
ساعة لعقلك
من أين أتى الهكسوس؟
د. علي عفيفي
الهكسوس هم شعوب بدوية من غرب آسيا، هاجموا مصر أثناء حكم الأسرة الثالثة عشر في عهد الدولة الفرعونية الوسطى. استطاع الهكسوس أن يحتلوا مصر بفضل معداتهم الحربية المتطورة، كالعجلات الحربية وأنواع جديدة من الأقواس والسهام، والتي لم تكن معروفة للمصريين آنذاك.
كل ذلك الوصف يصلح بامتياز لأن يكون جزءاً من مناهج التاريخ التي درسناها في مراحل التعليم المختلفة. ولم لا؟ فهذه القصة هي نفسها التي تبناها المصريون القدماء أنفسهم. الكاهن والمؤرخ المصري القديم مانيتون، والذي ولد بعد الهكسوس بحوالي اثني عشر قرناً، يصف غزو الهكسوس لمصر بأنه كان غزواً مسلحاً حدث في فترة من فترات الضعف والاضمحلال، واستطاع اخضاع البلاد بالقوة العسكرية، بعدها قام الهكسوس بحرق المدن وهدم المعابد والكثير من أعمال السلب والنهب 1-3. ولكن، ماذا إن قلت لك أن هذا التاريخ الذي درسناه من الممكن ألا يكون صحيحاً تماماً؟
لفترة طويلة كانت كل المعلومات المتوفرة عن الهكسوس تأتي من مصادر مصرية قديمة، وكما يقولون “التاريخ يكتبه المنتصرون”، ولذلك نظر العلماء إلى ذلك التاريخ بعين من الشك. كان اكتشاف عاصمة الهكسوس القديمة “افاريس” في تل الضبعة بمحافظة الشرقية بمثابة الفرصة الذهبية لدراسة تاريخ الهكسوس من منظور علمي. أشارت الحفريات التي تم العثور عليها في العقود الأخيرة إلى أن الهكسوس كانوا بالفعل شعوب أجنبية عن مصر، وأن أصولهم تنحدر من منطقة الشرق الأدنى، وهو ما كان جلياً في أدوات الزينة وملابس الدفن التي خلفوها. ولكن، على عكس الرواية المصرية القديمة، فالهكسوس الذين عاشوا في مصر يبدو وأنهم قد ولدوا وتربوا فيها، وبالأخص في منطقة الدلتا.
كيف وصل العلماء إلى تلك النتيجة الغريبة؟ في دراسة حديثة، قام العلماء باستخدام تقنية النظائر المستقرة لكشف أسرار الهياكل العظمية التي وجدوها في عاصمة الهكسوس القديمة4. هذه التقنية تتمحور حول معدن السترونشيوم والذي يوجد في عدة صور (نظائر) في الماء والتربة. هذا المعدن يدخل إلى جسم الإنسان عن طريق الغذاء ويترسب في مينا الأسنان أثناء تكوينها في سن صغيرة. تختلف نسب نظائر السترونشيوم في مينا الأسنان على حسب المكان الذي تربى فيه الشخص، فتلك النسب تتباين في الماء والتربة من مكان لآخر5.
قام العلماء بفحص 75 هيكل عظمي للهكسوس ومقارنة نسب نظائر السترونشيوم في مينا أسنانهم بالتربة الموجودة في شمال الدلتا. وجد العلماء أن حوالي نصف الهياكل العظمية ترجع إلى فترة ما قبل حكم الهكسوس لمصر، وأن 24 منها كان لأفراد ولدوا وتربوا خارج مصر. المثير هو أن بعض هذه الهياكل كانت لنساء، وهو ما يؤكد أن قدومهم إلى مصر كان بغرض الهجرة لا الغزو العسكري. الأهم هو أن نصف عدد الهياكل العظمية كان لأشخاص تربوا في دلتا النيل، سواء كان ذلك قبل أو بعد بدء حكم الهكسوس لمصر4. كل ذلك يشير إلى قصة مختلفة تماماً وهي أن الهكسوس جاؤوا إلى مصر كمهاجرين، ثم استقروا فيها لفترة حتى قاموا بانقلاب انتزعوا به الحكم من الأسرة الثالثة عشر الضعيفة. هذه القصة تتفق مع عدم العثور على أي أثر لعجلات حربية أو أدوات حربية متطورة في عاصمة الهكسوس القديمة6. إذن فتلك القصة هي الحقيقة المؤكدة؟ ليس بالضرورة، فالأبحاث ما زالت في بدايتها وربما يظهر في المستقبل ما يدحض تلك القصة الجديدة. المؤكد هو أن التاريخ لن يكتبه المنتصرون، بل العلماء.
مصادر
• History of Egypt from the Earliest Time to the Persian Conquest, James Henry Breasted, p. 216, republished 2003, ISBN 0-7661-7720-3.
• Mourad A-L. Rise of the Hyksos: Egypt and the Levant from the Middle Kingdom to the Early Second Intermediate Period. Oxford, United Kingdom: Archaeopress; 2015.
• Redford DB. The Hyksos Invasion in History and Tradition. Orientalia 39(1):1–51 (1970).
• Stantis C, Kharobi A, Maaranen N, et al. Who were the Hyksos? Challenging traditional narratives using strontium isotope (87Sr/86Sr) analysis of human remains from ancient Egypt. PLoS ONE 15(7): https://doi.org/10.1371/journal.pone.0235414
• Bentley RA. Strontium Isotopes from the Earth to the Archaeological Skeleton: A Review. Journal of Archaeological Method and Theory. 2006;13(3):135–87.
• The Hyksos: New Historical and Archaeological Perspectives, ed. Eliezer Oren, University of Pennsylvania 1997. cf. Janine Bourriau’s chapter of the archaeological evidence. Pages 159-182.