ثقافة وفن

       أحلام معلقة

تبدو الأشياء في عالمنا العربي مؤجلة و معلقة إلى أجل غير مسمى

أحمد الونزاني
حل الربيع لكنه كان مخضبا بالدماء و تحول إلى خريف ب اعاصير و زوابع ألقت بظلالها على المنطقة العربية، و بدى المشهد قاتما و طغت المصالح الضيقة على المصالح الوطنية و عشنا فصولا من الاستقطاب السياسي و الأيديولوجي و الارتهان للآخر، و لعبت التدخلات الخارجية دورا أساسيا في تأجيج الصراعات الداخلية بين الفرقاء السياسيين إلى حد الاقتتال و سفك الدماء و تخريب العمران و نشر الرعب و الدمار.
الخيار الديمقراطي يبقى معلقا إلى أجل غير مسمى، كما تبقى كل العوامل الأساسية لترسيخه، من تعليم و تنمية و نهوض بالإنسان و تأهيل الاقتصادات و توفير شروط مصالحات وطنية حقيقية غائبة، بل و غير مرغوب فيها. و قد ساهمت عوامل عدة في الذي نحن عليه الآن. تراكمات العهد الاستعماري و
 تحول النخبة السياسية و العسكرية إلى أداة في يد الغرب، و عدم وجود بدائل و رؤى سياسية تحقق المنشود و كذلك التعنت السلطوي و عدم الرغبة في الإصلاح التدريجي ،إصلاح آليات و أدوات و ميكانيزمات السلطة، لترسيخ دولة المواطنة الحقة و دولة الحق و القانون، حيث يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة، بل الدفع نحو تداول حقيقي للسلطة، عبر فسح المجال أمام التجديد المستمر للنخب السياسية بالتشبيب و عدم احتكار المناصب القيادية داخل الأحزاب السياسية و بعث روح التجديد فيها بشكل دوري عبر آلية انتخابية تعطي الفرصة للمؤهلين و حاملي الأفكار و الرؤى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتحمل المسؤولية و القيادة. و الأدهى، هو تلك المناكفة السوداء بين الأحزاب السياسية نفسها لدرجة التخوين و الشيطنة و الإقصاء و الاستئصال في بعض الأحيان، و كل هذا لا يصب في مصلحة الأوطان ولا في مصلحة الشعوب، التي باتت أسيرة صراعات جوفاء و بليدة و بعيدة عن مصلحة البلدان العربية، ففي حين يجب ان يكون التنافس فكريا و حول الرؤى و الاستراتيجيات و حول سبل إيجاد حلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية و حول كيفية النهوض بالاوطان، صرنا إلى القعر نتصارع من أجل غنيمة سياسية و امتيازات طبقية تكرس الفقر و التجهيل و الزبونية و المحسوبية و تعمق من الفوارق الاجتماعية و كل أشكال التمييز داخل المجتمع الواحد.
نكبتنا في نخبة سياسية شاردة  و سلطة راشدة غائبة. 
و قد كان للفراغ السياسي ،الذي ساد قبل الفترة الاستعمارية أو ما اصطلح عليه في المغرب تحديدا ب فترة السيبة أو الفوضى الخلاقة التي انتهجت من طرف السلطة الحاكمة لتثبيت دعائم الحكم عبر منح امتيازات سلطوية لبعض القبائل و مد يدها لكسر شوكة قبائل أخرى خارجة عن سلطة الدولة و متمردة . مما أدى إلى إضعاف السلطة المركزية و هذا كله سيصب في صالح الحملة الاستعمارية  التي أسقطت كل المنطقة العربية في براثين الإمبريالية   بشكل متدرج. سقوط الخلافة العثمانية أدى إلى تفكك النسيج المجتمعي الداخلي للأمة العربية والإسلامية سياسيا و اجتماعيا   ، و ظهرت النزعة القبلية و القومية من جديد و استغلت من طرف الإمبريالية لتفكيك العالم العربي والإسلامي و تمزيق وحدته و ظهرت كيانات و دويلات بمسميات جديدة.
و قد تركت الحملة الاستعمارية بصمتها في نمط تفكير نخبنا، و تم تبني مفهوم الدولة الوطنية  في إطاره  الضيق، الشيء الذي أظهر إلى السطح النعرات القبلية و زاد ذلك من حدة الصراع السياسي، و قد عرفت المنطقة العربية قلاقل و اضطرابات بسبب ذلك، و ازداد الصراع السياسي تأججا مع بروز الفكر الأيديولوجي و انقسام العالم بعد الحرب العالمية الثانية و وقوع الإنسانية تحت رحمة  تجاذب الأقطاب  (شرق و غرب )(اشتراكية  و ليبرالية).
و قد تأثرت المنطقة العربية بهذا التجاذب من الناحية السياسية والاقتصاديةوالثقافية و ساد الفكر الأحادي في المناهج التربوية والتعليمية للبلدان ، مما أثر على مستوى تفكير أجيال كثيرة تقوقعت في النمطية و النظرة الضيقة و انحازت لفكر معين دون الآخر، بل تم إهمال كل الموروث الثقافي العربي والإسلامي و اعتبر  متجاوزا ،إلا أن الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية، خصوصا ما يتعلق بالصراع مع الآخر، أعاد طرح سؤال الهوية و اشكالياتها و اللغة و التاريخ و الدين و كل القضايا الكبرى التي طرحت في  الفكر الإسلامي و الإنساني بصفة عامة ،و عوائق النهضة العربية الذاتية و تلك  المرتبطة باللحظة،و تشكل بذلك وعي جديد ،ساهم في إعادة الزخم و الاعتبار للموروث الثقافي العربي الإسلامي. الا اننا لم ننجح في توظيف هذا الموروث الثقافي العربي الإسلامي لصياغة نموذج نهضوي يعيد تأهيل أمتنا العربية والإسلامية في هذا الصراع الحضاري المعلن بشراسة ضدنا؛ نموذج حضاري يقتبس من الماضي أحسنه و يقتبس من الحاضر أفضل التجارب الإنسانية الناجحة قيميا و أخلاقيا و اقتصاديا و اجتماعيا.
إلى متى ستبقى أحلامنا و احلام شبابنا  مؤجلة و معطلة .ألسنا في مستوى اللحظة التاريخيةالتي نعيشها. كفى من هدر زمان أمتنا العربية !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق