ثقافة وفن

حول سورة “الطلاق”

بدر الدين العتاق

أنبه القارئ الكريم أن هذه المادة لا تناقش قضايا فقهية ولكنها تطرح نفسها قضية عصرية حديثة.

قبل أن أشرع في تأويل السورة دعني أنبه أيضاً عناية القارئ الحصيف أن ما ورد في سورة البقرة من آيات الطلاق هي للمحمديين أقرب منها إلى غيرهم من الملل والنحل والديانات الأخرى التي هي بين ظهرانينا على سطح هذا الكوكب وإن كانت تعنيهم في مستوى من المستويات ؛ و العكس هنا تماماً ؛ فإن سورة الطلاق التي نحن بصدد تأويلها هي أقرب إلى الملل والنحل والديانات الأخرى التي هي بين ظهرانينا على سطح هذا الكوكب من المحمديين ؛ وإن كان المحمديون معنيون بها في مستوى من المستويات ؛ وأخص بالذكر الديانتين المسيحية واليهودية ؛ فهي تقدم حلولاً جذرية لمعضلة ” الطلاق ” التي لا تتم إلا بتوفر أسباب يتعذر حدوثها إلا لماما ومن الصعوبة بمكان إن لم يكن من المستحيل بقدر كبير جداً تحقيق الطلاق المنوط بفك حل العقد/ التعاقد الأبدي / أو الميثاق الغليظ الذي تضربه القداسة من كل جانب حسب ما يرد وثبت في كتبهم ؛ إلا أن العهد القريب بالناس من أهل الديانتين فطنوا لحل هذه المعضلة بتوفير أو قل بزيادة مقدرة من فك القيود المفروضة على قدسية الميثاق الغليظ الأبدي – الزواج الكاثوليكي تحديداً  – فيعتبر في الديانة المسيحية ” سر من الاسرار السبعة المقدسة ” وهو إقامة ” عائلة ” ؛ فقد جاء في كتاب الإنجيل المقدس دعوى يسوع المسيح ؛ عليه السلام ؛ إلى وحدانية الزواج وترفض اليوم معظم الطوائف المسيحية واليهودية تعدد الزوجات وإن كانت البعض تبرزها بشكل من الأشكال ( المورومون ) مثلاً  .

ومنهم من جعلها قانوناً جديداً في ميلاد الحداثة الغربية اليوم وتطويرا لشريعة الأحوال الشخصية عندهم .

‭{‬ ما جمعه الله لا يفرقه إنسان ‭}‬ إنجيل متى ١٩ : ٦

تنبيه مهم أخير : هذه المادة لا تدخل في تفاصيل عقدية بحال من الأحوال ؛ ولكنها تبرز أهمية قضايا معاصرة وتظهر لها الحل الجذري وهو ” الطلاق ” و ” تعدد الزوجات ” بعد الطلاق وفقاً لترتيبات معينة يسنها القانون أو يطورها المشرع الجديد .

لا يفهمن فاهم من فحوى هذه المادة أن تعدد الزوجات هو الأصل في الأديان السماوية الثلاث !! لا ولا كرامة ! إذ تتفق الديانات السماوية الثلاث على أن الزوجة الواحدة هي الأصل في الحقيقة ؛ وكل من ذهب للتعدد في الزواج هو في الحقيقة يعمل بالشريعة الإنسانية القديمة ولا يحقق بذلك وحدانية الواحد من هذا الوجه وفرديته في خاصية نفسه – بدون خوض في التفاصيل – ولا يفهمن فاهم أن قوله تعالى بسورة النساء : ‭{‬ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ‭}‬ ؛ معني بها التعدد في الزواج !!! لا ولا كرامة ! بل تفيد : مطلق زواج رجل من مطلق زواج إمرأة ؛ ومطلق زواج إمرأة من مطلق زواج رجل ؛ فهنا التعدد قائم بالإجمال لا الإفراد ؛ وقد بسطنا الشرح اللغوي في تمييز العدد عند أهل النحو والصرف فالتراجع في موضعها من السورة الكريمة .

لكن ! يكمن الإشكال في طاقة المعايشة بين الرجل والمرأة ؛ إستحالة أو إمكانا ؛ أما في حالة المسلمين المحمديين  فيجوز الطلاق حال الإستحالة ؛ بغض النظر عن التفاصيل والأسباب ؛ شرط أن تكون في ذمته بعد الطلاق الأول ‭{‬ يشترط بل يمنع منعاً باتاً التوحيد تعدد الزوجات ‭}‬ ؛ فالطلاق هو في ” الحقيقة ” أن لا تشرك أو تجمع أو تحوز أو تمتلك أو تنتفع أو تمارس الجنس إلا مع واحدة فقط ! صنوك المنبثقة عنك خارجك ( إمرأتك ) ؛ وفي مفهوم ” الشريعة ” هو عكس ذلك تماماً  – أي : التعدد – ؛ ومن هنا يكمن الشرر [ التعدد بوجه من الوجوه ] الزواج العرفي وحالات الزنا وزواج المتعة والمثلية واللواط واتخاذ العشيق والعشيقة … إلخ ! أو التعدي على حقوق العامة مما لا يجوزه الشارع المقدس .

لكن في حالة غير المحمديين الشرر أعظم وأكبر ؛ إذ تعتبر المثلية الجنسية – الخدان / اللواط – والعشيق والعشيقة وممارسة الجنس مع أكثر من واحد أو واحدة نوعاً جديداً من أنواع الحريات الشخصية ويتم بقانونية دستورية في كل من أميركا الشمالية وكثير من بلاد أوروبا ؛ فتعرض الفتيات أنفسهن في فانترينات زجاجية لممارسة الحرية الشخصية كما في هولندا وألمانيا وفرنسا وغيرهم كثير ؛ حتى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أقر مؤخراً قانون المثلية الجنسية للرجال وحث عليه الدول الأوروبية أن تحذو حذوه.

إذا فهمت ما جاء أعلاه فأنت قد وعيت إدراكا عقلياً جيداً لمعنى سورة الطلاق .

تعريف الطلاق:

إصطلاحا هو ما جاء أعلاه من أسباب ودوافع ومقدمة وتعريفات ؛ ولغويا هو : الإبتعاد والإمتناع من الإمتاع الجنسي بالواحدة من الواحد ؛ من رجل واحد فقط يحل له ويحق له التمتع بها جنسياً  لغيره من الرجال [ دون الخوض في تفاصيل تبعات هذا الإمتاع الجنسي من النفقة والسكن والملبس وتفاصيل التفاصيل ] والعكس صحيح ؛ لها حق الإمتاع الجنسي من رجل واحد فقط لا تشاركها فيه إمرأة أخرى بحال من الأحوال [ بدون الخوض في تفاصيل تبعات هذا الإمتاع الجنسي بالواحد من التزامات أسرية وزوجية وغيرها فليس موضعه هنا من المادة ] .

لكن !! بمفهوم جديد آخر لمعنى الطلاق وهو الحق لا ريب : أن تبتعد عنها وتبتعد عنك على أن تكون في ذمتك وتكون أنت في ذمتها ؛ لا تخون ولا تخادن ؛ أي منكما ؛ وينشأ من هذا التباعد طال أم قصر ؛  الإلتزام بالمسؤولية كل تجاه الآخر ؛  وأهم هذه الإلتزامات هي عدم الخيانة الزوجية أو المخادنة – زواج المثليين جنسياً – على أن تكون المدة معدودة بأجل معروف بالضرورة ؛ مرتين في الحياة الزوجية؛ فإذا كانت الثانية حق لكليهما التمتع بآخر وفقاً لضوابط المشرع والمتعارف عليه في كل موضع ؛ وهذا الأخير لا يسمى في ” الحقيقة ” طلاقاً كما يسمى في الشريعة ؛ فالمحمديبن يعكسون المعنى الحقيقي هنا فيقلبون الآية ؛ والصحيح إن شاء الله ما ذكرته وهو ما يطلق عليه الإنفصال في حالة الطلاق الثاني ؛ إذ هو ما جاء أعلاه من تتابع وسرد ؛ أما العيسويون والموسويون فيطلقون عليه كما في ” الحقيقة ” عند العرفانيين ؛ خلاف المحمديين  في” الشريعة ” ؛ فالطائفتين الأولى والثانية ‭{‬ المسيحية واليهودية ‭}‬ تسمي التباعد الأسري أو قل الزوجي ب ” الإنفصال ” بينما يظل الرباط المقدس بينهما قائماً / عقد القران / بينما يطلق عليه المسلمون المحمديون – الطائفة الثانية – ” الطلاق ” ‭{‬ وهو ما يفترض فيه معنى الإنفصال ؛ والذي لا يتم إلا بالطلاق للمرة الثانية ؛ حين يفترض تسميته طلاقاً بائنا – انفصالا من الأول في مستوى من المستويات – أي : انفصالا تاما  وهو مالا يعمل به أو هكذا يفهم إلا خين يقع الطلاق الثاني ‭}‬  ؛ فأنت ترى الإتفاق العرفاني بين المفهومين للطائفتين الأول والثاني ؛ وترى الخلاف بين المفهومين للطائفة الثانية من ناحية الشريعة ؛ وللطائفة الأولى من ناحية الحقيقة ” العرفان”.

دعني أضرب مثالا بسيطا لتذليل الشرح اللغوي من التأويل : [ اليويو … الذي يلعب به الناشئة ؛ يجعلون طرفه معقودا في أحد أصابعهم وهو يتمطى ويتمدد ويزيد طوله حال رماه بعيداً عنه فيظل قابضا عليه مهما بعدت منه المسافة فهو في ملكيته وحوزته وتمتعه وجماع أمره عنده ] هذا هو الطلاق الأول لمفهوم المحمديين ؛ [ وإن انقطع ” انفصل “  منه الحبل المعقود في أحد أصابعه حال رماه بعيداً عنه فقد فقد امتيازه السابق فلا يمكن أن يعيده لحاله ما لم يعيد العقد – التعاقد الأبدي أو الميثاق الغليظ – إلى مكانه الأول القديم /  رجوع الزوجين لبعضهما البعض قبل الإنفصال في المفهوم العرفاني .. الطلاق الأول في المفهوم الشرعي / من إصبعه الذي انفصل عنه أو انقطع  ] – الزواج الكاثوليكي لا يقبل الطلاق ولكن يعرف الإنفصال –  ؛ وفي الحالة الثانية يستحيل وفقاً لمعطيات المحمديين الرجوع للمربع الأول إلا إذا ارتبط الإثنان وبالتحديد المرأة برجل آخر كما جاء في الكتاب المقدس والسنة النبوية الشريفة ؛ – اليويو المقطوع – لكن في المقابل فإن المسيحيين واليهود يعتبرون – اليويو المقطوع يظل كما هو ويذهبا بطريقتهم المثلى – الإنفصال خيارا ولا يعني الطلاق مما يؤدي إلى زيادة الفاحشة في المجتمع المعني ؛ لذا يقدم الإسلام الحل الجذري وهو الطلاق حين تظل تفتقر المجتمعات الغير محمديه لممارسة حق التعدد وإعطاء الحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية حقها في حق الإمتاع الجنسي والتبادل المصلحي بين تجديد الخيارات إلى أن يلقى بزوجته المنبثقة عنه خارجه إمرأته الواحدة للرجل الواحد والمرأة الواحدة للرجل الواحد فتقل إن لم تنتفي ظاهرة التفحش الأخلاقي والتعدي على حدود المشرع فيسلم ويتعافى الناس بلا ريب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق