خارج الحدودخبراء المناخسلايدر
أخر الأخبار

مشاريع الطاقات المتجددة بتونس … هل تحول الاضطرابات السياسية دون أجرأتها وخروجها إلى حيز الوجود؟

الخبير العربي في الطاقات المتجددة والتغيرات المناخية

اقرأ في هذا المقال
  • تواجه تونس تحديات عديدة تعترض المسار الذي تسلكه للتحول إلى الطاقة المتجددة، من بينها القضايا التنظيمية التي تتعلق بسياسات الطاقة، وغياب الأهداف، والأطر التنظيمية غير المستقرة، والاحتكار السائد في سوق الطاقة، وهي العوامل التي تعرقل تنمية القطاع الناشئ في البلاد.

عبد العالي الطاهري

في أجوء مشحونة بالصراعات السياسية وحالة اللاتوافق بين نظام الرئيس قيس سعيَّد والمعارضة التونسية، تمضي مشروعات الطاقة المتجددة في تونس بوتيرة بطيئة في السنوات الأخيرة، رغم توافر الرغبة الوطنية في استكمال مسار تحول الطاقة، عبر تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ويواجه البلد العربي الواقع شمال إفريقيا مجموعة من التحديات التي تعترض طموحاته في هذا القطاع الحيوي، وسط تطلعات حكومية لتعزيز توليد الكهرباء النظيفة تلبيةً للطلب المحلي المتنامي.
وفي هذا السياق، تُخطط الحكومة لضخ استثمارات تزيد على مليار دولار في مشروعات الطاقة المتجددة في تونس خلال العامين المقبلين، في مسعى لتعزيز حصة الكهرباء النظيفة في مزيج الطاقة الوطني، وتجاوز التحديات الهيكلية التي تواجهها البلاد في هذا المسار، حسبما أورد موقع فاناك fanack.
مشروعات رائدة
في يناير/ كانون الثاني (2023) أطلقت تونس دعوة لطرح مناقصة بشأن مشروعات الطاقة المتجددة بُغية توليد 1.700 ميغاواط من الكهرباء محليًا بحلول أواسط العقد الجاري (2025)، من بينها محطتا الطاقة الشمسية في منطقة الحشة بمحافظة قابس، وخبنة بمحافظة سيدي بوزيد، إلى جانب 9 مشروعات في مجال الطاقة الشمسية بسعة 100 ميغاواط لكل منها.
كما تشتمل المناقصة على 8 مواقع لإنشاء مزارع لتوليد الطاقة الريحية، سعة كل منها 75 ميغاواط.
ووفقًا لخطة التطوير، تبلغ قيمة مشروعات الطاقة المتجددة في تونس مجتمعة 1.6 مليار دولار، وتستهدف زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، وتعزيز مكانة تونس على خريطة الطاقة المتجددة عالميًا.
ومنذ عام 2011، وفي أعقاب الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تعاني تونس أزمة اقتصادية طاحنة، فاقمتها اضطرابات سياسية، وجائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″.
ورغم كل تلك الجهود المبذولة في قطاع مشروعات الطاقة المتجددة، فإن تونس تبقى دولة فقيرة من حيث حجم موازنتها المرصودة للطاقة، واعتمادها على الوقود الأحفوري.
وبدافع من احتياجاتها المُلحة لإمدادات الطاقة المستمرة، وتعزيز أمن الطاقة على المدى الطويل لخدمة أغراض التنمية الصناعية والاقتصاد الكلي، اضطرت تونس إلى تسريع الخُطى نحو التحول إلى الطاقة المتجددة، بوصفها ركيزة أساسية لخطتها التنموية.
قطاع الطاقة..بين النقل والصناعة
تشهد شبكة الكهرباء الوطنية التونسية، التي يصل إجمالي سعتها الإنتاجية إلى 20.086 غيغاواط/ساعة، تطورًا ملحوظًا، وهي تربط كل مناطق البلاد تقريبًا.
وتسيطر الشركة التونسية للكهرباء والغاز”إس تي إي جي” على 91.7% من سعة إنتاج الكهرباء المُركبة في البلاد، وتُنتج 84% من إجمالي الكهرباء المُولّدة هناك، بينما تُنتج قرطاج للكهرباء، شركة الكهرباء المستقلة الوحيدة في تونس، النسبة المتبقية عبر محطة الكهرباء الواقعة في العاصمة التونسية تونس التي تلامس سعتها 471 ميغاواط.
ووفقًا للوكالة الوطنية للمحافظة على الطاقة، يستحوذ النقل على النصيب الأكبر من استهلاك الطاقة، بما نسبته 36% من إجمالي الطاقة في البلاد.
ويحل القطاع الصناعي في المرتبة الثانية من حيث استهلاك الطاقة في تونس، بواقع 30%، بينما تُقسم النسبة المتبقية بين استهلاك الطاقة في المنازل، وصيانة المباني العامة.
تونس وسيادة الوقود الأحفوري
يأتي نحو 97% من الكهرباء في تونس من مصادر الوقود الأحفوري، ولا سيما الغاز الطبيعي المستورد من الجزائر، والذي غطى 45% من احتياجات الطاقة في تونس في عام 2021.
وخلال المدة بين عامي 2010 و2021، سجّل قطاع الطاقة التونسي هبوطًا نسبته 4% على أساس سنوي، بينما شهد الطلب نموًا مضطردًا بنسبة 2% سنويًا إبان المدة ذاتها.
ويتألف مزيج الطاقة الآن من غاز طبيعي بنسبة 53%، ومواد النفط الخام بنسبة 44%، بينما لا تُسهم مصادر الطاقة المتجددة سوى بنسبة 3% فقط.
التحول الطاقي..المسار الصعب
أنشأت تونس صندوق تحول الطاقة في عام 2013، ليمثل أداةً رئيسة في تطوير كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة عبر دعم مشروعات الطاقة طويلة الأمد.
وفي عام 2015، استحدثت الحكومة التونسية -آنذاك- لوائح تنظيمية جديدة أجبرتها على تعزيز الطاقة المتجددة.ورغم الجهود المبذولة في السنوات الماضية، فإن تونس تكافح لتقليص اعتمادها على الوقود الأحفوري.
ونتيجة للعراقيل التشريعية، وأسلوب الإدارة المتواضع، تشهد البلاد تخلفًا كبيرًا في البرامج والمشروعات التنموية المختلفة، التي تعول على الطاقة المتجددة.
واستهدفت الحزمة الجديدة المقترحة في يناير/كانون الثاني (2023)، من قبل وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة، تسريع وتيرة معدلات تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة.
ولتضمين الأسر التونسية والشركات الخاصة في عملية تحول الطاقة، ورفع الوعي العام بها، تُخطط الحكومة لإلغاء الدعم الممنوح للمواطنين، والدفع باتجاه تطبيق استعمال الألواح الشمسية بوصفها بدائل فاعلة.
وعلاوة على ذلك، تشتمل الخطة -أيضًا- على منح قروض للشركات الخاصة الراغبة في اللحاق بركب التحول إلى الطاقة المتجددة.
إلى ذلك، قال المدير العام لتحول الكهرباء والطاقة بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم التونسية، بلحسن شيبوب، إن قطاع الكهرباء في تونس يعاني مُعضلة خطيرة، مشيرًا إلى أن عجز الكهرباء لامست نسبته قرابة 59% في عام 2019.
وأوضح شيبوب أن توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، ولا سيما الطاقة الشمسية، قد شهد تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، إذ بلغت سعته نطاقًا يتراوح بين 20 و30 ميغاواط سنويًا.
ولفت شيبوب إلى أن هذا يمثل إنجازًا هائلًا، رغم أنه ما زال هناك الكثير الذي يتعين على الحكومة فعله في هذا الخصوص.
مشروعات الطاقة المتجددة
ترتكز مشروعات الطاقة المتجددة في تونس، وتحديدًا في قطاع الرياح، على بناء محطات كبيرة بتمويلات استثمارية عالمية، إذ تقع محطتا الرياح الرئيستان في بنزرت وسيدي داوود.
وتتألف مزرعة الرياح الكائنة في مدينة بنزرت شمال تونس، من محطتي ميتلين وكشابتا، اللتين بُنيتا في عام 2012، قبل توسيعهما في 2015، بفضل تمويلات من الحكومة الإسبانية.
وافتتحت الشركة التونسية للكهرباء والغاز “إس تي إي جي” محطة رياح سيدي داوود في عام 2000، بفضل استثمارات من قبل مرفق البيئة العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي “يو إن دي بي”.

الخطة التونسية للطاقة الشمسية..الإطار المرجعي
وتعد الخطة التونسية للطاقة الشمسية هي الإطار الرئيس للطاقة الشمسية، وقد أُطلقت في عام 2009، وتنفذها “إس تي إي جي إي آر”، الشركة التابعة للشركة التونسية للكهرباء والغاز، وهي مسؤولة عن إدارة الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة.
ومن بين المبادرات يلوح برنامج تونس للطاقة الشمسية -مبادرة مشتركة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والوكالة الوطنية التونسية لإدارة الطاقة، و”إس تي إي جي”، ووزارة البيئة الإيطالية- ويهدف للتوسع في تطوير الطاقة الشمسية عبر التحفيزات المالية.
مشروع آخر بارز في هذا الخصوص هو “تونور” للطاقة الشمسية الذي تقدمت به وزارة الطاقة التونسية في عام 2017، وما زال قيد الإنشاء.
ويستهدف “تونور” إنشاء محطة طاقة شمسية ديناميكية حرارية في صحراء تونس، ولا سيما في ولاية قبلي جنوب غرب البلاد، إلى جانب وصلة كابل لتوصيل الكهرباء إلى أوروبا.
ويُقام المشروع الضخم على 10 آلاف هكتار، بتكلفة استثمارية قيمتها 10 مليارات يورو، وسعة إجمالية قدرها 2.25 غيغاواط من الكهرباء.

تحديات قائمة
تواجه تونس تحديات عديدة تعترض المسار الذي تسلكه للتحول إلى الطاقة المتجددة، من بينها القضايا التنظيمية التي تتعلق بسياسات الطاقة، وغياب الأهداف، والأطر التنظيمية غير المستقرة، والاحتكار السائد في سوق الطاقة، وهي العوامل التي تعرقل تنمية القطاع الناشئ في البلاد.
وتحول الاضطرابات السياسية التي تشهدها تونس دون تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة اللازمة لإقامة مشروعات الطاقة المتجددة في البلاد، ورغم المحاولات العديدة فإن المؤسسات التونسية لم تحقق بعد الهدف الطموح المتمثل في تنفيذ برامج طويلة الأجل لمواجهة التحديات الهيكلية الراهنة.
ويرجع هذا إلى أن النخبة التونسية ما زالت غارقة في فكر رأسمالي يمنح أولوية للأرباح الخاصة، على الصالح العام، ما قد يقف حجر عثرة أمام تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة في تونس.
وما زال إصلاح نظام الطاقة برمته، والاعتماد أكثر على الطاقة المتجددة أولوية في أجندة الحكومة التونسية، عبر استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ومع ذلك يظل تحول الطاقة في تونس مرهونًا بالاستقرار السياسي، ولا سيما فيما يتعلق بالمساواة الاقتصادية الاجتماعية والحريات السياسية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق