سياسة

العالم في بؤرة طوفان كوڤيد ١٩!

 كيف تحيا وتموت بلدان العرب بعد كورونا

هل يوجد خطّة مارشال للتعمير والبناء؟

كورونا وحرب عالميّة ثالثة باردة!

منظمة الصحّة العالميّة تحذر:

لا تزال منظمة الصحة العالمية تحذر أوروبا والعالم من التباطؤ، التهاون و”المنفوتِستيّة” في التصدي لطاعون كورونا المستجد (كوڤيد ١٩) وتؤكد يوما تلو الآخر أن العالم لا يملك صمام الأمان إلى الآن وأن البشريّة في عين البركان أو بؤرة الطوفان. أما فيما يتعلق بالدول الأوروبية فقد أكد مدير الصّحة العالمية الأيام القليلة الماضية أن الحال لا يسر بل محزن بالرغم من بعض التحسّن الفاتر الذي يشير إلى نتائج محفزة وملهمة في مقاومة الفيروس. وقد رصد مؤتمر كوبنهاغن في الأسبوعين الماضيين مؤشرات إيجابية على صعيد الأرقام ببعض الدول الأوروبيّة مثل ألمانيا، فرنسا، سويسرا وإيطاليا ورغم ذلك فقد تضاعف عدد الإصابات بالقارّة الأوروبية ليصل إلى حدود المليون إصابة. يؤكد المسؤولون على صعيد آخر أن النتائج الإيجابية الضئيلة التي رُصِدت من قبل منظمة الصحة العالميّة في بعض الدول تقابلها أعداد مستقرّة وأغلب الظن متزايدة في بلدان أخرى مثل روسيا، أوكرانيا والمملكة المتحدة، ذلك على سبيل المثال لا الحصر. ونجد على الصعيد العالمي أن حوالي ٥٠٪ من حالات الإصابة بكوڤيد ١٩ تم رصدها حاليًّا بالقارة الأوروبيّة مما أدى بحياة حوالي الـ ١٠٠ ألف شخص فقط بالدول الأوروبيّة، ذلك يعادل نسبة حوالي ٧٠٪ من عدد الوفيّات بالعالم قاطبة – حسب احصائيات لوكالة فرانس بريس.

 

خطة مارشال جديدة لاحتواء الأزمة:

كلنا يعلم أن هول الكارثة التي ألمّت بالبشرية بعنفوانها وقسوتها هي دون سابق في تاريخها ورغم ذلك لم يبطر حكّام الدول الأوروبية في أن يخططوا لسيناريوهات ما بعد الخروج أو قل التعافي التدريجيّ من كورونا الاقتصاد. نجدهم قد جمعوا كل عتادهم وبدأوا يشرعون في تنفيذ خطّة للبناء تبحث عن مثل، مماثلة في أهدافها لخطة مارشال نهاية أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم التي أرست دعائم الرخاء ووطدت لبناء أوروبا التطور والحضارة بعد الحرب العالميّة الثانية. وأشارت في هذا السياق رئيسة المفوضية الأوروبيّة أوزولا فون دير لاين أن أوروبا رصدت مبالغا تفوق الثلاثة تريليون يورو وستة وعشرين ونيّف تريليون دولار لمعالجة الدمار الاقتصادي المترتب عن طوفان كوڤيد المستجد. وأضافت فون دير لاين في نفس السياق، بجلسة الخميس من هذا الأسبوع بالبرلمان الأوروبيّ، أن الجهود التي تضافرت للتصدي للأزمة في الأسابيع الأربعة الماضية تفوق ما بذل خلال أعوام تقارب الأربعة فيما قبل. لذلك اتفق وزراء ماليّة الاتحاد الأوروبيّ خلال الأسبوع الماضي برصد مبلغ خمسمائة مليار يورو فورا لتمثل الكيلومتر الأول في سباق المارثون من أجل كبت جماح الأزمة وإنعاش الحراك الاقتصاديّ والحياة العمليّة؛ مشيرة أن الهدف من كل هذه الجهود هو وضع “خطة مارشال مماثلة لسابقتها”، وذلك باستخدام موازنة الاتحاد الأوروبي بين عام ٢٠٢١ و٢٠٢٧ من أجل تخطيط اقتصادي علميّ محكم من قبل الخبراء لاحتواء الأزمة.

وعلى صعيد الدول العربية جدير بنا أن نلقيَ نظرة على التدابير التي ينبغي أن تقوم بها حكوماتها، وفي الحقيقة لا نجد مؤشرات جادّة لأيّ تدابير تذكر، فضلا عن دعمها للمواطن، لا سيما الذي يقتات لقمة عيشه يوما بيوم، في محنة لم يشهدها طوال حياته. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل يوجد خطّة مارشال عربيّة لدعم المواطن العربيّ الذي لَعَكَ المُرّ والحنظل منذ بداية انتشار هذه الجائحة؟ ماذا سيفعل الناس وقد أوصدت الأبواب وأعلنت الحكومات حظر التجوال التام بكل المدن! كنت بالأمس أتحدث إلى صديق بدول الخليج، فأخبرني أنه مجبر على العمل وفق تصريح استثنائي أخرجه له صاحب العمل، وهل يعقل هذا؟ نجد الأسياد، حتى في غضون هذه الجائحة، يفرزون البشر، كما تفرز الطماطم، فمنها الخاسرة التي لا يهم إن كسدت، والنضرة التي ستبقى بالكراتين في حفظ وأمان إلى أن يحين قطافها (إن صح التعبير). هنالك أشياء تؤلمني حقيقة يا سادتي، لا سيما التعامل مع البشر كأصناف المواد التموينيّة وأن الهلاك يُرجَأُ فقط لمن ليس له أهل، أصل، فصل أو قبيلة وحديث الرسول وأحداث التاريخ تعيد نفسها في قوله (ص): (إن سرق الشريف فيهم تركوه وأن سرق الفقير فيهم أقاموا عليه الحدّ)؛ أقول إن مرض الشريف منهم أقاموا له الدنيا وأقعدوها وإن مرض الفقير منهم تركوه للهلاك، لذلك نحن نجد – وبكل أسف – إن حياة المهمشين من بني آدم في دولنا العربيّة والإسلاميّة لا تهم البتّة، لأننا تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن نحترم فقط الألقاب والدرجات ومقامات الناس، إذن لا يبقى للفقراء إلا الموت والهلاك، ولن أنسى قولة والدي التي كان يستدل بها دوما: ربّ أشعث أغبر. يعني يضع سرّه في أضعف خلقه، فعلينا ألا نستهين بالأصوات الخافتة فالبراكين ترقد السنين الطوال في هدوء وسكينة إلى أن يأتي الله بأمر كان مفعولا!

العالم في فوهة الطوفان:

تعاني نصف البشرية في كل أرجاء العالم من قيود الحجر وحظر التجول وانقشاع ما يسمى بحريّات الفرد التي يضمنها له القانون وذلك على مدى الأسابيع المنصرمة ونعلم أن الضرورات تبيح المحظورات. يا لهول المصيبة داخل الأسر المختلفة، فقد أوصدت المدارس والجامعات والحضانات أبوابها وسكرت دور العلم والمكتبات والمصالح الحكومية نوافذها، لكن هاهنا، وعلى عكسنا تماما، فقد ايقنت دول العالم المتقدم بدور التعليم الرقميّ (من بعد) أثناء فترة هذه الجائحة، وأين بلادنا العربيّة من ذلك؟ زد على ذلك أن اقتصادات دولنا تمر بمراحل تدمير يوما تلو الآخر بكل قطاعاتها الاقتصادية: الإنتاج الصناعي والزراعي، فضلا عن اختلال الموازين في القطاعات المصرفيّة والنقديّة بأكملها.

كورونا وحرب عالميّة ثالثة باردة:

كلنا يذكر الحرب الباردة التي قسمت العالم إلى كتلتين، سوفييتية وأمريكانيّة أوروبيّة. لقد عاشت عاصمة ألمانيا الاتحاديّة هذا الانقسام العقود الطوال في منتصف القرن المنصرم وحتى بعد سقوط حائط برلين والتي قسمت أرضها وحتى القلوب إلى كتلتين. من منّا يتذكر أن جغرافية وسياسة ألمانيا كانت تحكم من الخارج: من جهة، الاتحاد السوفييتيّ بالجزء الشرقيّ منها، ومن جهة أخرى الدول العظمى الثلاثة: أمريكا، فرنسا والمملكة المتحدة بالنطاق الغربيّ منها. لقد أكدت صحائف التاريخ أن أسباب الحروب العالمية، أولاها وثانيها، كانت قد اندلعت عن دوافع اقتصاديّة واستراتيجيّة بحتة. مما دعا الحلفاء لفرض معاهدات مجحفة على الدول التي انهزمت في غضون الحرب العالميّة الأولى مما أدى إلى أزمات اقتصادية فادحة في أواخر عشرينيات القرن المنصرم. والتاريخ يحفظ كل هذه النكسات في أسفاره وهل لنا أن ندكر؟

الدمار في غضون عصر الاكتشافات العالميّة:

لا أحد ينكر أن عصر التنوير ومن بعد عصر الاكتشافات العظيمة في شتى المجالات جعل من الدول الغربيّة آلات شيطانيّة هدفها الأوحد والأمثل هو استنزاف الموارد البشريّة والاقتصادية للدول التي استعمرتها أو اكتشفتها وقالت إنها اكتشفت العالم الجديد والحكايات تطول في هذا السياق. لكن لتحقيق هذه الأهداف وورود منابع الذهب بشتى أنواعه، بشريّ كان أم مورديّ، كان عليهم أن يعلنوا الحروب على الشعوب – التي أسموها ظلما وبهتانا – بالبدائية المتخلفة. كيف اندلعت نيران المجازر بمختلف أوجهها وحميت ساحات القتال وذلك ما كان ليحدث لولا المطامع الاقتصاديّة الجبّارة التي أودت بحياة مئات الملايين من القارة الأفريقيّة إلى براثن العبوديّة وغياهب الهلاك في محيطات الأرض الواسعة. إن تلك الحروب والسلب والنهب والاستعباد بشتى أنواعه قد كلفت البشريّة ما يفوق مئات الملايين من الأرواح والأنفس. وهذا العصر لم ينتهِ بعد، بل قل إنّه استمر ولا يزال، وكلنا يعلم أن اقتصاد العالم وأرواح دول العالم الثالث هي بأيدي الدول المسماة عظمى، والعظمة الحقيقة لابد أن تظهر وتبين في عصر العولمة التي صار به العالم قرية صغيرة في تقاسم الموارد وأن يُعطى كل ذي حق حقّة. كفانا من التملق والتكتلات التي أودت باقتصاد عالمنا المتأخر إلى الحضيض. وهل تبقّى من أعمارنا ما يذكر حتى نلعك الصبر صمتا ونصوم على الجلد ونرقد على الذل والهوان؟! فمرغم أخاك لا بطل!

بحيرة الغفران وسرياليّة المشهد:

لقد قلبت السيّدة كورونا موازين العالم اقتصاديّة كانت أم اجتماعيّة وكسرت كل المعادلات الريّاضية والاحصائية فنجد حكومات “العالم الأعظم” قد اضطرت بأن تضحي باقتصاداتها من أجل إنقاذ مواطنيها فحسب لا البشريّة جمعا. فما كان منها إلا أن أغلقت المطارات وسكرّت مجاري المياه وأخمدت حركة الطيران في السماء فخلدت الطبيعة بعد قرون إلى راحة وطمأنينة ما عهدتها البتّة. كنت قبل يومين أتنزّه بجزيرة رايشناو الألمانية على ضفاف بحيرة الغفران، كما يسمونها، ولأول مرّة في حياتي أحسست الموت والحياة في آن واحد وأنا في وحشة ووحدة إلا من كتاب: لا أحد، لا مركب، لا طائرة، فقط أصداء الطبيعة الحالمة التي تسبّح باسم ربّها، فالق الحبّ والنوى، ذلك في أروع مشاهدها: لوحة سريالية لم أرها طيلة حياتي، وكأن العالم قاب قوسين أو أدنى من يوم القيامة. وهل تلك إشارات لنهاية أو قيامة؟

سوسة الإغلاق تنهش في خشب البشر:

عندما صرح المسؤولون بتقليص الإغلاق الذي تبدّى أول وهلة كسوسة تنهش في صفحات أخشاب البشر من الداخل رويدا رويدا. في بعض الأحيان يمثل الشجر بخشبه صحيح يانع اللون – كالبشر – لكن دواخله تنخار وتتآكل بتردد مستمر، وهكذا حال الأسر، الأفراد والجماعات التي تعاني يوما تلو الآخر من قضبان سجن الإغلاق التعسفيّ بسبب الحجر الصحي وتفادي ما لا يحمد عقباه في تفشي الفيروس وانطلاق نشاطه مرّة أخرى، ألا يخسف بنا وبالعالم أجمع، كما صرح علماء ألمانيا من الباحثين في علم الفيروسات.

هل سينتهي عصر الجوكوندا ” كورونا”؟

يحاول الزعماء في كل الدول جاهدين أن يعيدوا الأمور إلى نصابها بيد أن الحرب ضد هذا الطاعون الكورونيّ أدّت وستُأدي إلى نتائج سلبية فادحة آخرها الركود الاقتصادي والدمار الشامل لاقتصادات العالم بشكل لم تشهده البشريّة من قبل. سوف يطول الصراع، دون أدنى شك، مع السيّدة التي ألَّفت قلوب العالم بعد فراق كما ستواصل هذه الجوكوندا، بابتسامتها الدافنشيّة الفاترة، الدفاع المستميت عن فلذات أكبادها من الفيروسات، وتشرع من ثمّة إلى الهجوم والهجوم المعاكس وفي آخر المطاف علينا ألا نستبعد أن تنفجر قنبلة ذريّة كرونيّة منها متجددة كما كوڤيدها التاسع عشر: قنبلة فيروسيّة كتلك التي دمرت هيروشيما، مآلها أولا حروب تقليديّة إقليميّة ومواجهات داميّة بين الدول – حقيقة ومجازا – إلى أن تفضي إلى حرب عالميّة ثالثة باردة محسوسة أو ربما ضمنيّة الأبعاد، لا حدود لها ولا قبل للبشريّة جمعا بها. فلنعدنّ لها من العتاد ما استطعنا، وندعو أن يلطف الله بالعباد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق