سياسةمجتمع

البيوت الأثرية في البحرين تُحف فنية تتسم بجماليات حضارية رائعة

تربط بين الأصالة والمعاصرة

المنامة- خالد أبو أحمد

في كل بلاد العالم هناك بيوت أثرية استمدت اهميتها من كونها عريقة وتتسم بالجمال وعبقرية الانسان الذي بناها وأوجدها، ونجد في محيطنا الخليجي بيوتا أثرية كثيرة أصبحت معالما سياحية في المملكة العربية السعودية وفي سلطنة عُمان وفي اليمن على سبيل المثال، وفي العالم العربي السودان ومصر وسوريا ولبنان الكثير من هذه التحف الفنية التي تم تسجيلها كتراث عالمي لدي منظمة الأمم المتحدة للثقافة (اليونسكو)، فنحن عندما نتحدث عن بيوت أثرية إذن نحن نتحدث عن السياحة، وعندما نتحدث عن السياحة فإننا بلا شك نتحدث عن قيمة تضاف إلى الموارد المالية، إن مملكة البحرين زاخرة بالكثير من البيوت الأثرية التي تم ترميمها من قبل مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، وتبرز على السطح مدينة المحرق كحاضنة كبرى لتلك البيوتات التقليدية التي تمتد على جانبي أزقة المدينة الضيقة.

باعتبار أهميتها تقول وزيرة السياحة البحرينية فاطمة الصيرفي « ان مملكة البحرين تمتلك مقومات نوعية للجذب السياحي، بامتلاكها للقلاع التاريخية والجزر الترفيهية والمتاحف التاريخية العريقة، والمنازل الأثرية والمنتجعات السياحية والفنادق ذات السمعة العالمية، علاوة على ما تمتاز به من بنية تحتية عالية المستوى»، فعندما تذكر البيوت الأثرية هي تدري أهميتها بالنسبة للقطاع السياحي عموما سواء في البحرين أو في غيرها من دول الخليج العربية، والبحرين في سعيها الدؤوب لتنويع مصادر الدخل اهتمت اهتماما كبيرا بالقطاع السياحي باعتباره القطاع الذي يحرك العديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، ويتميز بقدرته أكثر من غيره على خلق فرص عمل عديدة متنوعة، ولذلك احتل القطاع مكانة متميزة في رؤية البحرين الاقتصادية 2030 كتوجه رئيسي للتنمية ولتنويع مصادر الدخل، وقد جاء هذا الاهتمام نتيجة لما تملكه البحرين من طبيعة جزيرية غنية بشواطئها، وتراثها  الحضاري الضارب في القدم.

هذا الاهتمام أيضا انعكس في الإعلان عن الاستراتيجية السياحية لمملكة البحرين للأعوام 2022-2026 وهي في الحقيقة استراتيجية طموحة للغاية، شملت وأوعت في مضامينها لأنها ركزت على جملة من الأهداف ذات الأهمية بالنسبة للقطاع السياحي في البحرين والمتمثلة في «أن الأهداف العريضة للاستراتيجية السياحية للأعوام 2022-2026 تبرز مكانة البحرين كمركز سياحي عالمي، وزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي وزيادة عدد الدول المستهدفة لجذب المزيد من السياح وتنويع المنتج السياحي».

والصحفي المقيم يدرك بأن حكومة البحرين قد نجحت بتقديمها رؤية شمولية تستند عليها الاستراتيجية عندما أعلنت تركيز هذه الاستراتيجية لتشمل عدداً من العناصر كالعمل على الواجهات والأنشطة البحرية، وسياحة الأعمال والسياحة الرياضية، والسياحة الترفيهية والسياحة العلاجية والسياحة التراثية والإعلام والأفلام السينمائية»، في الحقيقة هي جميعها جوانب سياحية مطلوبة في الوقت الحاضر، لذلك نعقد أن هذه العناصر من شأنها أن تجذب السياح إلى البحرين، ليس ذلك فحسب بل تجذب سياح من نوعية مختلفة تماما عن السياح العاديين، بالنظر إلى أهمية السياحة العلاجية والتراثية وذات القيمة الفنية العالية وهذا هو مربط الفرس.

في هذا المنحى نشير إلى أن الشيخة مي بت محمد آل خليفة الرئيسة السابقة لهيئة البحرين للثقافة والآثار رئيسة مجلس إدارة المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، قد لعبت دورا مهما وبارزا على المستوى المحلي والاقليمي والعربي والدولي، واصبحت شخصية لها وزنها في مجال الاهتمام والحفاظ على التراث ولها رؤية كونية في أهمية الاستثمار في  الثقافة كانت قد طرحتها في بداية الألفية الثالثة، عندما كانت تتولى منصب الوكيل المساعد لشؤون الثقافة والتراث الوطني في البحرين، أعتقد هي من أول من نطق بعبارة (الاستثمار في الثقافة) في البحرين، وهي صاحبة فكرة الاهتمام بالبيوت الأثرية وترميمها وقد انجزت ذلك من خلال موقعها في مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث.

إن البيوت الأثرية في مملكة البحرين بشكلها الحالي هي مجموعة من التحف الفنية الرائعة جدا، وتتسم بجماليات حضارية ذات أثر نفسي كبير لانها تربط بين الأصالة والمعاصرة، وهي بأي حال من الأحوال لا تشبه البيوت الأثرية في الدول الأخرى ربما لأن تجذر البحرين الحضاري متمثلا في حضارة دلمون يختلف عن باقي الحضارات الأخرى النظيرة في المنطقة، ومن هنا يأتي تميز البيوت الأثرية في البحرين بحيث يجد فيها الزوار والسياح شيئا مختلفا عما ألفوه من مرافق سياحية حول العالم.

الأهمية الاقتصادية والتراثية

بما أن أهمية الحفاظ على البيوت الأثرية وترميمها والعناية بها لتظل شاهدة على أصالة وعراقة مملكة البحرين كانت هناك جهودا كبيرة في العمل على تعظيم الاستفادة منها كعناصر للجذب السياحي يفيد الاقتصاد الوطني، يسهم في التعريف بحضارة البحرين وتطورها عبر السنين، وما حققته من انجازات في الكثير من المجالات، إن النشاط السياحي هو في الحقيقة نشاط ترويجي وتسويقي في المقام الأول لذلك تنتهج كل دول العالم الاستفادة من السياحة على أكثر من صعيد، وبشكل أكثر أهمية التعريف بالمنجزات الحضارية الذي من شأنه أن يجعل الزائر ينقل تجربة السياحة في البحرين للآخرين من ابناء بلاده بل ويحثهم على خوض تجربة مماثلة، وربما يأتي شخص واحد وربما تأتي أسرة كاملة بل أسرا كثيرة بسبب زيارة واحدة فقط.

إن البيوت الأثرية في البحرين اختيرت لتعيد إلى التاريخ مجموعة من المهن والحرف اليدوية التي يلجأ إليها الناس لكسب لقمة العيش، بدءًا من التطريز والزخرفة في بيت الكورار حتى تاريخ اللآلئ في منزل بن مطر وهو المنزل السابق لتاجر لؤلؤ شهير، فتلك البيوت تعكس التزام المركز بالحفاظ على العمارة التقليدية والتاريخ، ترميم تلك البيوت لم يكن حصرا لإطلاع السياح والأجيال المتعاقبة على تاريخ هذا البلد الغني بالتفاصيل الماضي، ولكن لأجل استضافة عديد من الفعاليات المرتبطة بكل منزل، فها هو بيت إبراهيم العريض مقرا للشعر، وبيت محمد بن فارس موقعا لفن الطرب، وبيت جمشير معرضا فنيا.

بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة

يأتي بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بلمسة معمارية إسلامية، وقد أقام فيه المغفور له وجعل منه مقرًّا لمجلس نوّاب «حكومته»، يتكوّن البيت من 4 باحات، بكل واحدة منها عدد من الغرف المرتبة التي تحتضن شواهد تعكس الحياة الملكية في القرن التاسع عشر تحديدًا، يمتاز البيت بالبساطة في التخطيط والتصميم المعماري، وبنقوشه الجصية ذات الطراز البحريني، كما يمكن ملاحظة ضخامة حجم الجدران التي يزيد سمكها على متر، استخدمت في تشييده المواد البسيطة والمتوافرة محليا كالحجارة البحرية والجص والنورة وجذوع النخيل بالإضافة إلى الدنجل والمنقرور والبمبو التي استوردت من الهند والبصرة.

بيت بن مطر

شيدت عائلة بن مطر هذا المبنى في عام 1905 على يد البناء المشهور آنذاك موسى بن حمد، واستخدمه الحاج سلمان بن حسين بن مطر وهو أحد أكبر الطواويش في المحرق مجلسا عاما له يتجمع فيه طواويش البحرين وعدد من دول الخليج لعرض ما اغتنموه من لآلئ طوال العام، كان سلمان حسين سلمان بن مطر رجلاً ذا مزايا كبيرة واهتمامات كثيرة، فبعد أن رافق أباه وورث عنه تجارة اللؤلؤ، أصبح في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أحد أكبر تجار اللؤلؤ في منطقة الخليج العربي بأسرها، واعتمد على خبرته ونصحه كل من كان يزور البحرين لشراء لآلئها من التجار العرب والأجانب، وبخاصة الهنود والفرنسيين.

ومع توسع سوق اللؤلؤ المزروع الذي سبب انحدارًا في تجارة اللؤلؤ الطبيعي، كان أحد المؤسسين لجمعية حماية اللؤلؤ الطبيعي في عام 1936م، وبالإضافة إلى شهرته في تجارة اللؤلؤ، قام بتوسيع تجارته في مجال الأخشاب والتمور، ومع بداية الأربعينيات تحول المبنى إلى عيادة حكومية يديرها الطبيب العام المعروف (بندر كار)، ثم تحول المبنى إلى مقر لنادي (الإصلاح) الذي شغل الطابق الأرضي منه، أما الطابق العلوي فقد أقامت فيه عائلة بن مطر حتى عام 2002.

بيت سيادي

بيت السيد أحمد بن جاسم السيادي، أحد أبرز وأشهر تجار اللؤلؤ في البحرين في القرن التاسع عشر، وهو يعد جزءا من مجمع مبانٍ شيدت من قبل تاجر اللؤلؤ عبدالله بن عيسى سيادي الذي يتضمن مسجدا ومجلسا، ويرجع تاريخ المبنى إلى عام 1910، ويُعد مشهدًا من المشاهد المعمارية التي يضمّها مشروع طريق اللؤلؤ؛ وذلك للخصوصيّة والجمالية التي ينفرد بها البيت من الجانب المعماري. إذ للعابر هناك أن يلحظ الزوايا المميزة للبيت واللمسات المنحنية والزخارف المتقنة من أواخر عصر صيد اللؤلؤ في البحرين، ولا سيما مجلس سيادي الذي يحتوي على غرفة داخلية.

بيت إبراهيم العريض

هو منزل الشاعر البحريني الذي كرم في عام 2008 من قبل منظمة اليونسكو في مقرها في باريس عاصمة فرنسا، هو شاعر أثرى اللغة بشعره وترجماته للخيام، بات المنزل الأثري مقرا للشعر وموقعا سياحية، حيث بإمكان الزائر له الاستماع إلى شعره وزيارة مكتبته ومكتبه والكتب المنتشرة في منزله، والده تاجر اللؤلؤ عبدالحسين العريض، شغل عدة وظائف من بينها عمله مدرسا للغة الإنجليزية ومساعدا لمدير الجعفرية، وافتتح مدرسته الخاصة التي حملت اسم المدرسة الأهلية، وعيِّن سفيرا فوق العادة لوزارة الخارجية، ومنح عديدا من الأوسمة والجوائز لقاء إسهاماته الأدبية والشعرية وعمله الدبلوماسي، بني المنزل في منتصف القرن العشرين على النمط الأنجلوهندي، وكان يقع على أهم شارع في المنامة (شارع القصر)، وأقام العريض في هذا المنزل حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي.

بيت خلف المنامة

هو البيت التراثي لأحد كبار تجّار اللّؤلؤ في حقبة العشرينيات من القرن الماضي. يقع في مدينة المنامة المرتبطة بتجارة اللؤلؤ وتاريخه العريق، يحمل في طياته ذاكرة المنامة القديمة عبر مراحل تاريخية وصور زمنية عاشها أهل العاصمة منذ سنوات طويلة، ويبرز ذكريات تجار اللؤلؤ وطواويش المنامة، يعد تحفة معماريّة وبيتًا تاريخيًّا فريدًا بتركيبته، حيث يضم غرفة للضّيوف بطرازٍ معماريّ حديث وبسيط يستلهم فكرته من اللّؤلؤ، وغرفة عرضٍ خاصّة لأدواتِ ومقتنيات تجّار اللّؤلؤ، والتي تتّخذ دور متحفٍ مصغّر. يتّسم المنزل بوجود المشربيّات الخشبيّة القديمة التي صمّمها حسن العراقيّ في عام 1930، والتي تعد الأجمل في البحرين، فيما بعض الأبواب بزخرفيّاتها تعود إلى عام 1926.

بيت محمد بن فارس لفن الصوت

هو منزل لأحد أشهر من غنى في إذاعة البحرين، أعيد ترميمه كبيت لرائد تطوير النغم الخليجي وفن الصوت، ترك 300 لحن مختلف، سجل 5 أسطوانات في بغداد عام 1932 ثم سجل مرة أخرى 10 أسطوانات في حلب عام 1936 وأخيرا سجل 11 أسطوانة في بغداد عام 1938، وكان سيد الطرب الشعبي في إذاعة البحرين التي أقامها الحلفاء في عام 1939م واستمرت إلى عام 1945، وكانت تبث برامجها على الهواء مباشرة، يضم البيت متحفا مصغرًا يتضمن الأرشيف الخاص برائد فن الصوت الخليجي، ويحتوي على أسطواناته والآلات الموسيقية القديمة، منها العود والآلات الإيقاعية، والكتب التي تم تأليفها عنه، والنصوص الغنائية التي قدمها، وبعض الصور التاريخية عن مراحل حياته المختلفة.

بيت الكورار

هو بيت لحرفة (الكورار) اليدوية التي اشتهرت بها نساء مدينة المحرق بممارستها في بيوتهن، وتقوم هذه الحرفة على العمل الجماعي، حيث ينفذ العمل بوجود رئيسة تسمى (القطابة) ومعها عدد يتراوح بين 2 أو 3 نساء ويسمين (الدواخل)، يتم التنفيذ بتنظيم الخيوط الذهبية (الزري) في شريط متداخل تصنعه أيدي هؤلاء النسوة اللواتي يجلسن مقابلات لرئيسة العمل. فالدواخيل تعني تداخل الخيوط بعضها مع بعض بواسطة الأيدي، حيث تنقل خيوط الزري وتدخل من أصابع اليد اليمنى إلى أصابع اليد اليسرى، ولا يمكن للقطابة أن تعمل من دون هؤلاء المساعدات اللواتي يقمن بمدها بالخيوط التي تتلقاها، وتثبتها في القماش الذي معها على شكل شريط مستطيل متكامل إلى أن ينتهي العمل. ويظهر في الثياب المكوررة بالصورة الجميلة المتقنة التي رأيناها في ثياب الأمهات والجدات.

النظرة التقليدية للسياحة

مع التطور الكبير الذي حدث في الفكر الاقتصادي بشكل عام قد تجاوز الممارسة التقليددية للسياحة، الذي ينظر إلى النشاط السياحي على أنه مجرد عملية تنظيم زيارات للسائحين وتوفير مستلزمات الإقامة والخدمات من خلال تهيئة بعض المكاتب السياحية التي تؤدي تلك المهمة، ومن منظور اقتصادي يهدف إلى تحقيق بعض المكاسب المادية مع تحقيق فرصة الاطلاع على الآثار التاريخية والتراثية بالمنطقة أصبح فكرا تقليديا، إن العالم من حولنا تطور للدرجة التي أصبح هناك ما يمكن أن يطلق عليه فكر صناعة السياحة، كما يصفه الكاتب  جبوري عبد الحميد «إنه فكر الاستثمار والمنافسة، إنه فكر الاحتكارات والعولمة، إنه الفكر الذي يعمل بفكر رِؤوس أموال محلية وإقليمية وعالمية، إنه نشاط يرتبط بالاستقرار السياسي والاقتصادي واحترام المجتمعات لتاريخها، إنه نشاط يبعث الهدوء والطمأنينة للمجتمع وهو نشاط يهذب ذوق المجتمع، وهو نشاط تربوي يرتبط بإعمار الأرض وإدامتها، ولهذا أصبح قطاع السياحة عاملا من عوامل التطور الاقتصادي ونشاطا حركيا يكمل بقية الأنشطة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، كما أنه صناعة متكاملة تتضمن التخطيط والتشييد والترويج والتسويق ويتفاعل مع قطاعات الاقتصاد الأخرى.

من هنا فإن القائمون على أمر السياحة في البحرين مطالبون بالاستفادة من البيوت الأثرية، وذلك بوضعها ضمن الخارطة السياحية، مع تفعيل العمل التسويقي والترويجي لها في كل المحافل المحلية والدولية ووضعها في كافة المطبوعات ومقاطع الفيديو، أعتقد ان البيوت التي نتحدث عنها مهيئة تماما لاستقبال الزوار والسياح من كل أنحاء العالم، وهذا لا يتأتى إلا من خلال التكامل ما بين الجهات المعنية وهي هيئة البحرين للثقافة والآثار ووزارة التجارة والصناعة والسياحة، ونحن على يقين بأن الاعتناء بهذه المزارات الثقافية التراثية يحقق نتائج مثمرة على المدى القصير والبعيد على السواء اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق