
بشرى بن فاطمة
بدأت فرات الجميل رحلتها الحسية وانجذابها للأمكنة من ألمانيا تشبّعت بثقافتها وتكاملت مع فلسفاتها التي أعادت لها فكرة التكوين والبناء والبحث عن الكيان الأقوى، فقد ولدت من أم ألمانية وأب عراقي استطاعت مع هذا التمازج أن تحفظ تاريخ العراق وحضاراته وتعيد لذاتها مجدا غابرا في ملاحم الأساطير القديمة وتصوراتها وتمزجها مع فلسفة البقاء التي رسّخت عنادها الباحث عن الجمال.
فهي لا تعرف حدودا للأمكنة ولا تقف عند قضية واحدة تبدأ منها وإليها تنتهي التجاذبات لتبدأ التوافقات الحسية والتصورات البصرية التي تعمل على ترتيبها في كل اختصاصاها، فهي منتجة ومخرجة وصانعة أفلام كاتبة سيناريو وفنانة لها حضورها الغارق في الأرض بكل ما تحمل من أمل باق وصامد أمام عتمة التفاصيل المزعجة التي لا تعيق الانسان عن تقديم ذاته واحتواء كيانه بحسيات عالية.
لفرات الجميل عنادها الفكري وصمودها المسؤول عن نقل الصورة الفكرة وتصوير الفكرة، وهو ما جعلها تنتقل بين عوالم الثقافة الشرقية وتلامس الثقافات الغربية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الامريكية قدّمت أعمالا عديدة ونالت جوائز مختلفة، في مهرجانات الأفلام في مختلف دول العالم سويسرا ألمانيا الولايات المتحدة الامارات العربية فرنسا والعراق.
قدمت رؤاها البصرية التي عملت فيها على تطويع قضايا الإنسانية حيث اختارت التعاون الفني مع متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية Farhat Art Museum كصانعة أفلام فيديو وأفلام قصيرة وأفلام كرتون أنيمايشن خصّصت لتعالج قضايا مختلفة من خلال مجموعات المتحف التي لها تنوع بصري انساني.
في أسلوبها تطرح الجميل الفكرة النابعة من لغة الصورة والفيديو والتعبير التقني القائم على العناصر المكملة لمجاز الوطن وكيانه وحتى خرابه المعلن أمام الواقع ومشاهداتها الحسية وتفاعلها مع حكاياته دون أن تنفصل عن جذور هويتها الثابتة وحضورها فيها فهي تعبّر بكل ما أوتيت من ثقافة ومعان ورموز وحسيّات معنوية ومادية حتى تشير الى انتمائها وهو ما بدا في أعمالها “بغداد في خيالي” ليل بغداد” و”ليالي برلين”.
فقد قدّمت أعمال فيلموغرافيا كرتون أنيمايشن وأعمال إنشائية حملت الفكرة من تصوراتها الذاتية وعبّرت عنها في تداخلاتها، عبرت من العراق إلى العالم وبتقنياتها ثلاثية الأبعاد وبتركيبات الصورة لتغوص في عمق الحضارة والتاريخ العراقي فهي تخترع شخصياتها من الحضارات التي تعاقبت على العراق السومارية والبابلية والإسلامية وحكايات ألف ليلة وليلة التي تعتبر أنها إرث عراقي ويجب أن يظهر للعالم بكل اشراقه الشرقي فهي تحوّل بمفاهيميتها الفكرة المعتقة في التاريخ إلى عناصر حديثة مؤثرة خدمة للمضمون الذي يعبّر عن ازدواجية الهوية الاندماج والتأقلم والمعايشة بين الذات والثنائيات.
لا تخفي الجميل في معظم أعمالها الخاصة تلك الكآبة الواضحة في أسلوبها وتعابيرها وهي تعيد توظيفها جماليا لتقدّمها ككرة عسل في وعاء مكسور كما تشبّهه هي في عملها المفاهيمي جرة العسل، تقدّم رؤيتها في مجازات مختلفة تتداخل عندها أحاسيسها بين المنشود من الصورة والموجود في عراقها الجريح.