سلايدرسياسة

متى يستيقظ الجنرال من التوهان؟

بثينة تروس

منذ أن انقلب البرهان على السلطة الانتقالية، لم يفتر لسانه من التصريحات التي يبتدرها بعبارة (لا أريد حكم السودان ولا المؤسسة العسكرية تريد الحكم) ويعقد الاتفاقيات مع المدنيين، معلناً نية الإصلاح، فحين يحين اجل تنفيذها، ينقض غزله، كخرقاء مكة “ريطة بنت عمرو” قيل إنها كانت مريضة بالوسوسة، إذ كانت وجواريها تغزل من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فتنقض ما غزلته، حتى انه نزل في امرها قوله تعالى (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ).

فالجنرال لم يسبقه عسكري في نقض العهود بصورة فاضحه كالتي جُبل عليها، تجده بالرغم من فشل انقلابه الذي عجز عن إقامة حكومة لمدة عام، إلا ان دخيلته تُؤمن بصدق رؤيا والده، بأن ابنه له شأن عظيم في السودان! وللأسف الشأن العظيم كان نصيب الشعب منه مجزرة القيادة العامة التي احتمى فيها معتصمون شباب سلميون تعلقوا بأعتاب القيادة العامة، طلباً للحرية والسلام والعدالة، وتحت بصر ومتابعة البرهان كان نصيبهم الموت، والسحل، والاغتصابات، واخفاء الجثث والتخلص منها في النيل مكبلة بالأثقال، مجزرة الخرطوم التي اتحد فيها العسكر والدعم السريع لتنفيذ مخطط فض الاعتصام بتلك الصورة المأساوية المروعة والتي ما يزالان يتبادلان الأدوار في انكار مسئوليتهما عن جرائمها.

والرعاية الابوية للبرهان تجاه الدعم السريع وقائدها حميدتي دقلو، مصدرها عقيدة ضباط الجيش الإسلاميين، في الانتماء للحركة في المقام الأول، الذين صنعوا مليشيات الدعم السريع، وقاموا بتدريبهم بسخاء، وغيرها من اجندة التربص والتنافس والاحتماء بروسيا والامارات وإسرائيل وما يجري في الخفاء بين الرجلين، لذلك البرهان في حالة ازدواجية تثير الرثاء، تارة يصرح (قوات الدعم السريع جزء أصيل من القوات المسلحة وستبقى جزءاً من القوات المسلحة، ومهما قلنا ما بنوفي الدعم السريع حقه قبل التغيير وبعده، وقد قام بأدوار كبيرة لا ينكرها إلا مكابر) سونا -20مارس21

وتارة أخرى في متاهته، يصدر خطاباته العنترية التي يخيل إليه انها تنطلي على الشعب السوداني الحصيف، من شاكلة مخاطبته لثوار ديسمبر حين عقد اتفاقه الأول مع قوى الحرية والتغيير ووصفها، بأنها فترة الحكم الراشد، والالتزام بالعدالة الاجتماعية، وحكم القانون! خاطب الشباب وقتها بلغتهم (ناس الرصة والراسطات والناس الواقفين قنا)، ثم انقلب على الحكم المدني، وقتل العسكر واللجنة الامنية، الواقفين قنا والكنداكات بدم بارد. ولأن الجنرال فاقد للمصداقية، ويتحرى الكذب، عاد للعبث بالموقعين على الاتفاق الاطاري، حين صرح للشعب، الخميس 16 فبراير23، (انه لا أحد يستطيع هزيمة الجيش، وتنفيذ الاتفاق الإطاري مرهون بدمج الدعم السريع)!!

السؤال، هل يعي البرهان تفاصيل الاتفاق بينه و(ق.ح.ت)؟ وماذا تعني لديه بنود الإطاري التي ورد في متنها (1) (قوات الدعم السريع قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة ويحدد القانون أهدافها ومهامها ويكون رأس الدولة قائدا أعلى لقوات الدعم السريع) (2) (ضمن خطة الإصلاح الأمني والعسكري والذي يقود إلى جيش مهني قومي واحد يتم دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية المتفق عليها)، من نص الاتفاق الإطاري بين القوى المدنية والعسكر، المنشور 5 ديسمير 22.

وعلى أي أساس وقع البرهان الاتفاق الاطاري؟ أم كان (شاهد ماشافش حاجة)؟ متى يفيق الجنرال من هذا التوهان؟ ويقلع عن العبث بالمكون المدني! بل ماهو موقف الموقعين على الاتفاق الاطاري من هذه التصريحات الخطيرة؟ وهم يدركون انه سبق للبرهان اعلان مثيلاتها مما أدى إلى فوضى أضرت بالمشهد السياسي منذ انقلابه الفاشل، وأودت بالبلاد لهذه الازمة الخانقة، التي استباحت أرض البلاد بالأجاويد من المجتمع الدولي من أصحاب المصالح والمطامع. ومن شأنها كذلك الاضرار بالعملية السياسية الحالية، خاصة وأنه رجع لنفس محاور معضلة اشتراطات وحدة القوى المدنية (الجيش لن ينصر جهة على جهة أخرى وأدعو السياسيين للبعد عن المزايدة باسم القوات المسلحة) واشتراطات البرهان (إذا إرادة الحرية والتغيير قيادة الشعب السوداني عليها تقبل الاَخر)، أي تعني اغراق العملية السياسية بالفلول والانقلابيين لا محالة.

هل تأمن القوى الموقعة على الإطاري مآلات تصريحات البرهان الهوجاء التي يسيئ فيها باستمرار للمدنيين، ولا يرعى حرمة لاتفاق او توافق بينهم؟ وكذلك رد فعل الدعم السريع وقائده، خاصة بعد ان ارتفعت أصوات البعض بتسويقه انه صادق في دعمه للاطاري وحامي حماه، الشيء الذي فتح باب التنافس بين الرجلين ومباراة اظهار القوة بين كليهما، والبلاد تشهد فوضى أمنية جديدة يتزعمها الفلول أعضاء حزب المؤتمر الوطني، تتصدر الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، مع صمت تام ورعاية خفية من البرهان، الذي يسمح في هذا الظرف السياسي المعقد لأمثال اللواء أمن الاخواني انس عمر، بالجرأة على التصريحات المحرضة على إشاعة الفوضى واثارة الهوس الديني بإعلان الجهاد الإسلامي، ومعه منسوبو النظام البائد يحملون صور المخلوع في الأعلام (باننا نحن الإسلاميين سوف نقف مع إخواننا الاحرار في سجون العبيد إلى ان يخرج الاحرار احراراً).

يقيننا ان الشعب السوداني يعلم صعوبة الصراع مع العسكر واطماعه، وصعوبة التنازل عن 82% من مالية الدولة لجيوب المواطنين، وانه لا أمان لهم ولا تهمهم مصلحته في الديموقراطية، لذلك ستظل الثورة مستمرة وإن تطاول امدها حتى ارجاع العسكر للثكنات للقيام بمهامهم في خدمة هذا الشعب والكف عن استغلاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق