ثقافة وفن

لا تكذبي!

نجاة الصغيرة

د. محمد بدوي مصطفى

ولدت هذه الفناة المبدعة التي أثرت ميدان الطرب العربيّ بمدينة القاهرة. ولدت في أسرة فن وابداع. والدها الخطاط الدمشقي المشهور محمد كمال حسني البابا، الذي هاجر إلى مصر في ريعان شبابه وتزوج من سيّدة مصريّة (والدة نجاة) ومن جميل الصدف أن تكون سعاد حسني أخت والدتها، أي خالتها، فالفن تربع على كل ركن من أركان هذا البيت الذي جمع بين الفن التشكيليّ والتمثيل. منذ نعومة أظافرها كانت هذه الصغيرة مولعة بالطرب والغناء وشهدت مسارح التجمعات الأسريّة أولى عروضها وهي لم تبلغ سن السادسة بعد. ولم تقف عند هذا الحد وهي في سن الطفولة وكانت أولى مشاركاتها في فيلم سينمائي في عام ١٩٤٧ بعنوان “هدية”. تبدّت هذه الموهبة العميقة منذ أول وهلة إذ كانت تجمع الصغيرة بين شتى الفنون: الطرب، التمثيل. وأشارت الصحف إلى موهبتها والاهتمام بها حتى يشتد عودها. وترعرت نجاة، هذه الحسناء، في هذه الأجواء الابداعيّة حتى شارفت على سنّ العشرين وبدأت في تعلّم أغنيات أم كلثوم. وصارت تتقن لدرجة مذهلة “عَرَب” سيدة الغناء الصوتية. وكان التقليد أول مدرسة رفلت في ترابها لتمتطي صهوة الغناء وتنطلق بعد ذلك كالصاروخ لا تلوي على شيء إلا وبلوغ الثريا.

تغنّت نجاة بأغنية “لا تكذبي” تفرقت الآراء في قصتها ونشأتها. وأغلبها للصحة، حسب بعض المقالات، يعكسه حديث يوسف الشريف في كتابه عن شاعر القصيدة “كامل الشناوي … آخر ظرفاء الزّمان”. يُحكى أن الشناوي كان مغرما بمطربة رقيقة البنية رهيفة الصوت. ذات يوم ابتاع قالب من التورتة من خمسة طوابق على شرف مناسبة عيد ميلادها، وعندما جاء وقت إطفاء الشموع وتقطيع التورتة اختارت المطربة لدهشة الشاعر صديقا آخر وليس الشناوي نفسه الذي أتى بالتورتة. لم يفصح الشاعر نفسه عن ملابسات الخيانة فاكتفى فقط بترجمتها إلى قصيدة محزنة، مؤلمة وقاسيّة، وترك الناس والعالم يؤلفون القصص عما حدث وما صار.

على كل يقال إنه من شدّة الغيرة والألم لم يستطع اكمال السهرة في بيت المحبوبة وحاول جاهدا أن ينسي نفسه هذا الطَرْق المؤلم بالجلوس إلى صديقين هما يوسف الشريف وعبد الرحمن الخميسي. جلسوا سويّا وظلّ الشاعر صامتا، ساهيا وسارحا في الأفق. بعد فترة وجيزة ترك الصديقين في مكانهما وذهب مجددا إلى شقة المطربة الصغيرة وشاهد ما لم يستطع مشاهدته ولاقى ما خاف أن يلقاه: المطربة وصديقها (كان يعمل كأديب يكتب القصة القصيرة). وبعد هذه الحادثة نشأت قصيدة “لا تكذبي”. يقول أحد المعجبين عن الأغنية كلمة صادقة دونكم إيّاها: “لا أعلم كيف استطاعت غناء هذه الكلمات للشناوي بدون أن تتأثر أو يرق قلبها له، لكن القلب وما يهوى سبحان الله، يغفر لها جمال صوتها ورقته.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق