سلايدرسياسة

حزب الله والإتفاق السعودي الإيراني

علي شندب

سريعا تبخّرت مفاعيل “القنبلة الدخانية” التي أطلقتها “نيويورك تايمز”، وتضمّنت سعي ولي العهد السعودي لحيازة بلاده برنامج نووي مدني وضمانات أمنية من واشنطن، والغاء القيود على مبيعات الأسلحة الأمريكية. وأكدت الصحيفة الأمريكية أن طموح السعودية كثمن لتطبيع علاقاتها مع “اسرائيل” يسمح للرئيس الأمريكي بالبناء على “اتفاقات ابراهام” الترامبية وتطويرها وترسيخها بضم السعودية اليها لمواجهة ايران.

لكن سرعان ما سحبت قنبلة النيويورك تايمز من التداول الذي يبدو أنه في أصله أقرب لأن يكون محاولة لفك صواعق القنبلة الحقيقية الثانية التي كان مجلس الأمن القومي الأمريكي يتابعها ويرصد إنبعاثات أدخنتها البيضاء المتصاعدة من بكين.

ومع تراجع الحديث عن الزلازل الطبيعية، كشفت خواتيم أيام الصين الخماسية للحوار السعودي الإيراني عن زلزال سياسي استراتيجي لفح المنطقة والكوكب برمته، وينبغي اعادة قراءة تموضعه في النسق الاستراتيجي الدولي الجديد، إنطلاقاً من تعدّدية الأقطاب المنطلقة مع شروع فلاديمير بوتين تنفيذ العملية العسكرية الخاصة التي تتواجه فيها روسيا مع ترسانة حلف الناتو في الجغرافيا الأوكرانية.

انه الزلزال الذي وضعت فيه الصين كدولة عظمى تنافس الولايات المتحدة على زعامة الإقتصاد العالمي، بصمتها في المنطقة التي كانت لزمن قريب جداً حكراً على الإستراتيجيات الأمريكية.

وهو الزلزال الذي يمكن القول أن القمة العربية الصينية في الرياض قد مهّدت له، سيّما وأنه سيحرّر السعودية من المنشار الإبتزازي الأميركي المغلّف بحمايتها من ايران والذي بلغ أوجه عندما سحبت واشنطن بطاريات الباتريوت من المملكة قبيل قصف أرامكو وغيرها بالصواريخ المجنّحة والمُسيرات المفخّخة.

كما إنّه الزلزال الذي وقع في لحظة يعيش فيها العالم والمنطقة أجواء توجيه اسرائيل ضربة ضد مفاعلات ايران النووية مهّد الجيش الأمريكي لها بإجراء مناورة مشتركة مع “إسرائيل” في النقب لتنفيذ محاكاة لضرب المفاعلات النووية.

من المبكر الإحاطة بكامل مفاعيل وتداعيات زلزال الاتفاق السعودي الايراني الذي تنصّ أولى بنوده على إعادة فتح السفارات والبعثات الدبلوماسية وتفعيل إتفاقية 2001 الأمنية وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية وغيرها..

المعنى المعكوس لتقرير نيويورك تايمز كشف حجم التداعيات خصوصاً على اسرائيل التي كان جنرالاتها يعدّون العدّة للهجوم على ايران مسلحين بدعم السعودية وغيرها من دول الخيلج، لكن اتفاقية بكين التي توّجت الحوار السعودي الايراني الذي انطلق في بغداد، حوّلت أحلام اسرائيل كوابيس، كما أطاحت بأهداف نتنياهو الذي أتى الى السلطة شاهراً هدفين مركزيين هما ضرب ايران والتطبيع مع السعودية، ما يجعل مصيره السياسي بائساً في ضوء فشله الذريع.

لن يمرّ وقت طويل لتنجلي انعكاسات الزلزال السعودي الايراني اذا ما نفّذ الاتفاق الذي تشكك واشنطن بالتزام ايران تطبيقه. لكن سيل بيانات الدعم والتأييد الذي لقيه الاتفاق وخصوصاً ضلعه السعودي من غالبية الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي والمنظمات الإقليمية المختلفة أرسى جواً تفاؤلياً واسعاً بدخول المنطقة حقبة جديدة. لكن هل أن عبارةعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولالتي برّزها الإعلام الموالي للسعودية أكثر من الإعلام الإيراني، تعني أن توغّل ايران وتغولها في البلاد العربية سيتوقف ويتراجع بما يتلائم وينضبط تحت سقف السيادة الوطنية خصوصاً في الدول التي لأذرع ايران الكلمة العليا فيها ومنها لبنان؟

المتتبع المحايد للوضع في لبنان، يرصد أنّ حزب الله وبلسان قادته وإعلامه، قد اعتمد ومنذ عدة أشهر أدبيات جديدة تجاه السعودية، التي يذكر اسمها الرسمي بدون الاستعداء المعروف. فمصطلحالنظام السعوديغاب عن التداول لصالح المملكة العربية السعودية، فضلاً عن ذكر قادة السعودية بألقابهم الرسمية دونما همز أو غمز. المتتبع المحايد يرصد مثل هذه التحوّلات في حزب شديد الإنضباط بأدبياته المعتمدة، رغم أنه لم يرصد تعميماً بالخصوص.

لكن الذي تمّ الانتباه له، فهو التواصل بين المملكة العربية السعودية وحزب الله، والذي تردّد بقوة أن مصطفى الكاظمي وصديقه اللواء عباس ابراهيم نقلوا رسائله غير المشفّرة بين ولي العهد السعودي وقيادة حزب الله. وهو الترداد الذي واكبه همس لم يرصد في وسائل الإعلام مفادهأن طلب زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله 200 مليار دولار من السعودية والخليج لاستنقاذ لبنان من محنته الخطيرة، جاء في سياق تفاوض مباشر وعميق مع القيادة السعودية التي يتردّد أنها استقبلت وفداً خماسياً من حزب الله“.

بهذا المعنى ينبغي فهم أن الاتفاق السعودي الايراني، أشعل الواقع اللبناني تحليلاً ولو صامتاً في بعض المواقع الكبرى، خصوصاً لجهة انعكاساته على الانتخابات الرئاسية التي يحاول ويجهد فيها خصوم حزب الله إلباس السعودية موقفاً رافضاً لترشيح الوزير سليمان فرنجية، وقد استدلّوا على ذلك بكاريكاتير ومقالات على صفحاتعكاظ“. وبهذا المعنى أيضاً ينبغي التوقف عند التعليق البليغ لوزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان على الوضع اللبناني ربطاً بالإتفاق السعودي الإيراني وقوله أنلبنان يحتاج إلى تقارب لبناني، وليس لتقارب إيراني سعودي.. وعلى السياسيين فيه أن يقدموا المصلحة اللبنانية على أي مصلحة أخرى”.

وبهذا المعنى أيضاً وأيضاً، ينبغي تسجيل أن حسن نصرالله الذي يصوغ خطواته ومواقفه وفق عقيدة الصبر الاستراتيجي، والذي تتباعد إطلالاته أسابيع وأشهر أحياناً، قد خاطب جمهوره على مدى يومين متتاليين بمناسبة تربوية وأخرى تأبينية، وكان بامكانه دمجمهما بخطاب واحد. لكن خروجه المتكرّر على مدى يومين أفصح بأنه كان قد أعدّ تعليقه المتقن على الإتفاق الايراني السعودي ليقوله مباشرة على الهواء لحظة توقيع الاتفاق، كاستدعاء لخطابتفجير البارجة الاسرائيلية ساعر.. انظروا اليها تحترق، وليجدّد دعمه ترشيح فرنجية، تزامناً مع ترويجقناة الشرق السعوديةلمقابلة حصرية معمرشح حزب الله سليمان فرنجية“. وأغلب الظن أن ما ترومهالشرقهو القول بأن ما نشرتهعكاظلا يعدو أكثر من تمنيات غير مكبوتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق