
محمدالمنتصر حديد السراج
بالرجوع الى قول بروفيسور توينبي في الحلقة الخامسة وهو يشير بحسب الخبرة الاستعمارية الطويلة في الهند الى ما يسميه الهنود(كارما) ومعناها سلسلة الإثم الأخلاقي، وهو أن من طبيعة البشر إنزال الشر الذي يلحق بهم الى آخرين، ومثل لذلك باليهود، وهو يقول: وإذا أردتم أن تروا كيف كان اليهود أثناء ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة بعد نفي نبوخذ نصر لليهود، فاذهبوا الى قطاع غزة وستلمسون روح العرب هناك وحالتهم الفكرية. إنهم يقولون نفس الأشياء التي كان يقولها اليهود إذذاك والتي ظلوا يقولونها فيما بعد: (هذه هي بلادنا. وإنا لعائدون).
وأشار توينبي أيضا الى أن الطوائف اليهودية في العالم كله مكنت لقيام إسرائيل بالمساعدات المالية والتأييد السياسي وخاصة مواطنو كندا والولايات المتحدة الذين ينتمون للدين اليهودي والذين لهم أعظم سلطة مالية وأشد أثر سياسي في هذا الأمر… (وما زالوا).
رد السفير الإسرائيلي في كندا هرتزوج بقوله: إن ما تقولونه إذن هو أنكم أنتم الإسرائيليون لا تستطيعون الوقوف فوق مستوى البشر لأن ما فعلوه وقت الحرب، حتى دفاعا عن النفس، قد اقترفتموه أنتم أيضا. هل هذا صواب يا سيدي؟
ب. توينبي: نعم، وكذلك، وقد يبدو غريبا أن أدافع عن الألمان، وخاصة النازيين، الذين قاست بلادي (بريطانيا) على أيديهم الكثير في حربين عالميتين، هؤلاء أيضا بشر وإن ما فعله النازي ليس أمرا فريدا. ليس فريدا في المعنى الذي شرحه السفير(هرتزوج)، ولكن هذا أمر، لتعاسة البشر، يتصل بالطبيعة البشرية وعلينا أن نعمل على القضاء عليه. أما لماذا استشهدت بموضوع الإسرائيليين، فقد كان هذا لأني كنت أكتب في مسألة فلسطين وموضوع اليهود والأمم في العالم.
هرتزوج: ولكنه أمر ينطبق على أية أمة أخرى.
توينبي: وكما قال السفير مستشهدا بكتابي، أني قد استقيت أمثلة من تاريخ بريطانيا وفرنسا.
هرتزوج: وعلى ذلك أعتقد أنه بالنسبة لهذه النقطة يمكن القول إن هناك درجات بالنسبة للفظائع التي اقترفت في التاريخ. ولا شك أن المجازر النازية وما فعله هؤلاء أمر فريد ولا يمكن تشبيهه بأي مظلمة أخرى.
والآن أود أن أنتقل الى النقطة الثانية وهي مشكلة ملكية الأرض. وأقول إن أي دراسة لسجلات حكومة الانتداب البريطاني تظهر أن 70% من الأرض التي تدخل الآن في إسرائيل كانت ملك الحكومة. أي أنها كانت ملكا لحكومة الانتداب، وقبل ذلك للدولة العثمانية. ولم تكن قط ملكا لأي وجود سياسي عربي منفصل في أي عصر من العصور. والواقع أن الفترة الوحيدة التي كانت فيها فلسطين كيانا سياسيا منفصلا هي تلك التي اقترنت بالحكم اليهودي والثانية حكم الصليبيين…لكن هذا أمر لا موضع لمناقشته الآن.
توينبي: إني أتحدث عن الملكية الخاصة.
هرتزوج: بالنسبة للملكية الخاصة ولكل ملكية أخذت خلال الحرب قد وعدنا بدفع التعويض الكامل. لقد وعدنا بهذا مرة بعد مرة في الأمم المتحدة وأنا أستطيع في هذا الأمر أن أتحدث بصفة رسمية رغم أني هنا في صفة غير رسمية.
ولكن يا سيدي الأستاذ لنعد الى مسألة الارتباطات التاريخية التي كنت أشير إليها. لقد رددت الصحف قولك: (أن ليس لإسرائيل حق تاريخي). فهل أورد بعض حقائق تتعلق بهذا الأمر؟ أولا أن الإقامة اليهودية في أرض إسرائيل لم تنقطع طوال التاريخ بل كانت إقامة متصلة. وأستطيع أن أتلو عليكم ما يثبت هذا قرنا إثر قرن. الأمر الثاني أن العودة لإسرائيل أمر جوهري في عقيدتنا الدينية وفي صلواتنا وأعيادنا وفي كل وجه من وجوه آمالنا القومية. والأمر الثالث أن المجتمع الدولي قد اعترف بحجية هذا الحق بواسطة تصريح بلفور وعصبة الأمم والأمم المتحدة. والأمر الرابع أنه حتى بالنسبة للعرب فقد اعترفوا بهذا في أول الأمر، في رسالة من الأمير فيصل الى الدكتور وايزمان حينما كان يرأس وفد العرب في مؤتمر السلام، تم اتفاق بينهما وشفع هذا الاتفاق بكتاب قال فيه الأمير فيصل أنه يرحب بعودة اليهود الى ديارهم.
(يتبع)