مجتمع

المرأة: العنف … الإعاقة المجتمعية … إهدار الكرامة الإنسانية

عبد المجيد بن شاوية

كل المجتمعات والأمم والحضارات لديها تصورات تجاه نصفها الآخر في علاقة جدلية قائمة بقيام الوجود الإنساني، نصف من المجموع سواء أكان امرأة أو رجل، كل منهما يتمثل الأخر وفق نسق معين من القيم الاجتماعية، الثقافية، الإنسانية، الدينية، والأخلاقية، بداخل البنيات الاجتماعية القائمة على اختلافها.

فعبر مراحل التطور الإنساني والتاريخي والحضاري شكلت قضية المرأة قضية شائكة في حيثياتها المتعددة وتجلياتها المختلفة بحسب البنى السائدة في مجتمع ما وحضارة ما، عرفت في ارتباطها بما يعتمل بداخل المجتمعات والثقافات العديد من التصورات والتمثلات اتجاهها، لذا كان من اللازم أن تعرف كائنية المرأة بداخل مؤسسات المجتمعات مراتب مختلفة انطلاقا مما هو  متصور عنها بداخل المنظومات الثقافية والقيمية والمعرفية والأخلاقية، لتحدد هاته الكائنية بحسب ما فكر فيه كل فرد بداخل كل تجمع بشري ما.

ومجمل القول في كل هذا هو أن هناك إجماع عن فكرة مفادها أن المرأة كذات إنسانية عانت عبر كل المراحل التاريخية والحضارية من كل أشكال العسف والاستبداد والظلم والاستغلال، إذ أنها كانت تشكل الوعاء الخاص للعقلية الذكورية ولسلطة الرجل في تفريغ كل مقومات سلطته وكل نزوعا ته الشعورية واللاشعورية، حيث لا زالت قائمة في جوانب كثيرة من حياة المجتمعات بالرغم من التقدم والتطور العلمي والثقافي والحضاري الحاصل في وقتنا المعاصر، بأشكال متفاوتة وبدرجات معينة، لم تسلم منها حتى البلدان المتقدمة رغم التبجح بما حققته من حرية وحقوق إنسانية وعدالة وديمقراطية، إذ لم تخرج عن دوائر الاستغلال بشكل من الأشكال .

قضية المرأة كقضية مجتمعية لم يحصل فيها النقاش والجدال إلا في حدود بداية القرن العشرين بشكل لم يكن معهودا في السابق من القرون، قد نجد الكثير من المنظومات الدينية والفلسفية والثقافية تستبطن الحديث عن المرأة، متضمنة في متون الفلاسفة أو رجال الدين أو أشعار الشعراء أو منحوتات النحاة، ولكنها لم ترق إلى قضية قائمة بذاتها إلا حينما تطور الفكر شيئا ما وبدأ يتزحزح عن أصوله التقليدية، وحصلت بعض من الحراكات في تاريخ البشرية المعاصرة.

وحينما عرفت المجتمعات المعاصرة بعض الظواهر وما أنتجته من تداعيات على بنيات المجتمعات الإنسانية، مما خلق معها نوع من التجاذب والتفاعل فيما بينها، وظهرت ما يسمى بالحركات النسوية، فامتدت إلى كل المجتمعات والثقافات والحضارات المعاصرة، محدثة أنماطا تصورية أخرى تعاكس ما كان سائدا في السابق من قوالب ذهنية اتجاه المرأة، نحو إنتاج قيم أخرى ذات دلالات تحررية من وضعيات الاستغلال والعسف والظلم والعنف، انكشفت عورة الثقافات والنظم القيمية الحاملة للسلبية في تصورها لكائنية المرأة، سواء المستمدة من التأويلات والتفسيرات للنصوص الدينية أو التي تستمد جذورها من الرؤيات الثقافية الضاربة في عمق التاريخ البشري، في غياب وعي حقيقي بالكائنية الإنسانية للمرأة، وتزييف الحقائق في علاقتها بالرجل، باعتبارها وحدة من وحدات وسائل الإنتاج في البنيات الاجتماعية والاقتصادية تفتقد السلطة على ذاتها بالرغم من أنها أصل وجوده، ناهينا عن ارتباطاته العضوية بها كأم وأخت وزوجة وبنت، هنا تتدخل مقومات التنشئة الاجتماعية في قولبة الوضعية الخاصة بالمرأة بداخل التجمعات البشرية في شكلها القبائلي أو العشائري أو   المجتمعي عموما، لتتشكل بنيات ثقافية وقيمية تعمل على تحديد الأدوار والوظائف الخاصة بالمرأة  وفضاءات تحركاتها بشكلها المادي والمعنوي .

إن ممارسات العنف تجاه المرأة هي بحد ذاتها ممارسات تنم عن وجود علاقات متوترة بين الرجل والمرأة، بين المرأة والمؤسسة على اختلافها،  بين حدي سلطتين لذاتين تريدان انتزاع شيء ما من الأخر، في دلالاته المادية والرمزية، في حدود الوعي الزائف في علاقاتهما فيما بينهما، تنكرا للوعي بحقيقة الوجود الإنساني، ومدى أهدافه ومقاصده المثلى، المبني على الوحدة والتكامل والتعاضد، وتقسيم الأدوار والوظائف في مسارات ممكنات الإعمار والاستمرارية الوجودية، لأنه لا وجود بدون الأخر منهما، فسلوكيات العنف المادي والرمزي على المرأة لا يمكنها قطعا أن تخلق السواء في علاقاتنا بكل البنيات، فالعنف قد يقابل بعنف أخر، إن لم يكن بشكله المادي قد يكون بأوجهه الرمزية، فتتضخم الذوات والمؤسسات الحاضنة في ارتباطها بما تؤمن به من أفكار،  في غالبيتها تخلق أزمة على جميع المستويات، بدء بمؤسسة الأسرة إلى مؤسسات الدولة والمجتمع، فتنتج عن هذا أعطاب وإعاقات تشل حركية المجتمع في توجهاته الصحيحة والخالية من الأمراض الاجتماعية.

إن النظرة التبخيسية للمرأة بداخل الأوساط المجتمعية تجعل من المجتمع يهدر الكرامة الإنسانية فيه ولا يحقق النجاحات المطلوبة، بل يراكم ويزيد في تعميق أزمته البنيوية، لا وجود لمجتمع سوي وطبيعي مع قواعد غير منصفة لجزء كياني عضوي، من مثل هذه القواعد الاجتماعية والقيمية، على سبيل التعليل لا الحصر:

أن تحرم المرأة من التنشئة التربوية والثقافية والعلمية.

عدم تقدير مسؤولياتها والتنقيص من أدوارها الاجتماعية على اختلاف مواقعها.

عدم الاعتراف لها بما تنجزه من وظائف متعددة .

ختاما،  إن الكرامة الإنسانية لا تكتمل منجزاتها بداخل مجتمع أي كان،  إلا  باحترام الإنسان لذاته في كل أبعداه الوجودية، واحترام الأفراد لأنفسهم وكذا علاقاتهم البينية، كيفما كانت طبيعة أطرافها، دينيا، إثنيا، مذهبيا، أجتماعيا، ثقافيا، سياسيا، وأيديولوجيا،  علاوة على احترام الجماعات لبعضها البعض، مهما كانت الظروف، إضافة إلى تقدير كل مقومات الوجود الإنساني، ما دام أن الغاية هي الإنسان في حد ذاته، وبنبذنا لكل أشكال العنف المادي والرمزي، سواء فيما بين الرجال أنفسهم أو فيما بين الرجال والنساء، ومن ثمة مساهمة المرأة إلى جانب الرجل في بناء مؤسسات مجتمعها من دون معايير تمييزية يضيع معها الكثير من الفرص الثمينة للبناء الحضاري الهادف والوازن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق