مجتمع

حول الطلاق وتعدد الزوجات في الإسلام

بدر الدين العتَّاق

 

  قال تعالى : ‭{‬ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ‭}‬ سورة النساء.

    هذه الآيات تتكلم عن الزواج ونكاح النساء في حالة وجود يتامى يعُلنهن ورغب الرجال في نكاحهن على أن يعولوا معهن عيالهن إضافة إلى عياله من زوجة أخرى وهو قادر ومستطيع؛ وقد سبقت الإشارة لهذه المسألة في مقال سابق وللتذكير فقط لما جاء فيها : إنَّ تعدد الزوجات يقوم على مبدأين أساسيين هما : المقدرة على تحمل المسؤولية بكل ما تحمل من معنى ومبنى وبالتحديد المقدرة المالية ؛ والعرف المجتمعي السائد في قبول أو رفض مبدأ التعدد بأكثر من واحدة؛ ولا داعي لشرح آية «مثنى وثلاث ورباع» فقد أطلنا الشرح فيها والوقوف عندها.

سبب مواصلة هذه المادة بافتراع عنوان جديد من ذات الموضوع هو: الآية التي قال فيها وعنها الفقهاء والعرفاء والمتكلمة من الناس الكثير والمختلف حوله وفيه ومنه ويمكن مراجعتها في مصادرها الأصلية من الكتب والمراجع والانترنت وذات الصلة؛ وهي : ‭{‬ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ‭}‬ فذهب أغلب المفسرون بتعلقها بالنكاح أو تعدد الزوجات وقالوا باستحالة العدالة في الميل القلبي ولهم شواهدهم في ذلك وكلمة: « ولو حرصتم» تفيد استحالة العدالة بكل وجوهها وبالذات العاطفة القلبية لأيهن فمن باب أولى الاكتفاء بواحدة حتى لا يقع الرجال في شرك التعدد بالظلم ؛ لكن الشاهد هنا هو أن الآية لا تتعلق بالتعدد من حيث هو تعدد أو الزواج أو النكاح بقدر ما تتعلق فيما بعد تلكم المرحلة بالذات المشاحنة والخلافات والإعراض وما أشبه بين الأزواج لا بسبب عدم عدالة الميل القلبي العاطفي او المادي فيما يخص الإنفاق او النفقة بكل درجاتها وأنواعها للرجل بينهن لكن أؤكد أنها بسبب الخلافات العادية التي يمكنها أن تؤدي في النهاية إلى الطلاق وهو ما أشارت اليه الآية الأخيرة عاليه : ‭{‬ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ‭}‬ حال لم يؤدي الصلح إلى خير أو نتيجة إيجابية وعودة العلاقة الزوجية لحالها الطبيعية من الحب والاحترام والتقدير «وأحضرت الأنفس الشح» .

الآية تعالج قضية اجتماعية بحتة من القاعدة الأساس وهي النشوز للرجال بالذات؛ إذ هناك ذات القاعدة النورانية العامة الإجتماعية وهي قضية النشوز للنساء؛ وليس ههنا موضع تفصيلها؛ فينبغي التركيز على الموضوع الأصل الأول وهو نشوز الرجل وحالت الحياة بينه وامرأته أو نساءه إلى جحيم لا يطاق ولم يبق غير الطلاق والفِراق حلاً.

    النشوز؛ عرَّفه المختصون بأنه حالة أو عوامل نفسية سالبة وبالتحديد للمرأة فلا يمكن الاتفاق والبقاء بينها وزوجها في بيت واحد واستحالت الحياة مع بعضهما البعض والعكس صحيح تماماً؛ ويطيب لي أن أضيف إلى ما سبق من تعريف أن الناشز الرجل أو المرأة هو حالة وسلوك بشري مخالف ومعاكس ومغاير للفطرة الإلهية السوية من طبيعة التعامل للأشياء والأحياء لأيهما كان؛ وهذا التعريف الإضافي للمعروف سلفاً والقاضي بفهم عدم طاعة المرأة لزوجها هو خطأ شنيع ويُتعامل مع مثل هذه الحالات بالجناية على المرأة أولاً واتهامها بالتقصير ثم الجنوح للرجل واتهامه بالتقصير ثانياً وعنهما معاً ليس الأمر بيد أحدهما أو كليهما إذ هذه الغريزة البشرية التي أوجدها الله في الجينات المتوراثة يستحيل التعامل معها بطبيعة الأشياء هي أساس الإشكال وليس لأحدهما فيها يد أو دور .

بمعنى ثاني؛ إختيار أحد الزوجين لبعضهما البعض لم يكن له حظ من التوفيق قبل التعارف والزواج لاختلاف الطبائع والعادات والغرائز والفهم والمعاملة والسلوك وحسن التصرف من عدمه إلى غيرهم من الأسباب أو معرفة هذه الفطرة الاستثنائية الجينية واضحة قبل النكاح والدخول في علاقة مزاوجة ؛ فهذا هو الإشكال الحقيق الذي يؤدي لفشل العلاقة الزوجية وما يليها من مشاكل وخلافات تحول أول ما تحول إلى وتصرف أول ما تصرف إلى سوء المقدرة المالية ثم عدم التحلي بالمسؤولية وما أشبه فتكون النتيجة الطلاق أو الفِراق وغالباً يكون الطلاق هو الحل؛ لذلك قال تعالى : ‭{‬ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ‭}‬ فالله يعلم سلفاً نتيجة هذه الزيجة ليُعَرِّف الناس باختلاف الطبائع والعادات والمفاهيم وتنوع الخلق بغير الفطرة السليمة التي محلها قرارة النفس البشرية الواعية الراشدة؛ أو قل : ليعدد الله من سعة علمه لضيق علم البشر بأن الناس تختلف من داخلها لمثل هذه الحالة كما تختلف في خارجها لذات الحالة لذلك قال : ‭{‬ وكان الله واسعاً حكيماً ‭}‬ المصدر السابق.

    أحال الفقهاء والعرفاء خلاف فهم هذه الآية من تلكم الحالة الشاذة عرفاً اجتماعيا وطفرة جينية إن صح التعبير إلى ربطها بالمقدرة المالية وتحمل المسؤولية من عدمها بالنسبة لتعدد الأزواج وهذا خطأ! والصواب إن شاء الله هو ما ذهبنا إليه من سياق وصياغ الثلاث آيات السابقات ذاتها لوصف كيفية التعامل معها سلباً أو ايجاباً؛ راجع تفسير بن كثير اعتماداً على قول بن عباس لهذه الآيات واسقاطها مع معطيات روح النص القرآني لتجد الفرق بين المفهومين إن شاء الله .

أُنبه هنا لأمرين اثنين الأول منهما : نسبة الطلاق في السودان وقياساً في كل العالم بلا استثناء لمعرفة ما تؤدي إليه مثل سبب هذه الحالة غير الطبيعية إلى فوضى أسرية عارمة ؛ وأسوق التقرير التالي من صفحة النهار الإلكترونية بالنت بتاريخ ١٦ / ٦ / ٢٠٢٢ للتدليل كما يلي :

أظهرت إحصائية رسمية نشرتها إدارة الإحصاء القضائي والبحوث في السلطة القضائية السودانية ارتفاع عدد حالات الطلاق في السودان خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى أرقام غير مسبوقة متجاوزة الـ 270 ألف حالة.

    وبحسب الإحصائية ، فإن الفترة من 2016 إلى 2020 شهدت ارتفاعاً كبيراً في حالات الطلاق إلى 270,876 حالة، منها في العام 2016 وحده 48,351 حالة، بينما شهدت الأعوام 2017، 55,478 حالة، و2018، 59,339 حالة، و2019، 60,202 حالتين، و2020 47,506 حالات، هذا عدا الحالات التي لم يتم حصرها لعدم وصولها إلى المحاكم، فيما أشار آخر الاحصاءات إلى وقوع 70 ألف حالة خلال العام 2021، ما يعني ازدياد نسبة الطلاق سنوياً وبمعدلات مقلقة.

    وتوزعت حالات الطلاق بنسب متفاوتة فحلت ولاية الخرطوم في المرتبة الأولى بـ93,119 حالة، والقضارف 21,280 حالة، ولاية النيل الأبيض 18,789 حالة، الجزيرة 17,508 حالات، نهر النيل 15,951 حالة، شمال كردفان 13,675 حالة، غرب كردفان 11,316 حالة، النيل الأزرق 10,300 حالة، شمال دارفور 8,499 حالة، البحر الأحمر 7,297 حالة، سنار 6,568 حالة، جنوب دارفور 6,344 حالة، شرق دارفور 5,148 حالة، جنوب كردفان 5,557 حالة، ووسط دارفور 1,491 حالة]؛ انتهى.

    بما أن قاعدة الطلاق مختلفة الأسباب من جماعة لأخرى ومن مكان لآخر؛ تظل قاعدة آية النشوز للزوجين أحد أهم أسباب وعوامل ودوافع الفشل الأسرى أو نجاحه؛ ثم بقية الأسباب والدواعي والدوافع.

    الأمر الثاني؛ كيفية معالجة أو تقليل نسبة تداعيات ونهايات قضية الخلافات الزوجية بصرف النظر عن أي عوامل أخرى ما هي وكيف تتم ؟!.

    فيما أرى حسب قراءة المشهد المجتمعي وبالتحديد السوداني منها يكون في عدة معالجات أهمها :

    ١ / حسن الإختيار؛ وهي عوامل خارجية اجتماعية متعددة ومختلفة ومتباينة من جماعة لأخرى .

    ٢ / تحديد الإختيار؛ وهي عوامل شخصية لاعتبارات معينة تنبني على رغبات حسن الاختيار؛ البند الأول كالقناعة والقبول مثلاً .

    ٣ / المقدرة المالية وتحمل المسؤولية؛ / لا الميل القلبي العاطفي والقدرة على الإنفاق والعدالة بينهن وعيالهن كما ذهب الفقهاء وأضرابهم في فهم هذه الحالة من الآية سابقة الذكر تحديداً / وهي سبب يكاد يكون مباشراً في استمرار أو إنقطاع العلاقة الزوجية .

٤ / التوافق والاتفاق والقواسم المشتركة كالتعليم والثقافة والأخلاق في قمتها مثلاً .

٥ / مراعاة العرف الاجتماعي السائد في المنطقة المعنية باعتباره قانوناً لا يمكن تخطيه بحال من الأحوال .

٦ / الظرف الاقتصادي الخاص والعام؛ فهو من أوكد أسباب انهيار العلاقة الزوجية من ديمومتها وهو عامل تكتظ المحاكم المتخصصة بسببه؛ راجع التقرير السابق .

٧ / مراعاة يتامى النساء والعدل بينهن وبين الأبناء الآخرين من زوجات أخريات فهم من الضعف بمكان / راجع عنوان هذه الكلمة : «حول تعدد الزوجات « القسم الأول منه / ومن أجلها كانت مطلع سورة النساء مثنى وثلاث ورباع وما يليها من أحكام وتشريعات دينية في ذات السياق والصياغ .

    ٨ / إعطاء الأجور لهن؛ وهو ما يعرفه الكثير من الناس بالمهر أو النفقة عليهن وأولادهن؛ وحقيقة الأمر يدخل في الأجور أكثر من بند مثل التعليم والصحة والكساء والمأوى والأثاث وغيرهم ؛ راجع بحثنا عن تعدد الزوجات في الإسلام بالنت وخلافه.

    ٩ / النكاح علاقة مشاركة بين رجل وزوجته أو زوجاته فالمسؤولية أيضاً مشاركة بينهما على قدم المساواة في المكره والمفرح وأقصد تحديداً هنا مسألة النفقة أو الإنفاق القضية المهمَّة التي تلي قضية الطلاق من عدمه في الحياة المشتركة بينهما ولا تكون حكراً على الرجل كما هو شائع اليوم .

١٠ / محاولة تثبيت العلاقة الزوجية بقدر الإمكان حالة الإعراض من بعضهما البعض ‭{‬ فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير! وأحضرت الأنفس الشح؛ وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ‭}‬ على أن يتحمل الزوجان تبعات ما بعد الانفصال كما تحملاها قبل الفِصال أو الطلاق.

لا يرتبط مفهوم النشوز لجماعة بعينها دون الأخرى لكل القافلة البشرية بل هي لعموم الناس وتمثل حالة استثنائية لكنها موجودة في كل مكان وتُعامل كل حالة منفردة لمعالجتها إذ تختلف المعالجات باختلاف القضايا والأعراف والتقاليد والعادات والدين للناس باختلاف مذاهبهم الفكرية والقانونية وخلافه فالقياس هنا نسبي لا تقريري بمعنى فتوى من صميم الآية من قوله تعالى : ‭{‬ ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ‭}‬؛ / الكتاب في الآية هنا هذه الكلمة إن شاء الله / كما ترى .

الموضوع شجون؛ ويحتاج لوقفات تطول ولا تقصر وآراء وحلول جذرية قدر الإمكان ولا يمكن تقصيها في هذه الكلمة القصيرة وتحتاج إلى خبرات وتخصصات ودراسات علمية دقيقة ونافذة من المجتمع والدولة وتفعيلها قانونياً للحد من نسب الطلاق العالمية للإنسانية كلها؛ ولا تقف أيضاً بكل تأكيد على الرأي الفقهي الموروث حيث يجب التفريق بين القضيتين تفريقاً دقيقاً : قضية تعدد الزوجات وقضية النشوز المؤدية في أغلب الأحيان إلى الطلاق قال تعالى : ‭{‬ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة؛ وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً ‭}‬ ؛ ومقصود روح الآية هنا من ‭{‬ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ‭}‬ هو محاولة تغيير الخارطة الجينية لهن / للنساء / لأن تركيبتهن في هذا المستوى لن ينفع معها العدل والعكس صحيح للرجال ؛ فالعدل مخصوص بالاتفاق أو الصبر على حسن المعاشرة لا العدل في الميل القلبي كما قال بذلك من قال؛ وإلا ‭{‬ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً ‭}‬ حتى تجد أو يجد أحدهما الخيار الأنسب والأقوم لبداية حياة جديدة وتجربة زواج جديدة يتفقان فيها ومعها وبها للوصول للحد الأمثل من تحقيق ونجاح تجربة التعدد أو النشوز او الاكتفاء بواحدة أيهم أفضل ؛ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق