سلايدرسياسة

النفير وأحلام التنمية في السودان

أ. د. عبد الله التوم

في سبعينات القرن الماضي، كثر الحديث عن الدور الذي يمكن تلعبه مؤسسة النفير السوداني في التنمية. جاء ذلك في خضم نظرية استغلال العمل الجماعي في تنمية الدول الفقيرة. وعززت تجربة جوليوس نايريري وفلسفة الاسرة الكبيرة (اوجاماعة) في تنزانيا هذه الفكرة. ولكن لم تصمد هذه النظرة طويلاً إذ اتضح جلياً قصور العمل الجماعي بما فيه النفير في دفع التنمية وهذا هو ما يهدف هذا المقال الى لتوضيحه.

قامت الفكرة على افتراض ان الدول الفقيرة تعاني من شح في الموارد وقلة فرص العمل في بعض فصول السنة مثل فترة ما بعد حصاد المزارع. لهذا ففي امكان هذه المجتمعات ان تتجاوز شح الموارد بجمعها في شكل تعاونيات أو عمل جماعي في مواسم التراخي. وحسب الفرضية، فان تجميع الموارد يمكن هذه المجتمعات من زيادة الإنتاج القومي وسد حاجتها في مجال السلع الاستهلاكية والخدمات العامة. ويأتي هذا الاستخلاص عقب الدراسات الاجتماعية للأعمال الجمعية والتي ينضوي تحتها النفير في السودان، والتي نجدها كل المجتمعات، حديثها وقديمها، وبغض النظر عن موقعها في درجات سلم التنمية. ففي السودان كما الحال في الدول الفقيرة، تستنفر المجتمعات افرادها للقيام بمهام كثيرة مثل حرث مزارع اليتامى والمعوقين والعجزة، إقامة خزانات المياه والآبار العامة، إنشاء دور العبادة، وبناء القطاطي أي الاكواخ وما شاكل ذلك.

دعونا نأخذ مؤسسة النفير في السودان ونحاول من خلالها تقييم دور العمل الجماعي في التنمية. يمكننا ان نقسم المشاريع التي يختص بها النفير الي عدة فئات:

الفئة الأول تختص باستنفار الأقارب والجيران للقيام بمشروع يفيد فرداً أو أسرة واحدة. الأمثلة كثيرة هنا نذكر منها بناء كوخ أو حرث مزرعة. ففي بعض الأحيان، يكون الدافع الأساسي هو مساعدة الشخص الذي لا يستطيع القيام بالعمل المطلوب نسبة لعلة وتقدم في السن. هنا يلعب النفير دوراً هاماً في مساعدة أكثر الناس فقراً في المجتمع. قد يستطيع صاحب المشروع تقديم الاكل والشرب خلال العمل وقد يعفى من ذلك بسبب العسر.

تشمل هذه الفئة ايضاً مشاريع يتماثل فيها صاحب المشروع وضيوفه في المستوى المعيشي. أصدق مثال هنا هو إنشاء الاكواخ في جل قري السودان. يتعين على صاحب المشروع اطعام الضيوف خلال يوم أو يومي العمل. في معظم الأحيان، يقوم الرجال ببناء الجانب الأعلى من القطية في حين تتولى النساء تكملة أسفل المبنى. تؤكد الدراسات نجاحاً عالياً للنفير في هذا الفئة.

الفئة الثانية تختص بالمنشآت العامة والغير ربحية مثل حفائر آبار المياه وفصول المدارس ودور العبادة وغيرها. والحق يقال ان معظم فصول مدارس الابتدائية في غرب السودان قد نبيت ضمن هذه الفئة وأحيانا تحت مسمى العون الذاتي. تتمتع هذه الفئة بالنجاح العالي ونذكر القارئ ان حصيلة العمل هنا غير قابل للتقسيم في حين يعم الانتفاع كل افراد المجتمع. 

الفئة الثالثة تهدف الى سد الفجوة الاستهلاكية بأنشاء مشاريع ربحية عامة وذلك باستغلال الجهد الشعبي للتغلب على شح رأس المال. يشمل هذا القطاع الصيدليات وطواحين الغلال والآبار العامة والتي تعود بالربح للمستثمرين وتأتي هذه المشاريع تحت مسمي التعاونيات. تختلف المشاريع هنا عن سابقاتها في الفئتين الأولى والثانية في ان عائداتها الربحية قابلة للتقسيم ولعل هذه هو موقع الخلل. لقد اثبتت التجربة فشل هذه القطاع أذ تنهار معظم مشاريعه بعد فترة قليلة من إنشائها. والأخطر من ذلك ان انهيار مشاريع هذا القطاع كثيراً ما يأتي مصحوباً باتهامات الفساد والاهمال التي تعصف بالنسيج الاجتماعي في المجتمع المعني.

اما الفئة الرابعة والأخيرة، فتشمل المشروعات التي تستغل النفير في الإنتاج من اجل اثراء صاحب العمل. أعني هنا استنفار الاهل للعمل في مشاريع خاصة يستأثر فيها صاحب المشروع بكل الفائدة، مثل مزارع السمسم والفول السوداني وغيرها. نعترف ان هذه الفئة تصب في اهداف التنمية أذ تساعد في الإنتاج الزراعي والصادر القومي وغيره ولكنها فاشلة وتتعارض مع روح النفير والذي يتمترس في اقتصاد الكفاف وليس الاقتصاد السوقي او النقدي. يعني النفير بمساعدة الفقير من اجل البقاء ولا يسعي لدعم ميسوري الحال والذين يودون ان يزدادوا ثراءً. لهذا فمساهمة النفير في هذه الفئة تقارب الصفر.

نستخلص من التحليل أعلاه ان مساهمة النفير في التنمية في السودان محدودة. ينحصر نجاح النفير في مشاريع معينة ذات فائدة خاصة لا تتعدى اقتصاد البقاء مثل بناء الاكواخ.  وينجح النفير ايضاً في مجال المنشآت العامة كالحفائر ودور العبادة والي تعود بنفع غير قابل للتقسيم. أما في مجال التعاونيات الربحية ذات العائد القابل للتوزيع فليس للنفير فيها فرصة النجاح. إضافة لذلك، لا فائدة للنفير ايضاً في انتاج المحاصيل النقدية في المزارع الخاصة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق