خارج الحدود

هل خطط الصليبيون لتحويل مجرى نهر النيل للقضاء على مصر؟

سليمان صالح

    

كيف يمكن تفسير موقف إثيوبيا وتعاملها باستكبار مع مصر وإصرارها على إنشاء سد يمنع المياه عنها ويعرض شعبها للموت جوعا وعطشا؟

إن هذا السلوك يستند على تأييد أميركا وإسرائيل للموقف الإثيوبي، لذلك تجاهلت أميركا طلب مصر بالقيام بدور الوساطة، ولم تؤيد موقف مصر التي تتعرض لمخاطر تهدد حياة شعبها.

وهناك الكثير من الأسرار التي تحتاج إلى صحفيين أحرار يقومون بوظيفتهم في الوفاء بحق جماهيرهم في المعرفة والبحث عن الحقائق.

لكن هناك سؤال مهم؛ هو هل بدأ التفكير في بناء السد وحجز مياه النيل بعد “ثورة 25 يناير” 2011 كما حاول بعض الإعلاميين أن يضللوا شعب مصر، أم أن السد كان نتيجة لتخطيط استعماري بدأ منذ زمن طويل؟

‏أكد محمد حسنين هيكل أنه اطلع على وثائق موجودة في متحف في إسبانيا توضح أن بابا الفاتيكان قد كلف فاسكو ‏دا غاما بالاتصال بالملك يوحنا ‏ملك الحبشة لإقناعه بتحويل مجرى نهر النيل ليصب في المحيط، ‏حتى لا تصل المياه إلى مصر انتقاما منها لهزيمتها ‏الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي.

‏ولقد جاءت شهادة محمد حسنين هيكل قبل وفاته مباشرة وربما تكون تلك هي رسالته الأخيرة لشعب مصر، ‏والتي تؤكد أن الهدف من إنشاء السد ‏ليس تحقيق التنمية أو إنتاج الكهرباء كما تدعي إثيوبيا، فمياه الأمطار ‏التي تسقط على الأراضي الإثيوبية تزيد على  164 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي لزراعة كل الأراضي الإثيوبية وتحقيق تنمية ‏لا يمكن أن يتخيلها أحد، بالإضافة إلى وجود سدود أخرى لإنتاج الكهرباء التي يمكن إنتاجها من مصادر أخرى مثل الطاقة الشمسية التي تتوفر في إثيوبيا، فهل الهدف هو الانتقام من شعب مصر وتجويعه ‏وإرغامه ‏على القبول بالشروط الإثيوبية الإسرائيلية؟

‏الحملة الصليبية الأخيرة

‏ ‏‏أكد هيكل أنه قرأ الوثيقة، لكنه لم يتم السماح له بالحصول على صورة ‏منها. كما أوضح أن فاسكو دا غاما أرسل بالفعل وفدا إلى الملك، لكنه قال إنه ليس هناك وسيلة لتحقيق ذلك، ‏هذا يعني أنه كان هناك بحث عن وسيلة لتحقيق الهدف.

‏أضاف هيكل أن البابا ألكسندر السادس كان مهتما بتحقيق هذا الهدف؛ لذلك بارك فاسكو دا غاما، واعتبر أن رحلته هي الحملة الصليبية الأخيرة، ‏وأن فشل الحملات الصليبية قد أدى ‏إلى التفكير في بدائل لإضعاف ‏مصر وتجويع شعبها.

‏وإذا درسنا تاريخ حملة فاسكو دا غاما سنكتشف أن الهدف الرئيس كان البحث عن بديل لطريق التجارة ‏المصري الذي كان يتم عبره نقل البضائع من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، ‏وذلك قبل إنشاء قناة السويس، ‏وكان هذا الطريق يشكل مصدرا مهما لازدهار مصر وتقدمها.

    فكر الإيطاليون ‏خلال احتلالهم للحبشة ‏في تحويل مياه النيل إلى البحر الأحمر، ‏إلا أن ‏صعوبة التضاريس حالت ‏دون ذلك، كما أدت ‏هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية إلى توقف المشروع، لكن من الواضح أن تلك المحاولات لم تتوقف، وظل المشروع ‏حاضرا في التخطيط الاستعماري

‏لكن تخطيط البرتغاليين لم يتوقف عند اتصال فاسكو دا غاما بيوحنا ملك الحبشة، ‏بل إن ‏قائدا ‏برتغاليا ‏آخر اسمه “دي البوكيرك” ‏حاول أن يسيطر على البحر الأحمر، حيث ‏خطط ‏لتحويل مجرى ‏نهر النيل وأرسل إلى ‏ملك البرتغال رسالة يطلب فيها إمداده ‏بعمال ‏للقيام بتحويل مجرى نهر النيل إلى البحر الأحمر، وهذا يعني أنه ‏إذا كان يوحنا ‏لم يجد الوسيلة المناسبة فإن القائد البرتغالي الصليبي “دي البوكيرك” ‏قد عمل على تنفيذ المخطط.

‏يضاف إلى ذلك أن البرتغاليين ‏خططوا لاحتلال مكة والمدينة، ‏وعندما علم السلطان ‏سليم الأول بذلك قرر الاتجاه إلى مصر بهدف طرد البرتغاليين من البحر الأحمر، وحماية الحرمين ‏من الخطر البرتغالي. ‏ولقد تمكن الجيش العثماني من تحرير البحر الأحمر وطرد البرتغاليين، ‏لذلك توقف مشروع دي البوكيرك ‏لتحويل مجرى مياه النيل، والتحكم في مصر وتجويعها.

محاولات متعددة

‏وهناك محاولات متعددة قام بها ‏ملوك إثيوبيون ‏بالمشاركة مع الدول الغربية؛ منها محاولات الإمبراطور الإثيوبي تيودور عام 1856 بتحويل مجرى نهر النيل ليصب في البحر الأحمر، ‏وحاول الاتفاق مع فرنسا على ذلك.

‏كما فكر الإيطاليون ‏خلال احتلالهم للحبشة ‏في تحويل مياه النيل إلى البحر الأحمر، ‏لكن ‏صعوبة التضاريس حالت ‏دون ذلك، كما أدت ‏هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية إلى توقف المشروع، ‏لكن من الواضح أن تلك المحاولات لم تتوقف، وظل المشروع ‏حاضرا في التخطيط الاستعماري؛ حيث استخدم الاستعمار حملات ‏التنصير بقوة وعمل على فصل جنوب السودان عن شمالها، وهو ما شكل ‏أهم العوامل التي سهلت لإثيوبيا ‏بناء السد الجديد الذي أطلق عليه سد النهضة.

هذا يعني أنه مشروع استعماري صليبي تم التخطيط له منذ زمن طويل بهدف التحكم في مصر وقهر إرادتها وتجويع شعبها، ‏والانتقام منها.

‏ولو درسنا تاريخ الاستعمار في القارة الأفريقية يمكن أن نكتشف أن المشاعر الصليبية كانت حاضرة بقوة، وأن الحملات التبشيرية ‏ساندت الاستعمار وعملت على تشكيل البيئة الثقافية لتحقيق أهدافه، ويمكن أن نلاحظ ‏ذلك في سلوك الإنجليز الذين احتلوا مصر والسودان، حيث حرصوا على فصل السودان عن مصر وإعطاء منطقة بني شنقول المصرية لإثيوبيا.

لقد ‏كانت تقوية إثيوبيا ‏وإتاحة الفرص للمسيحيين لحكم إثيوبيا ‏وقهر المسلمين؛ من أهم الأهداف التي نجح الاستعمار في تحقيقها، ‏وقد نجحت ‏بريطانيا وفرنسا في هندسة القارة الأفريقية وتشكيل حدودها وإضعاف المسلمين.

الدور الأميركي

‏وبالرغم من أن هناك بعض التصريحات الأميركية التي يمكن تفسيرها بأنها تقوم بدور لحل المشكلة بين مصر وإثيوبيا، وأن‏ أميركا لن تسمح بتعطيش ‏المصريين، لكن هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد حرص أميركا على تمكين إثيوبيا من إكمال بناء السد ليصبح أمرا واقعا، وبعد ذلك يمكن التفاوض على حلول مؤقتة تسمح بإعطاء مصر حصة من المياه تقلل من المخاطر الناتجة عن الملء ‏السريع ‏للسد وحجز المياه في الملء ‏الثاني بشكل يهدد الحياة في مصر، وهذا الدور الأميركي يأتي لصالح إثيوبيا، لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة علمية متعمقة ‏تنطلق من دراسة العلاقات الدولية؛ هو ‏هل تستطيع إثيوبيا ‏أن تبني ‏السد دون موافقة ومساندة ودعم سياسي ومالي من الولايات المتحدة الأميركية؟

إن دراسة سلوك الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية ‏في أزمة سد النهضة يمكن أن تسهم في توعية الجماهير بالمخاطر التي تهدد مصر، ‏وهذه المخاطر لا تأتي فقط من التعنت ‏الإثيوبي ورغبتها في تحقيق مصالحها المادية فقط، ‏فهناك جوانب سياسية وثقافية وحضارية ودينية يجب أن نكتشفها، ‏ونتفاعل معها، و‏نعطيها ما تستحقه من أهمية.

إدارة صراع طويل المدى

‏إن بناء هذا السد ‏يشكل بداية مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الذي تحتاج إدارته إلى عقول مبدعة تدرس التاريخ وتوظفه كفاعل في تعبئة الجماهير لمواجهة المخاطر.

‏وإن الذي خطط منذ زمن طويل لتحويل مجرى نهر النيل يدرك جيدا الآثار الكارثية التي يمكن أن يتعرض لها شعب مصر والتي لا تتمثل فقط في حجم المساحة المزروعة التي سيتم تبويرها، ‏ووقف التنمية والتقدم في مصر، وتجويع الشعب وتعطيشه؛ ‏لكنها تتمثل أيضا في التحكم في إرادة مصر واستقلالها وحرية قرارها وقدراتها على الفعل في كل المجالات وضمان عدم تحولها إلى قوة إقليمية يمكن أن تقوم بدور يشبه ذلك الذي قامت به في عهد صلاح الدين الأيوبي، ‏وهذا هو ما فكر فيه البابا ألكسندر السادس وكلف به فاسكو دا غاما ثم دي البوكيرك.

‏في ضوء ذلك هل يقتصر الخطر على شعب مصر وحده؟

‏‏إن الكارثة ‏التي ستواجه مصر يمكن أن تشكل تهديدا للمنطقة كلها، ذلك أن المصريين الذين سيتعرضون للجوع والعطش‏ يمتلكون عقولا ‏ ‏يمكن أن تبدع أساليب جديدة للكفاح وإدارة الصراع، ‏وإذا كان يتم الآن استبعاد الحرب من وسائل مواجهة الكارثة والإصرار ‏على المفاوضات كوسيلة وحيدة للتوصل إلى حل، ‏فإن الحرب ‏ربما تصبح الخيار الوحيد المتاح والمفروض على شعب يدافع عن حقه في الحياة والغذاء والماء. ‏ومن طبيعة الحياة أن النظم تتغير والشعوب تطور قوتها وتبدع أساليبها الجديدة في الكفاح. ‏وهناك الملايين ‏من المسلمين في أفريقيا وفي العالم يمكن أن ‏يثوروا ‏على نظام عالمي متحيز لإثيوبيا ويساندها للتحكم في شعب مصر وقهره.

‏وإدارة الصراع تحتاج إلى تشكيل رأي عام إسلامي عالمي يواجه كارثة تجويع المصريين وقهرهم، ‏ومصير البرتغاليين في البحر الأحمر الذين خططوا لهذا المشروع ما يزال ‏يحتل مكانه في الذاكرة الجمعية.

‏ومن الواضح أن أقصى ما يمكن أن تحققه المفاوضات هو إطالة مدة تعبئة السد للسماح بحصه أكبر ‏من المياه خلال السنوات القادمة لضمان مدة أطول قبل وقوع الكارثة، ‏لكن القضية أكبر من ذلك، فأثيوبيا أصبحت تتحكم في حق مصر في الحياة وبإرادتها، وشعب مصر يجب أن يبدأ مرحلة جديدة من الكفاح لحماية حقه في الاستقلال والديمقراطية وبناء مستقبله.

‏ومن المؤكد أن في مصر الكثير من العقول التي تستطيع أن تدرس وتحلل الصراع وتديره ‏وتقوم بتوعية شعب مصر وتعبئته لمواجهة خطر يهدد وجوده وللقوة أشكال كثيرة، ‏ويمكن استخدامها لتحقيق أهداف أكبر من تدمير السد، ‏والإعلام والصحافة من أهم مصادر ‏قوة الدولة عندما تقوم بالوفاء بحق الشعب في المعرفة وزيادة وعيه بالخطر ‏الذي يواجه.

(٭ عن الجزيرة نت)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق