
المتقابلات في سورة التحريم
بدر الدين العتاق
خذ قوله تعالى: (وإذ أسر النبي) و (وأظهره الله عليه) أسر تقابلها: أظهره ؛ وهو بمثابة تمهيد لما سيأتي لاحقاً بالنسبة للبشر من فكرة توسعة المعاني ؛ فالإسرار نفهم منه الخصوصية للبعض وحجبه عن الآخرين؛ وتلك الخصوصية تفيد الأزواج بعامة في المجتمع المدني البدائي الأول من مطلقي رجال ونساء ليشكلوا نواة المجتمع المدني الدولي فيما بعد ومن هنا نفهم أيضاً الجمع بين معنيي الأزواج وملكات اليمين حين لم يبلغوا ا الرشد بعد خاطبهم ب ” مولاكم ” ؛ كذلك الإظهار يقابله الخطاب للعامة يتجاوز به مرحلة الخصوصية والإنباء عنها بلا استثناء أو إقصاء لأحد نهائيا وانقطاعا لقوله تعالى: (نبأت به) و (نبأها به) ولا يخفى الجناس اللفظي هنا ؛ وبالمقابل: (عرف بعضه وأعرض عن بعض) فالتعريف محدود كما هو واضح وكذلك الإعراض لأنه آنذاك يخاطب فئة معينة لكن بعد فضل الله ثم بفضل تقدم البشرية من مهدها الوثير القديم قامت باسترقاق المعاني تلطفا إلى حين الآن الذي نسجل فيه هذه المادة إلى ما لا نهاية.
اليوم ؛ يتم التعريف بصورة لم تتعهدها الإنسانية من قبل ولكنها حتماً ستتشرف بها وهي الآن تعايش الانفتاح الأخلاقي الراقي والقيم الإنسانية النبيلة التي نتعهدها بشكل القانون الدولي والتشاريع السيادية العالمية وإحكام الأعراف والتقاليد الاجتماعية البناءة ولا نفهم من ذلك الإعراض منشأة الخيانة في أداء الرسالة لا ولا كرامة ولكن تتفتق معاني القرآن تباعاً بلا انقطاع حسب فهمك أنت لكل مرحلة حياتية تعيشها البشرية وتتالفها و تعمل بها بما ينظم لها العلائق تنظيماً دقيقاً ومحكما ومشرفا وليس أدل من ذلك هو النظام العالمي لحقوق الإنسان الذي يحفظ لكل ذي حق حقه.
لكن ما يعنينا هنا من تلكم التنظيمات الدولية لحقوق الإنسان لنربطه مع سورة التحريم هي اتفاقية سيداو لأن السورة المدنية آنفة الذكر تتكلم عن هذه الحقوق فيجب التنبيه إليها وليس هنا موضع المناقشة والتحليل لكن حيث ترد الإشارة نشير إن شاء الله.
أنا لا أرفض الاتفاقية جملة ولا أقبلها تفصيلاً وقبل الخوض مباشرة في قضية الربط بين السورة المدنية والاتفاقية دعونا نختم تعليقنا على فصل المتقابلات في سورة التحريم بكلمتي: (تتوبا) و (تظاهرا).
تقول العرب قديما والنحويون تعليقاً في استخدام ألف التثنية يراد بها الجمع وفي ذات الوقت يراد بها الإثنين؛ بمعنى آخر: تستعملها العرب في الحالتين السابقتين بنفس الصيغة اللفظية والحروف ويراد اختلاف المخاطب أو السامع أو المتلقي فرداً كان أم مثنى أم جمعا؛ كقول أمري القيس في معلقته:
قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول فحومل
لاحظ كلمة: ” قفا ” موضع الشاهد هنا على ما سبق ؛ فكلمة ” قفا ” اختلف حولها النحويون واعترض عليها الناقد الكبير / أبو بكر بن الباقلاني (٣٣٨ هجرية – ٤٠٢ هجرية / ٩٥٠ م – ١٠١٣ م _ بغداد) ؛ وهو من كبار نقدة الشعر والنحو والصرف والبلاغة والأدب والشعر ؛ فعاب صيغة الجمع باستخدام ألف التثنية للفظة الواحدة ” قفا ” حيث أراد لها أمرؤ القيس لغرض تقوية الكلام وتجويده وهي الصورة المعروفة عند العرب فلم يعرها ولم يعبها أهل زمانه بالا كما فعل بن الباقلاني ؛ كذلك كان يستعمل الحجاج بن يوسف الثقفي ذات الطريقة في العربية القديمة فيقول مخاطباً فرداً كان أم مثنى أم جمعا: (يا حرسي اضربا عنقه) والشاهد هنا: اضربن واضربا ؛ و ليس هنا موضع المناقشة والتحليل لكن حيث ترد الإشارة نشير .
القرآن الكريم نزل على أمة عربية فصيحة اللسان قوية البيان بليغة الفهمان؛ فنزل عليهم من جنس مادتهم اللغوية حيث يدركون مقاصد اللغة بلا حوجا لشرح أو تبيين أو نقد أو تفهيم؛ فلم يستغربوه وإنما استغربوا علوه من اللغة ذاتها فلم يقدروا على مجاراته أو معارضته من ناحية اللغة العربية! ومن هنا نفهم مباشرة معنى قوله تعالى: (تتوبا إلى الله) و(فقد صغت قلوبكما) بلا حاجا لشرح أو تبيين أو تفصيل.
لاحظ هداك الله لألف التثنية عند الخطاب قابلهما بكلمة: ” صغت قلوبكما ” والطبيعي أن تكون الجملة هكذا: فقد صغت عقولكما؛ لكن يمتنع الإعتراض هنا لسمو اللغة ودقة الخطاب عن الإدراك والفهم المباشر لغرض اللغة نفسها فتأمل!
متى ما فهمت مرامنا من خلال الشرح أعلاه فقد وعيت وإلا فعليك بابن الباقلاني.