
انطباعات حول وقع حذائها
للأسعد بن الحسين
عبد الله المتقي
“وقع حذائها ” مجموعة قصصية للقاص والسيناريست الأسعد بن حسين، تتألف من قسمين، قسم أول موسوم ب” قصصهن”، وثان تحت عنوان ” أوهام جميلة”، وتذهب معظم قصص القسم الأول، نحو طرح خصوصية المرأة وعوالمها الباطنية، واغترابها والتحرش بها وإخفاقاتها في التواصل مع ذاتها، حينا، ومع الواقع والآخر من حولها، حينا آخر، وهي أبرز تيمة تطفو على السطح.
في قصة ” عودة “، وهي القصة الأولى في المجموعة ،يفتتح المحكي القصصي بدعوة للبكاء ” لدي شرفة على البحر ، أدعوك لساعة بكاء ، إن رغبت “، ويقفل بالبكاء ” صحيح أني بكيت يومها على الشرفة قبالة البحر، لكن عدت إلى غرفتي ، بكيت بحرقة أكبر ، بكاء مسترسلا “ ، وما يقع بينهما لا يعدو أن يكون نوايا سيئة :” أطفأت سيجارتي وبقيت مطرقة أفكر في عرض محدثي ، لا شك أنه مخادعي يسعى للإيقاع بي ” ، وخيانة وتخلي :” وكانت علاقتي بفوزي هي التي تمنحني بعض التوازن أو ما أسميه بشخصية الأوكسجين ، وها إن ذلك النذل قد تخلى عني “.
هكذا، ومنذ القصة الأولى يحد القارئ نفسه إزاء قصة تتشابك مع ذات مكلومة، وفيها تثوي كل ايماءات الغياب لأنسنة العلاقات ونتائجها الجارحة، أملا في مجتمع تصبح فيه المرأة والرجل في وجود وامتلاء.
نفس الذات المكلومة نصادفها في قصة “وقع حذائها”، وهي عقد المجموعة وعنوانها المركزي، ويلتئم فيها الاعتداء وزنا المحارم والصدمة والجرح النفسي “فالآنسة “أناني” الموظفة يإحدى شركات الإشهار تتعرض لهجوم من قبل شقيق والدتها:” ومرة أخرى تبعث لي الاقدار خالي ليكون جلادي، ولئن فشل في محاولته الاولى معي فإنه نجح في المرة الثانية، لأنه هاجمني في الليل وأنا نائمة وكان الطقس حارا بشكل تخفف معه ملابسي „.
في هذا الشاهد النصي، يجعلنا القاص نتعرف على أعطاب نفسية أخرى بصيغة المؤنث، وعلى علامة غير متوازنة ومختلفة، وفق حيونة الغرائز التي تعاني منها مجتمعات الإذعان، لتكون بذلك نصوص ” قصصهن”، قد التمت في نظيمة تيماتية قوامها قراءة للباطن الإنساني بسخاء معرفي يدين ظلامية المجتمع ويطالبه بمعرفة عوالم المرأة السخية بحب.
في قصص القسم الثاني من ” وقع حذائها “، تتفاوت الموضوعات المطروقة من جهة، كما تختلف طرائق السرد بحسب نفس السرد طويلا أو قصيرا، من جهة أخرى، في اتجاه البحث عن جغرافيات سرية في تضاريس الكتابة، فماذا عن قصص هذا القسم؟
في قصته ” الوهم الجميل ” يفتح القاص كوات جمالية تكمن في تقديم افادات وتصريحات حول سيرة الكتاب، جوائزها:” يصعب على أي مؤلف أن يكتب رواية وهو يفكر في جائزة “، وأيضا أوجاعها:” استطعت القيام من على الكرسي، وحين وقفت أحسست بدوار غريب”، وكذا همومها ولعنتها الجميلة، وهو ما يروم القاص أن يسربه إلينا من قضايا الكتابة، والقراءة كما في قصة ” سجين الرواية”، وهي القصة الأولى في القسم الأول، والمهداة إلى أدم فتحي، وهو لا يخلو من اعتراف وقصدية حميمية.
أما في قصة ” جنازات.. جنازات ” ، فتأخذنا الحكاية ، الى عالمين متضادين ، عالم عثمان الذي يجسد تجديد وتثوير وأنسنة الخطاب الديني :” ومرة أخرى يتقدم يتقدم عثمان ويؤم الناس ويلقي فيهم خطبة عن الحب في الدين الإسلامي الحنيف “، وإمام يمثل الظلام الديني الدامس ،لينتهي الصراع باغتيال عثمان :” دخل الفتيان الثلاثة إلى المنزل الصغير وقصدوا غرفة نوم عثمان ، ليجدوه ملقى على السجادة ، مطعونا بسكين ” ، ومع توالي الموضوعات ، تنساب الكتابة محملة بلغة عفوية دون تكلف ، وتجنح نحو الشاعرية بلغة حملت مهمة واقعية وظيفتها الباطن الانساني والاجتماعي ، لتنضاف إلى حبات عقده القصصي.