آراء

غوايات

العقل الدوغمائي

عماد البليك

يشكل العقل الدوغمائي أحد الأسباب الدافعة للتخلف في المجتمع، حيث يكون الإصرار من جانب طرف معين أو جهة ما على رأي أحادي، قاطع ونهائي، على أنه الحقيقة المطلقة التي لا يمكن أن تُجادل.

يميل الدوغمائيون إلى الجدل بلا نهاية، وفي سبيل ذلك يستخدمون نفس الأسلوب والمنهج بلا تغيير أو رغبة في بناء مناهج معرفية جديدة لأسلوب الحوار.

في البدء جاءت كلمة دوغمائي من أصلها اليوناني حيث تعني “المعتقد الأوحد” وهي تشير إلى الاستبدادية والتعصب والنزعة الأحادية في الفكر التي نادراً أن تعترف بالآخر، فهي ترى “حقيقتها” الأبدية والكلية والشاملة.

ولا يقتصر العقل الدوغمائي على دين معين أو تيار فكري بعينه، فداخل أي نظام فكري يوجد من يمارس هذه الصفة بنحو ما، لكن ثمة تيارات تعرف بنهجها الدوغمائي الكلي أو الكبير، حيث أنها ترى أن ذلك هو الأسلوب الأوحد لتعريف العالم.

الدوغمائي في حقيقة أمره لا يعي بحاله، فهو ينطلق من نظام معرفي مغلق على ذاته، لا يفكر خارج نطاق محكم أطبق عليه تم اكتسابه وراثياً أو من داخل نهج ثقافي أو اجتماعي أو معرفي لم يتم تطويره، سواء من قبل الشخص نفسه أو الإطار الأكبر متمثلاً في الجماعة أو الحزب أو الجهة الأوسع.

في أسلوب المجادلات يمكن أن نلمح العديد من الصفات للدوغمائيين ومنها على سبيل المثال، لا حصرا:

– الميل إلى تسفيه الطرف الآخر وإظهاره بمظهر الضعيف من خلال السخرية منه.

– محاولة جرّ الطرف الثاني إلى الإجابة على أسئلة ساذجة، تضعه في خانة الجاهل.

– الميل للآراء القطعية بشأن الفكرة، بحيث أن العالم ثنائيات أسود وأبيض، نور وظلام، وحيث ليس لهم من مساحات وسطى تتحرك فيها الأشياء، وهم يطبقون هذا النهج في التجادل مع مناوئيهم أو خصومهم.

في الحالة التي يصل فيها الدوغمائي إلى العجز عن مقارعة الطرف الثاني، فإنه يصل إلى الخلاصات بإطلاق الأحكام النهائية على خصمه، أمام الجمهور، مستغلاً ضعف الجمهور ووقوعه في التغييب أو الاغتيال الذهني حيث يقع تحت سيطرة الدوغمائية، ومن هذه الصفات الجاهزة القول بتكفير الآخرين أو وصفهم بالجهالة أو الضعف أو الانحطاط الخ…

هناك صفة أخرى جديرة بعدم نسيانها في الموقف الدوغمائي، وهي أن صاحبه يميل إلى الشخصنة في الحوار، حيث يتجه إلى نبش السلوك الشخصي للخصوم، مثل قوله عن الطرف الثاني بأنه يفعل كذا أو كذا، حتى لو أنه لا يملك أدلة على ذلك، فهو لا يقارع الخطاب بالخطاب، بل يستغل السيكولوجية الجماهيرية، ليظهر خصمه ضعيفاً من خلال هذا التبعيض، الذي يقوم على السمات الشخصية أو السلوك، وهذا يجد حظه في مجتمعات تنظر إلى المرئيات الشكلية ولا تهتم بالبُنى العارفة والعلم والإنجازات الحقيقية للأفراد.

من المؤسف له أن تيار الدوغمائية يستمر حتى لدى الأجيال الحديثة، وهذا يعني أن مهمة التغيير تتطلب تحولات ضخمة في الأطر الاجتماعية القديمة، وفي أشكال الخطاب السائد وأساليب وجدليات المعرفة والحوار والأنساق التي تسعى للتغيير في الدولة والمجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق