الأفكار المتباينة، شخصياً تعلمت الكثير من هذه النقاشات والحوارات التي يديرها أصحاب الحظوة السياسية والعلمية والخبرات الحياتية والمهنية ويشارك فيها بالنقاش كل الحضور في أجواء اجتماعية وودية غير معهودة في الكثير من الدول العربية، ويرجع ذلك لنسبة المعرفة العالية لدى الشعب البحريني، وهو أول شعب في المنطقة ارتاد التعليم النظامي قبل أكثر من مئة عام، وتؤكد الإحصاءات الرسمية والأممية بأن البحرين أقل دول العالم بالنسبة للأمية، والتعليم فيها إلزامي، ونزد على ذلك التأثير الحضاري على الشعب البحريني الذي شهدت أرضه أقدم الحضارات في المنطقة والمحيط تمتد لأكثر من 5 آلاف عام.

كل هذه الأسباب جعلت التفاعل السياسي في البحرين أكثر نضجاً للتداول الشعبي حول الملفات المهمة في البلاد، وكنت سعيداً للغاية وأنا أتجول بين المجالس لتلقي المزيد من المعرفة عن الشعب البحريني ومشروعه الإصلاحي وتأثيره على الواقع المعاش، علاوة على ما تنشره الصحف من موضوعات ساخنة تجعل الزائر من الوهلة الأولى لا يصدق أنه في بلد خليجي وعربي نسبة للمساحة الواسعة من الحريات الصحافية، وحرية إبداء الرأي في موضوعات تمثل في كل دول الجوار خطوطاً حمراء لا يمكن بأي حال من الأحوال مناقشتها لا على مستوى البرلمان ولا عبر الصحف اليومية ولا في المجالس العفوية ذات الصبغة الاجتماعية، هذا ما يعني أن التحولات التي قادها الملك حمد بن عيسى آل خليفة قد ارتقت بالبلاد إلى مصاف دول العالم المتحضر.

هذه الذكريات الجميلة وغيرها الكثير ستكون محفورة في ذاكرتي لأنها عشتها بكل خلجات نفسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق