
دكتور إسماعيل محمد النجار
قبلت (انيسة راشد المكردي) الزواج وعمرها ثلاثة عشر سنة من (ناصر محمد بجاش) وعمره ثمانية عشر سنة بعد اغرائها بالشوكولاتة والحلويات، واشترط عليه اهله عدم الدخول عليها الا بعد ان تستوعب ماهية الزواج، وعند انتقالها لمنزل زوجها، استمرت باللعب مع الأطفال وكل ما اختلى بها زوجها تخاف وترتعب خاصة في الليل، وارتبطت أنيسة ارتباط شديد بوالدته لتنام معها معظم الوقت واعتبرتها الملجأ بعد رفض أهلها استقبالها.
نصحته والدته ان يصبر عليها على الأقل حتى يبلغ عمرها خمسة عشرة سنة، لم يسمع لنصيحة أمه ودخل عليها بالضرب المتكرر حتى استسلمت له، هربت لمنزل والدها اكثر من مرة وأعادوها بالقوة، وفي سن الرابعة عشر حملت بمولودها الأول وعانت كثيرا من مشاكل الحمل وتعرضت للنزف أكثر من مرة، وعند الوضع أصيبت بنزف شديد وحاد كاد أن يفقدها حياتها ووضعت جنينها وسماه والده (حكيم)، عانت أنيسة من حالة فقر دم شديد ومكثت بمنزل والدها ستة أشهر حتى استعادت صحتها وعادت لمنزل زوجها ونصحنها أخواتها باستخدام حبوب منع الحمل دون معرفة زوجها واستمرت تستخدمها حتى بلغ عمر حكيم أربع سنوات، وأكتشف زوجها استخدامها لموانع الحمل ودخل بمشاكل معها وأهلها وانتهت بطلاقها، وتولت والدة ناصر تربية حكيم مؤقتا حتى تزوج بامراة اسمها (سبولة) من قرية مجاورة لقريتهم بعد ثمانية أشهر من الطلاق، وعندما يبكي حكيم ويريد والدته يكذب ناصر وزوجته سبولة عليه ويقولا أن والدته قد توفت، واستمر اعتقاده بوفاتها.
تزوجت أنيسة بعد سنة على ابن عمها (عبد الناصر أحمد الوسواس) ويمتلك محل صغير لبيع الساعات في سوق تجاري بالرياض واخذها معه للسعودية.
عانى حكيم من حالات الجوع والضرب المستمر من خالته، وفي إحدى الليالي وعمره إحدى عشر سنة تعرض للضرب من والده وخالته وأصيب بكدمات في راسه وصدره وظهره، وفي صباح اليوم التالي أخذ حكيم مبلغ من المال على خالته سبولة سرا قبل توجهه كالعادة للمدرسة وذهب لفرزة السيارات وركب لمدينة تعز، وصرف من المبلغ المتوفر معه ونام في الجامع حتى حصل على عمل في تنظيف ومسح السيارات وغير اسمه من حكيم لصبري حتى لا يتعرف إليه أحد من قريتهم، وانتقل بعد فترة للعمل في مطعم، ومن خلال تكرار الزبون (عبد المؤمن جازم) عرف صبري أنه يمتلك محل لاصلاح الساعات في السوق التجاري بالرياض، وعرف عبد المؤمن جازم قصة صبري وأبدى استعداده ان يأخذه معه للسعودية ويعمل في محله لاصلاح الساعات، وفرح صبري، واثناء استعداده للسفر وصل والده ناصر محمد بجاش يبحث عنه ولمحه صبري عن بعد وهرب واستمر تواصله مع عبد المؤمن حتى سافرا ووصلا السعودية ليساعد عبد المؤمن جازم في المحل وتعلم حرفة إصلاح الساعات.
وعند بلوغه عمر الثامنة عشرة، تعلم وأجاد مهنة إصلاح الساعات ووسع المحل واشتهر في الأسواق التجارية، وزوجه عبد المؤمن جازم على ابنته في اليمن وسافرت لتقيم معهما في السعودية، وبعد مرور خمسون سنة توفي عمه عبد المؤمن وتولى صبري إدارة المحل، توفي أيضا عبد الناصر محمد الوسواس زوج أمه بعد ثلاثون سنة من الزواج وانجبت له أربعة أولاد وبنتان، وتزوج الجميع وانجبوا، وساعدت أنيسة بناتها وأولادها في تربية الأحفاد، وبعد استقلال الأولاد في السكن عاشت أنيسة لدى ولدها الكبير محسن، وعانت في الثمانين من عمرها بمرض المفاصل الذي قيدها من الحركة لتستعين بأبنائها وأحفادها في الحركة والمشي.
وفي أحد الأيام طلبت من حفيدها عمر محسن أن يأخذها لمحل اصلاح الساعات لخوفها على ساعتها والتي تعتبرها من رائحة المرحوم زوجها، أخذها عمر بالسيارة وأوقفها أمام محل صبري لإصلاح الساعات، وأعطته الساعة ليفحصها بعد أن طلبت من عمر أن يركز عليه أثناء فتحها حتى لا يأخذ إحدى القطع كما جرت العادة لدى بعض مهندسي إصلاح الساعات، وبعد أن كشف عليها قال لحفيدها: الساعة بحاجة لتنظيف وتغيير إحدى القطع، وطلب عودته في المساء ليأخذها.
أصرت انيسة أن يصلح الساعة أمامها ليؤكد حاجته لوقت لإصلاحها وإنهاء إصلاح ساعات قبلها في الدور، ورفضت وطلبت أن ياخذها حفيدها لمهندس أخر، حاول عمر إقناعها أن صبري أفضل مهندس في الرياض ومشهود له بأمانته وأصرت على الذهاب لمهندس آخر وأخذت الساعة ووجدت وحفيدها انه غير ملم بمشاكل الساعة وأقنعها حفيدها بالعودة لصبري وعادت ووقفت أمام المحل وحملت صبري أمانة ألا يلعب أو يأخذ إحدى قطع الساعة ويكتب لها ضمانة، سأل عن اسمها ليكتبه في الضمانة لترد: والدة محسن عبد الناصر الوسواس، ورد صبري: عبد الناصر الوسواس صديقي ويعرفني تماما وجميع ساعات محله يرسلها لأصلحها، وسألته عن اسمه ليقول: صبري ناصر محمد بجاش، وطلبت تكرار الاسم وقالت له: أنت من قرية الدجاج؟ وضحك وقال: نعم، وسألته: أنت ابن ناصر محمد بجاش؟ ورد: نعم، ونظر إليها باستغراب وسألته: أنت ابن سبولة؟ ورد: لا، انا والدتي اسمها أنيسة، توفت وعمري أربع سنوات، واستغربت وقالت: ابن انيسة اسمه حكيم؟ ليقول: أنا اسمي حكيم ولكني غيرت اسمي عندما هربت من خالتي ووالدتي، وفورا وقعت انيسة والدته على الأرض ورشوها بالماء حتى صحت لتقول وتردد: انا أنيسة.. أنا أنيسة.. والدتك.. الله لا ألحقهم خير، لقد كذبوا عليك أنني توفيت، وأعطته قصتها وحدثها عن هروبه حتى وصوله للسعودية وزواجه من ابنة عبد المؤمن جازم وعمله في المحل حتى توفي عمه واستمر في المحل حتى اللحظة، وأخذا يضما بعضهما ويبكيان ويدعيان على والده وخالته سبولة لأنهما كذبا عليه أن والدته توفت وتسمر حفيدها عمر محسن وذهل للمشهد.
أقفل صبري المحل وأخذ والدته أنيسة مع حفيدها لمنزله وعرفها بزوجته وأبنائه وسرد لهم قصته ووالدته، اتصل عمر بوالده محسن وأخبره بالقصة وحضر على الفور واتصل بإخوانه ولحق الجميع بوالدتهم، ووصلوا وعرفوا القصة ونشأت مع صبري علاقة اخوة بدلا عن علاقة الصداقة والعمل، أخبر صبري والدته أن والده ناصر قد توفي وانتقل إخوانه وخالته سبولة للعيش في مدينة الراهدة والعمل في أكثر من مطعم.