ثقافة وفن

السكران في رحلة البحث عن االله « pk »

جواد كوفي

يوجد العديد من النجوم في السماء، هل حاولت أن تحصيها؟… إن بدأت بعدها اليوم فسيستغرق الأمر منك ستة آلاف سنة، لتنتهي فقط من إحصاء نجوم مجرتنا… يرجح العلماء أن هناك ما يقرب من مليارين مجرة . لذا فمن المنطقي جدا، أن يكون ضمن تلك المجرات كوكب يوجد عليه أناس مثلنا ،وكما سافرنا نحن إلى القمر و كوكب المريخ محاولين استكشافهم ، فلابد أن هناك احتمالية أن من في تلك العوالم أيضا يحاولون الوصول إلينا « من فيلم بي-كي .

فيلم (بي-كي) للمثل المثير للجدل عامر خان، الرجل الذي يختار افلامه بعناية فائقة، حيث يحضر المعنى وتكون السينما نافذة للإبداع الحقيقي الذي يحمل رسالة الإنسان الخلاق و حيث يلعب الفن الجميل، دور الطبيب المشخص لأمراض المجتمع والناقوس الذي ينبه بنعومة ويحذر بذكاء من انهيار القيم أو خلل أخلاقي يهدد الاستقرار الروحي والنفسي للبشر .

فيلم (بي-كي) الذي خلق الجدل في الهند، ليتم بذلك منع عرضه أثناء صدوره الأول سنة 2014  باعتبار الفيلم إساءة واضحة و ازدراء للأديان أو بالأحرى وبتعبير أدق لرجال الدين.

يعرف (بي-كي) أو الرجل السكران ،في مجتمعنا بالشخص الذي يفقد التوازن العقلي لحظة السكر، ليصبح القول و الفعل عنده خارج المنطق ويصير في حكم المجنون ، الذي يهذي بما اتفق  ،إذ تحكمه النشوة، فقد يعتري مزاجه المتناقضات بين العاطفة و الهدوء لحظة الثمالة و بين العنف و الثورة لحظات غيبوبة العقل واختلاطه من الشرب ، مما يؤثر على ملكة الحكم لديه . لهذا لا يعتد بشهادته و لا يلتفت الناس الى أحكامه الصادرة أثناء سكره .

لأجل هذا وصف بطل الفيلم (بالسكران) الرجل المجهول الذي نزل من كوكب بعيد عن كوكبنا من عالم الحقيقة و الصدق   إلى هنا ، عالم الكذب و الزيف ، حيث يقتل الناس بعضهم بعضا باسم المقدس  (اللذة-المال–السلطة-).

بي-كي ينزل من السماء عاريا من كل شيء إلا من قلادة  على عنقه  يحدد بها مكان المركبة التي ستعيده الى أصله الأول (عالم الحقيقة ) . فجأة تسرق منه  القلادة ، وهو فعل  تلقاه كصدمة اولى و دهشة اولى في هذا العالم (السفلي -السافل)الذي تمكنت فيه الدوافع الغريزية من الفعل و التصور البشري للمعيش، فتجلت في مظاهر متعدد جعلت الفوارق و الاختلاف و التناقضات عنوانا عريضا للبشرية و أضحى الجسد الة تهيمن على العقل ، و أغفل المشترك الإنساني  (الكرامة –الخير – الفضيلة) حتى أصبح فعل السرقة و الاحتيال متعدد الجوانب والتجليات ، تجاوزت ما هو مادي  إلى  المعنوي و الروحي  .

نزل السكران، ليذكرنا  بالسؤال الدائم الذي يؤرق العقل البشري منذ النشأة . نزل ليعيد تصحيح المنهج و المسار الذي حاد عن الغاية من الوجود .  فمن هو  الخالق ؟ ما طبيعته ؟ وكيف ينظر إلينا و ما طريق الوصل إليه ؟

هذا السؤال الذي يسكت عنه أغلبية البشر أو بالأحرى يعتبرون الجواب  عنه محسوم منذ زمن، ينظرون اليه  ببساطة شديدة و بثقة كبيرة تحمل اليقين .

إن الإله الحق هو إلهي و إله عشيرتي و ما دونه تزييف و تحريف و ضلال … هكذا يتمسك كل فرد بمعتقد الجماعة التي ينتمي إليها و يجعل نفسه فداء المعتقد، حتى أصبحنا في سوق كبير تختلف فيه قيمة الأنسان و تتعدد ، بين أحباء الله و المختارون و الخيرون ، و أضحت تجارة الأديان خالدة لا كساد يصيبها و لا فساد يعتريها و أصبح  من يتقنها سيدا يحتكر الكلام باسم الإله فينصب نفسه المدافع عن عظمته و تنزيل كلماته ، حتى صار المخلوق دون حرج  يحمي الخالق و سارت الدماء رمزا لقوة الإيمان و طريقة غريبة لنيل جائزة الرحمان .

واقع الإختلاف و الصراع  الدائم  ، الذي يعيشه  بنو الجنس الواحد و النظرة الدونية الى الغير القريب أو حتى المختلف الغريب الذي يحمل ثقافة غير ثقافة الجماعة و يؤمن بعادات و تقاليد غير ما تؤمن به جماعة الأنا ؛و ما سيترتب عن هذا المنظور و التصور من صراع و حروب لا تنتهي الا بفناء الجنس البشري أو بتصحيح المعتقد و الإجماع على كلمة الحق  أو الله الذي وصف نفسه بها (الحق) ولن يكون هذا الا بالانتقال  من أرض الفردانية و الأنانية الى سماء النحن  .

   نزل الرجل السكران (بي-كي)الى الأرض فبدأ يبحث عن من يمنحه الأمل في العودة الى أصله ووطنه الأول ؛لكن بعد مجهود كبير في البحث عن سارق القلادة دون جدوى داخل وطن يسكنه الملايين (الهند) ) ، صادف أن أخبره أحد المؤمنين  بعفوية ، عليك بالدعاء  فالإله وحده القادر على الاستجابة لك و لكل الضعفاء في عالم يستحيل التحكم في كل جزئياته. 

وسيلة سهلة يقول (بي-كي) فقط بالكلمات يمكن نيل المطلب ، حتى لو طال الزمن .  لكن الرجل  (بي-كي) يصطدم بكثرة الأديان و المعتقدات و من خلالها تعدد الالهة و تعدد الطرق إليه و التي قد تكون على طرفي النقيض ، بين دين و دين بل داخل الدين الواحد نفسه .

هذا التناقض الصارخ، سيجعل السكران يطرح سؤال الإله الحق ، وما طريقة الاتصال به ، بين هذه الأديان المتعددة ، التي اعتبرها( بي-كي ) شركات للاتصال على غرار الشركات اليوم، الفرق ان الأولى مقدسة لا تقتضي راس المال و لا الأقمار الصناعية أو الهواتف… فقط الإعتقاد تم الطقوس .  لكنهما يشتغلان معا بنفس منطق العروض و الجوائز.

السكران هنا ، يتمادى نوعا ما و يجعل من رجال الدين مستثمرين عن وعي أو بدونه في الخالق ،بدعوى الدفاع عنه و إعلاء كلمته التي هي في الأصل كلماتهم و أنانيتهم الخاصة  التي لا تختلف عن أنانية رجال الأعمال في الحظوة و الشهرة و الثروة سواء المادية او المعنوية .

الرجل السكران يهدم المعبد و يضع الأديان المتعددة و المتصارعة على قدم السواء مع الشركات و رجال الدين مع الرؤساء     

بعد ان جرب الهندوسية و المسيحية و الاسلام و اليهودية … سيتأكد( بي-كي) من وجود خطأ في وسيلة الاتصال و سينتهى به الاستنتاج الى وجود إلاهيين الأول حقيقي  عظيم الشأن و القدرة خالق البشر و الكون ، وهو الغاية ، أما الثاني مزيف صنعه البشر عن مكر و احتيال، تم صدقه الجمهور عن خوف وضعف وأنانية.

في رحلة البحث عن اليقين، سيواجه بي-كي العديد من الأحداث التي تكشف زيف شعار رجال الدين حيث يكون هدف جلهم هو السلطة المعنوية والمادية إنها اللذة و هي طبيعة البشر حيث تكون الغاية الانتشاء و السيادة ، فمنهم من يسير نحوها في التجارة و منهم من يتتبعها في السياسة و منهم من يتغياها في الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق