
عذراء ترقد على نهر جوتا كالهمزة على سطرها
جوتبورغ
د. محمد بدوي مصطفى
سافرنا قبل بضع سنوات عجاف من ألمانيا إلى شمالها، مدينة هامبورج، ومنها إلى الدنمارك، كوبنهاجن، ومن ثمّة أقلتنا الباخرة إلى مدينة مالمو السويديّة، حيث بقينا بمعية ابنة أخي الكريمة وأسرتها الجميلة. وصلنا إلى السويد، بلد الماء، والغابات والخضرة السندسيّة، وبدأنا في تأمل هذا الابداع الإلهي المنقطع النظير! كان الجو ممطرا ولم ينقطع المطر من أن ينكب على رؤوسنا من علٍ وكأنما زيوس، إله (المطر)، الرعد والبرق عند الإغريق، قد دأب واحتد نشاطه يومئذ دون غيره، يشد من أزره نبتون، إله المحيطات (والماء)، ليجعل من هذا البلد الأمين تحفة مائية دون سابق. ففي كل بقعة ومزرعة تجد البحيرات على امتداد البصر وهل تصدقون يا سادتي أننا في المنزل الذي سكناه بالكراء كان لنا بحيرة كبيرة رائعة وخاصة بنا، تحيطها الغابات والمزارع! مكثنا في تلك السكنى بمزرعة لزوجين من أهل المدينة، كانت على بعد ٨٠ كيلومترا من مدينة جوتبورغ الحالمة وشددنا الرحال إليها ذات صباح وبقينا طوال اليوم بها تسوقنا أقدامنا إلى حيث الجمال والفنّ.
من لا يعرفها يا سادتي فهي مرتع مصانع الڤولڤو والمدينة الطلابيّة الأولى بالسويد وحتى في إسكندنافيا، حيث تبلغ نسبة الطلاب فيها عالية جدا، فضلا عن وجود جامعات ومعاهد عليا مرموقة بها، يأتيها العلماء والمفكرون من كل أنحاء العالم: جامعة جوتبورغ وجامعة تشالمرس للتكنولوجيا.
تقع المدينة وبلدياتها في مقاطعة فاسترغوتلاند، على الساحل الغربيّ من السويد، في كاتيغات بالقرب من بحر الشمال. أسسها الملك السويديّ غوستاف الثاني أدولف بعد أن كانت تحت سيطرة وحدة الدنمارك والنرويج. يبلغ عدد سكانها حوالي نصف المليون نسمة وتعتبر ثاني أكبر مدن المملكة السويديّة وتأتي بعد ستوكهولم. وتعبير جوتبورغ من أهم الموانئ التجاريّة للبلاد وتلقب محليًّا بلندن الصغرى لما بها من ألق المعمار الذي يشابه في قسماته معمار لندن العريق.
يقسمها نهر جوتا في كاتيغات كالجاتوه ليجعل جيدها ينشلخ كعذراء الصفصاف إلى نصفين، تتبدّى بضة، عريقة، حالمة، نيّرة بأهلها ومعمارها الراقي وبمتاحفها الجميلة. تبعث في النفس في بعض أزقتها شيء مثل السكينة والطمأنينة وتارة أخرى بعض من ديناميكيّة الحياة السريعة في المدن الصناعيّة ويظل هذا المزيج خلطة سحريّة تجعل منها مدينة فريدة ومتميزة بين مدن الشمال العالقة تحت أعتاب بحر الشمال. تم اختيارها في عام ٢٠١٢ عاصمة الطهي بالسويد فذاع صيتها بين محبيّ الطهي والأكلات المرموقة ببؤرة التذوق في شمال أوروبا إذ يأتون إليها راجلين من كل فج عميق!
جوتبوغ، مدينة ساحرة، عذراء ترقد على بحر الشمال ونهرها المدرار كالهمزة على سطرها. عليكم بزيارتها إن شاءت الأقدار!