ثقافة وفن

عاشوراء الرمز التعبيري والإنسانية في المنجز التشكيلي

بشرى بن فاطمة

لا يقتصر العمل التشكيلي على مجرّد التفاعل مع الأسلوب دون انتساب لروح المعايشة أو تغلّب على فكرة التواصل الجماعي فتلك الفكرة هي التي تحمل المحتوى وتحمّله أبعادها التعبيرية والتشكيلية من خلال الرمزيات الحسية التي يعايشها التشكيلي ويتقمّصها ويعالجها في مخياله مهما كان انتسابه لها وتعايشه معها.
فهو يعبّر عنها باعتبارها فضاء بصريا رحبا يحمل أكثر من مقصد ورسالة ودلالة دون فصل وهنا كانت فكرة عاشوراء العلامة الرمز والمقصد الفكرة، مزج بصري وتحديث فكري لمفاهيم الواقع والتضحية.
فقد حملت تفاصيلها وانسابت معها وتمايزت أبعد في الحدث والحادثة نحو الماورائيات الحسية التي تعبّر عن الأرض والتضحية في الوجود والمنشود عن الموقف والواقع، فالموت لم يكن النهاية والقتل ليس فصلا سياسيا أو تناحرا طائفيا ولا التوافق الإنساني بين العقائدي والوجودي له انتصاراته أو نكساته ونكباته التي خلقت التفرقة وأسّست لفكرة الالتحام في الذكرى والتحوّل بها إلى الرمز التعبيري.
فعاشوراء الفكرة في الفن التشكيلي هي العلامة والرمزية التي عبّر عنها الفنانون كنتاج الانتماء ومحاورات الفلسفة البصرية للهوية الجماعية التي من خلالها تمت صياغة السردية البصرية بما يثير الجدل والتفاعل.
حملت التصورات التشكيلية رؤى تعبيرية وواقعية بأسلوبية مختلفة جسّدت الحدث وتقمصته تاريخيا، من ناحية التصوير المباشر، مع الحفاظ على الملامح والأفكار والتمازج البشري والتعايش الإنساني من حيث التراكيب الخاصة باللوحة في رمزية المعركة والواقعة والتجسيد ودورها المعنوي الخاص بكل انتماء، وهو ما جعلها ميزة شرقية عبّر عنها المستشرقون في لوحاتهم كتواصل ثقافي وتراث محمّل بالكثير من النماذج الاحتفالية.
الأيقونات الشخصية والزخارف والألوان والعلامات بين السيوف والرماح والخيول والعمائم والرايات والتراب والأرض والدم عكست هوية الصراع الإنساني الدائم من أجل البقاء والثبات والبحث عن الحكمة الوجودية فالتناول البصري لكل تلك التفاعلات لم ينتصر للإنسان بل انتصر للتعبير الفني بكل ما حمله من النبل والنبش في الذاكرة من أجل فرض ذلك السلام والتعايش.
فقد كانت رمزيتها عميقة ولها خلفيات مرجعية تاريخية عقائدية دينية لها خصوصية واضحة قد تتشابه مع الرمزية المبالغة في آلامها لدى فكرة التضحية التي تنعكس على رمزية المسيح وفكرة الصلب التي يحاول التشكيلي تجريدها من واقعها وتحميلها واقعه العام من حروب ودمار وآلام وهي ذات الامثولة في رمزية عاشوراء، حيث تحمل علامات بصرية ودلالات مختلفة اندمجت مع الوقائع.
فالخوض في الرمزية تماثل مع الاستفهام وتشكّل مع أساليب التعبير التي تماهت مع عصرها وحملت أبعاد الدم والحروب النزاع والانعكاس التاريخي للتصادم الحضاري الشرقي الغربي والتناحر الطائفي في تماثل حسّي عبّر عنها التشكيلي بمواقفه السلمية التي تدعو في عمومها لتعايش بسلام.

إن الرموز والعلامات تطوّرت بتطوّر الأحداث والوقائع التي لم تجعل الدماء تكف ولا الحروب تتوقّف بل زادت من معاناة الانسان في أرضه وبكل التلاوين التي اختلفت باختلاف أسباب التناحر وهوما دفع لاتخاذ الرمزية الخاصة بهذه الواقعة تتحوّل إلى علامة أيقونية ومفهوم مفصلي في تطوير درجات التفاعل التي لم تشمل انسانا دون آخر بل حملت في طيّاتها معاناة عامة ودماء اشتركت في دفاعها عن إنسانية التمازج في الأرض لتحمل الواقعة إشارة رمزية وبصرية فسّرت أهمية الحياة الفكرة بتناقضات التعايش البسيط بالملامح المتوازنة للإنسانية ومحاكاتها التوافقية مع الخطوط والحركات.
فالعلامات المرئية اندمجت جماليا لخدمة الفكرة والحفاظ على انعكاساتها التي حوّلتها في رؤى المستشرقين من احتفاليات مجسّدة إلى أيقونات مفسّرة للوجود وللشرق الرمز في علامات التشكيليين العرب فبين تصور انبهر بتلك الرؤى الوجودية التعبيرية والاحتفالية في منطقة حملت غرائبيتها وتماثلها وامتدادها الواقعي الذي انطلق نحو التشكيلي العربي الذي رأى فيها تشبثا في الموقف وامتدادا في الفكرة الأساسية للبقاء بلا نزاع وبلا حروب.
حملت الأعمال الفنية نقاط استفهام حرّكت الصورة وجسّدتها كما حاكتها في التاريخ لتكون بمثابة الترجمة البصرية في المواضع التوضيحية، تلك التي حملت في ذواتها التعبيرية لغة مختلفة عن اللغة التشكيلية لأنها تفاعلت مع الحدث وحملت شعار الذاكرة التي لا تُنسى فكانت مشاهد الدم بالنسبة لها علامات حياة للموت أو إعادة إحياء للموت والحزن والدم فكانت العلامة في التصوّر البصري تراثية أسطورية وبالخصوص من الفنانين ذوي الانتماء الشيعي في التعبير عن الواقعة إذا ما اعتبرنا أن التفسير هنا له علاقة بالإرث والانتماء فكانت هذه الأعمال مثل الفلكلور الموحّد للإرث التشكيلي البصري الشيعي.

*الأعمال المرفقة:
أحمد الخطيب- أحمد عبد الله- Gordon Coutts 
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق