سلايدر

نزار نور … جوهرة في عالم الصحافة العربية؟ (2/2)

د. محمد بدوي مصطفى

حدثنا عن سيرتك الحرفية وعن تدرجك المهني في المحطات المختلفة وما هي نوعية عملك الصحفي والإعلامي في المجال الإذاعي، المرئي أو الكتابي؟

 

البداية كانت من اذاعة ام درمان قسم اللغات الموجهة فبعد امتحان صوت يعمل لكل من يمسك الميكرفون في الاذاعة السودانية التحقت بقسم اللغة الفرنسية وهناك تتعرف على العمل المهني الاذاعي الذي يعتبر عشقي دون منازع فالإذاعة لها طابع خاص والعمل فيها يحتاج لخيال واسع وبعد عامين غادرت الى فرنسا واثناء الدراسة يطلب منك ان نقوم بتدريب مهني وطلبت من الزميل القدير احمد القرشي ادريس وكان يعمل في ام بي سي ان اتدرب في مؤسستهم وبالفعل نجح في التحاقي للتدريب في لندن وكانت اخر سنوات القناة في انجلترا وانتقلوا الى المدينة الاعلامية في دبي بالطبع لإكمال الدراسة عدت الى باريس مباشرة وتقدمت لمسابقة للعمل في اذاعة مونت كارلو وكانت اول تجربة مهنية في اوروبا تزاملت فيها مع قدامى الاذاعة الفرنسية RFI والزملاء بمؤمن كارلو وبقيت هناك حتى الفين وسبعة حيث التحقت بعدها بفرانس ٢٤ والفضل يعود الى انيس لافالوه التي عرضت علي العمل معها كمحرر لشؤون الاخبار الرياضية في غرفة الاخبار.

بعد عمل لعام تواصل معي الزملاء في قناة اورونيوز وكان مقر القناة في ليون وبالفعل عملت معهم لعام كمحرر وعقب هذه التجربة المهنية الرائعة مع ابناء القارة الاوروبية استفدت في هذه التجربة المهنية كثيرا، فهناك ثمان لغات من ثمان دول يجلسون معك على ذات الطاولة لإنجاز ذات التقرير تستفيد فيها معرفة الجنسيات الاوروبية الاخرى وثقافاتهم.

عدت الى فرانس ٢٤ وقدمت اول نشرة رياضية في يوليو ٢٠٠٩ وطبعا بعدها بقيت على النشرات الرياضية والبرامج والتغطيات والتجربة المهنية بين التلفزة والاذاعة تصقل كل مواهبك وامكانياتك.

 

ما هي أصعب التغطيات المهنية التي واجهتك في حياتك العملية وهل كانت هناك مآزق تخطيتها بجدارة؟

الظهور على الشاشة هو أصعب المهام فهناك خلية تعمل خلفك صحفيون مهنيون ومهندسون اصحاب خبرة عالية بمعنى الكلمة كل ثانية وكل دقيقة محسوبة اعتقد ان أصعب شيء في مهنة الاعلام هو التقديم التلفزيوني يحتاج الى مهنية عالية وتركيز وصبر.

التغطيات للبطولات الكبرى ككاس العالم وكاس الامم الافريقية لها صعوبة مختلفة عن التقديم التلفزيوني خاصة تلك التي قمت بها في القارة الافريقية العمل هناك صعب جدا وبما ان الطاقم الذي يكون معك دائما من الأوروبيين فحالات المرض بتكون بصورة مستمرة وبين العمل والاطمئنان على الزملاء وتسيير المهمة حتى نهايتها نكون تحت ضغطي نفسي غير عادي مرات لفترة شهر كامل وعند الانتهاء في اخر يوم وعند العودة الى باريس تشاهد الفرحة على وجوه الزملاء الفرنسيين بما ان المهمة انتهت على خير في الوقت الذي تشاهد الحزن على وجوه من رافقنا خلال فترة اقامتنا لان هناك علاقة صداقة تنشا في خلال فترة العمل الطويلة مع ابناء البلد المحتضن للبطولة .

 

 ما هو مصير العودة إلى أرض الوطن للمشاركة في بناء إعلام مهني حرفي وازن يستطيع مجابهة تحديات الألفية الثالثة؟

 في بداية فترة الحكومة الانتقالية الاولى التي قادها الدكتور عبد الله حمدوك كنت في السودان التقيت بكثير من الزملاء والمسؤولين في مجال الاعلام وشاهدت مدى الوعي الذي يتميزون به ويعرفون المهمة الواقعة على عاتقهم والعقبات التي تواجههم في مجال الاعلام. المشكلة الاساسية لأطلاق اي مشروع وطني هو التأطير والتدريب هناك الاف من الشباب المتعطش للعمل في مهنة الاعلام والكثير منهم يحملون شهادات جامعية في الاعلام ولكن للأسف ما شاهدوا في حياتهم آليات العمل الصحفي اعتقد ان المشروع الذي يجذب الانظار والاهتمام هو مركز تدريب كبير يقوم بصقل هذه المواهب وتفجير امكانياتهم. هذا النوع من المشاريع موجود في الخاطر وهو خط عودتي الى السودان إذا كتب الله في العمر بقية.

 

تعددت الندوات والمحاضرات واللقاءات بكل أنحاء الوطن العربي ولا زالت تناقش وتحاور وتتصدى لمصير الصحافة فيه، لا سيما بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠١١، في فترة اندلعت بعدها ثورات تأججت لكنها خمدت، وفي نظري تُعنى هذه التظاهرات والاجتماعات حول مالات الإعلام في عالمنا العربي بعدد من القضايا والأسئلة التي تتعرض لها بعض المواقع والأقلام لتمتد على المشهد الصحفي العربي المستقل عموما. نجدها كلها تحمل عنوان الإعلام المستقل في العالم العربي، وتحديات الاستمرار والتأثير. والفكرة من طرح هذا السؤال أو التساؤل معكم أستاذ نزار يرنو إلى إثارة بعض النقاشات السياسية أو الوجودية التي تستفسر عما إذا كان هناك إعلام حرّ بمعناه الواسع في صحن مؤسساتنا الإعلاميّة؟

نحن في زمن تتقدم فيه هذه المهنة بصورة سريعة بسبب التطور الإعلامي فكل المعلومات عن اغلب المواضيع الاخبارية تجدها على وكالات الانباء وعلى المواقع الالكترونية في ثواني وهذا يجعل الخبر متشابه من مكان لآخر ومن موقع لآخر الفارق الوحيد يصنعه الصحفي صاحب الخبرة والذي يقرا كثيرا.

الندوات والمحاضرات والاحتكاك بالأخر اصبح دندن التطور المهني لزيادة الوعي واعطاء خدمة إعلامية موازية للأعلام الحكومي الذي لا يتميز بكثير من التطور فظلت الدول العربية تتراجع على مستوى الاعلام ولكن الصحفي هو ابن المجتمع والتغيير في فترة الربيع العربي اضاف وعي لممارس المهنة ولكنه يعتبر مقيد بسبب الظروف الراهنة في كثير من الدول العربية التي تفرض قيود على الصحفيين وتفرض متاريس وعقبات على مهنة المتاعب اعرف الكثير من الزملاء يعانون وسط هذه الموجة من القيود ولكنهم يدبرون احوالهم بناءا على مساحة الحرية المتوفرة خاصة مع تطور الرسائل الاجتماعية يواصل الصحفيون في عالمنا العربي استغلال ما اسميه بالإعلام الموازي فذلك يجبر السلطات في بلادنا على توسيع مساحة الحرية ولكن ان نطلق على اعلامنا العربي حر فهذا صعب وهذا حكم والاحكام تتعامل مع البينات ففي اليوم الذي يغادر جميع الصحفيين المعتقلين بسبب آرائهم زنانزينهم هنا يمكن ان نتحدث عن اعلام حر في العالم العربي وهذه امور نسبية لا يمكن ان نعمم ونقول ان اعلامنا غير حر اطلاقا او مساحة الحرية كبيرة لإعلامنا ولكن بالإمكان ان نقول ان لدينا حرية نسبية نتعامل معها بحرص والانظمة السياسية متفهمة لذلك وكل خطوة نحو حرية الاعلام يجب ان تنال مننا الاعجاب والشكر لأنها اذا عدنا لعام ٢٠١٠ سنرى ان نسبة قمع الحريات كانت اكبر في الوطن العربي واليوم اذا تريد ان اكتب عن اي موضوع او نشر خبر يكون لديك خيارات عديدة اذا لم ينشر في المؤسسات المحلية الوطنية تكتبه على مواقع التواصل الاجتماعي وعموما الدماء الشابة وسط القادة السياسيين العرب تشير الى وعي كبير في السنوات الاخيرة وهذا يساعد كثيرا على تطور الاعلام واعطاء الصحفي الحرية لكتابة او نشر او بث خبر للمتلقي.

إنّ الفكرة التي انبجست وقادت لهذا الحوار أساسها المشاركة الفعالة في النقاشات السياسية أو الوجودية الوازنة التي تجتمع فيها العديد من المؤسسات الإعلامية على شاكلة مواقع وبلاتفورمات جاءت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ المرير، ونجدها قد ربطت نفسها بصورة أو أخرى بهذا اليوم، وتثير هذه القضية العديد من القضايا المتعلقة بالنظر في ماهية أو معنى القيام بإنتاج مضمون ومحتوى إعلامي ومعرفي في مجتمعاتنا العربية المتباينة، ومن ثمّة ربط هذه الأسئلة النظرية بأخرى حرفية، عملية ومؤسساتية تتعلق مباشرة بالثورة الرقمية وثورة التواصل الاجتماعي الحالية.

ماذا يعني أن ننتج فحوى ومضمون صحفي إعلامي في خضم هذه الثورات والتطور العصري المضطرد؟ وكيف يتسنى لنا أن نشارك ونقدم اسهامات وازنة وهامة تقود إلى بناء مؤسسات إعلام مستقلة في المنطقة؟ وبالتالي كيف يمكن لنا أن نعمل على ديمومة هذه المؤسسات وأن نكون مؤثرين في أوساطنا الاجتماعية؟ من منطلق تحديات الاستمرار والتأثير.

العمل الصحفي والاعلامي له دور مهم في ايصال الآراء المختلفة كل كاتب او اعلامي يدلي بدلوه بطريقته في مؤسسته والمتلقي اصبح يميز بين الآراء الصائبة والملغومة لذلك لا يوجد مجال ان يقوم البعض بجر المتابع كالقطيع، الناس في عصرنا هذا بداية بظهور الديجتال المرئي يملكون جهاز صغير في اليد يغير من محطة تلفزيونية الى اخرى او من اذاعة الى اخرى ، الرداءة ليس لها متابع والمكان يتسع لكل من يقدم عمل جيد ونظيف ، فهم الشعوب العربية تغير والاهم هو محاربة التطرف والارهاب على كل المستويات وهذه الحرب لا تنتهي الا بنشر الوعي وجعل الشباب يفهم ان اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية وان التطرف في الآراء يفسد المجتمعات نحن شعوب تخاف من الوسطية والبقاء في راي واحد هو دندنا لذلك يأتي التطرف ، وازمات المجتمع تعددت في السنوات العشرين او الثلاثين الاخيرة فبعد استقلال الدول العربية والقضايا القومية جاءت تيارات مختلفة لتحل محلها والبعض ادمن الافكار حتى اصبح لا يقبل الاخر للأسف هذا مرعب عندما يأتي الى خيالك ان جيل التكنولوجيا بإمكانه استعمالها في غير محلها لذلك يساهم الاعلام في التأثير على المعرفة والتنوع بكل اشكاله.

اما التأثير على المشاهد او المتابع يتم بإعطائه مادة منقحة بصورة جيدة لا تدخلها شوائب ، الزمن تغير ونحن مقبلون على جيل ناشئ ليس لديه صبر يتعامل مع العصر الحديث بسرعة يريد المواد المختصرة برامج الحوارات التلفزيونية لساعات طويلة اصبح ليس لديه مكان اشاهد ذلك في ابنائي وابناء الاسرة اعطي اي طفل او شاب برنامج لمدة دقيقتين او ثلاثة على الاكثر تجده يتابع بتركيز عالي اذا اطلت المدة او المقال ستجده يهرب ويركز على شيء اخر ، قبل ظهور التكنولوجيا الحديثة كانت الشعوب مجبرة على ما امامها من مواد اعلامية اليوم هناك بدائل والدليل تراجع متابعة القنوات الوطنية لقد اضحكني في مرة احد كبار الاسرة عندما كنا في احدى الدول العربية قال لي بالله عليك غير الى القناة الوطنية حتى نسمع اذان المغرب ، بعد انتهاء الاذان والدعاء قال لي ارجعنا الى الاخبار والقنوات الاخرى هذه الرسالة اعتقد اصبحت موجودة في كل منزل ولدى الكثير من الناس يجب طرح التساؤل لماذا تتراجع القنوات الوطنية ولما مازالت موجودة هل فعلا لبث مواقيت الصلاة ام هناك محاولات استمرارية قد يبتدعها الجيل المقبل من الصحفيين والاعلاميين الشباب.

إن قناة فرانس ٢٤ مثلًا هي قناة متميزة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، وتعتبر حسب المقاييس الدولية قناة حرفية ومتميزة تُعنى بالأخبار العالمية ويتضح للكثيرين الفرق الشاسع بينها وبين مواقع أو قنوات أخرى داخل المنظومة الإعلامية العربية. كيف يمكن مقاربة، مقارنة أو نقد المحتوى أو المنتج الصحفي والمعرفي المعني بالنقد في السياق السياسي مثلًا بين تلك القناة والقنوات العربية العديدة. هل يمكنك الحديث عن هذه الجدلية؟

هناك جدل واسع في هذا النوع من المقارنات اطلاق قناة فرانس ٢٤ واكب ثورات الربيع العربي ، وكانت الاخبار عن الثورات نادرة في تلك الفترة نادر وخاصة الاخبار التي تبث بشفافية وبحرية غير موجودة الا في بعض القنوات الاخبارية المعروفة هذا اعطى القناة قيمة اضافية ورمزية وذلك لتعاطف المشاهد مع نوعية البرامج التي تبث وجودة الخبر اضف الى ان القناة فرنسية بامتياز وتتعامل بمدرسة الصحافة الفرنسية القديمة العريقة التي لا تعترف بالخطوط الحمراء وما جعل تميزها يزداد يوما بعد يوم هو طاقمها الشاب عند انطلاقها نهاية عام ٢٠٠٦ فكثيرون كانوا يروا انفسهم في هذا الجيل الشاب الذي عبر المحيطات والبحار ليصل الى اوروبا وينجح في الدراسة ويصل الى اعلى قمة في الاعلام وكبار السن كانوا ينظرون الى نجاح هذا الشباب ويتمنونه لأبنائهم والنقطة الهامة جدا البرامج القصيرة التي تميزت بها القناة وهي ظهرت في فترة كانت بعض القنوات تبث برامج حوارية ثلاث ساعات ويأكل ويشرب المذيع داخل الاستديو لأنه يبقى لساعات طوال وكانت هذه البرامج اقرب الى الفكاهة والكثيرون كانوا يتندرون ويقولون ان ابواق الانظمة السياسية التي ترهلت في بداية القرن تؤام في الشيخوخة فالواقع كان متشابها سياسيا واعلاميا ، لا يمكن ان نطلق على فرانس ٢٤ انها صاحبة القدح المعلى في ثورة الاعلام الحر فقد سبقتها قنوات اخرى وولدت عقبها قنوات وقنوات ولكن يجب ان اؤكد ان هذه المؤسسة كانت صاحبة ريادة في تحرير الاعلام العربي وشكل متميز في النوعية ومختلف في الشكل اتذكر ان احد الصحفيين سال مديرة القناة ونحن في رحلة عمل على ماذا يعتمد اختيار المذيع او المذيعة فردت ان يكون مهني ومختلف عن القنوات التي تداهم المتلقي في الوطن العربي كلمتان تشرحان كل شئ الاختلاف عن ما هو معتاد لذلك تجد كثير من الزملاء انتقلوا في الفترات الاخيرة بعد اكتسابهم الخبرة في قناة فرانس ٢٤ لقنوات معروفة وشهيرة وهذا دليل نجاح لا يمكن ان نخفيه وينهي الجدل على نجاح هذا وفشل هذا فطالما انك تتسابق على استقدام موظفي القناة الفرنسية هذا يعني انك تعرف نقاط ضعفك وسلبياتك واخطائك وتتسابق على تقديم الأفضل.

نجد في بدايات الألفية الثالثة بدايات خجلة للإعلام الجاد والحرّ على شبكات التواصل الاجتماعي مقارنة بالمنصات المتاحة والإنتاج الثر في البلدان الأوروبية، على العموم تتيح هذه المواقع حيزا لا بأس به يعتبر كمنصة تستقبل قصصا وشهادات وتجارب أشخاص ليسوا بصحفيين محترفين، لكن مع اندلاع الثورات العربية – إن صح التعبير – بدأ هذا النوع من الإعلام الحرّ في الانتشار السريع ونرى مواقع الصحف الرقمية تستقبل كمًا هائلاً من المقالات الجادة ومن النصوص البديعة التي تتصدى لمواضيع سياسية لم تخطر ببال أحد من قبل أو لم يتجرأ أحد أن يكتب عنها ناهيك عن التفكير فيها.

ما هي نظرتكم لهذا النوع من الإعلام، وهل حدث هذا فعلًا، أنها تتناول تيمات جريئة وحساسة عن الأنظمة القمعية مثلًا، وعن جدلية الحرية والديموقراطية والإصلاح الاجتماعي والسياسي بعد الثورات العربية في تونس ومصر والسودان الخ. وهل تشكل إضافة حقيقية في سياق المنظومة الإعلامية العربية؟

 الوسائط الاجتماعية تعتبر اعلام موازي للإعلام الفاشل ولكنه بدون مصادر موثوقة عندما بدأت حرب العراق وتقاعس الاعلام العالمي وليس العربي فقط عن القيام بدوره واكتفى بنشر الاخبار من جهة واحدة ظهر تويتر في الولايات المتحدة كبديل الاعلام المحلي الملغوم ، ولكل واحد من الوسائط الاجتماعية قصة مختلفة تبدا بطموح شاب وتنتهي باحتلال مساحة شاسعة هذا يعتبر ايجابي جدا فالخبر ينقل في ثواني عبر هذه الوسائط ولكن المشكلة الحقيقية بل دعني اقول لك انها ازمة هي تناقل الاشاعات والاخبار الغير صحيحة على هذه الوسائط لذلك الناس تتوخى الحذر في تلقيها للمعلومات عبر المواقع الالكترونية وبمجرد قراءة الاخبار على الفيس بوك او رسائل الواتس اب ومن طريقة صياغتها تعرف انه خبر مفبرك او خبر صحيح وتستطيع ان تفرز بين الصالح والطالح بجودة النوعية ، المؤسسات الاعلامية التي تنشر الاخبار وتتناقلها لديها طاقم كامل يعمل من مصححين ومحررين اصحاب خبرة لا يمكن ان يكتبوا الاخبار بهذه الطريقة حتى في بعض الاحيان تكون هناك هفوات من مؤسسات كبرى ولكنها تستدرك في وقت قصير وتصلح الاخطاء في نسختها المنشورة.

مواقع التواصل الاجتماعي ليس لديها ذات الامكانيات فكل واحد يكتب على مسؤوليته وبطريقته وفي بعض الاحيان تجد الخبر صحيح والصياغة ركيكة لبساطة الكاتب وعدم تسلحه بتعليم اكاديمي صحفي يعني يفتقد الى الحنكة الصحفية ولا يعرف كيف يبدا الخبر وكيف ينهيه واذا قلت لاحدهم ان ما كتبته ناقص ويفتقد الى ماذا ومتى واين ومن وكيف او ايا منهم فستجده متحير وغير فاهم اصلا ما تقوله لذلك الرسائل الاجتماعية تظهر كموضة في فترة زمنية معينة وتنتشر في مكان معين وبعد سنوات تتراجع ويبحث المتابعون عن اشياء اخرى بمجرد الملل منها وهكذا هي دوامة الموضة ودورانها لديها وقت محدد مهما طال فهو الى نهاية لا محال وسيبقى الخبر ينتشر بوسائل اخرى وسيبث بالوسائل التقليدية المكتوبة والمسموعة والمرئية لا هروب من ذلك ولكن قد تختلف الطريقة والشكل وسيبقى المضمون.

 

ما هي فلسفتك في سياق العمل الإعلامي الاحترافي؟ بكل صراحة هل يعلب حراكك الإعلامي دورًا أيّا كان في خطاب أو منظومة ما، وهل تعرضت يومًا ما إلى مسائلات على شاكلة: كيف تنشر أو تقدم هذه المادة أو غيرها أو هذا التحليل أو غيره دون أن يتعرض إليك أحد؟

وهل تستمر رغم ذلك في انتاج المحتوى الذي ترى أنه ملتزم بالقيم التحررية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي ومن جهة أخرى الثقافي والفكري، وهل تجد نفسك في هذا السياق وبهذا الشكل كالتزام؟

الالتزام المهني والالتزام بأخلاق المهنة هو اهم شيء ويساهم في بقائك لمدة طويلة في مخيلة المتابع والخروج عن النص يبعدك تماما عن الناس لم اسمع عن احد الصحفيين ورسوخ اسمه عند المتابعين والا كان جيد او قل ممتاز الناس ليس لديها اوقات فراغ كسابق الزمان فأما تعطيها الخلاصة او ستتابع شخص اخر ، دائما كنت احاول ان اتبع خط وسطي في تقديم عملي وان التزم بأخلاق المهنة وان اساهم في نشر الوعي بإعطاء مادة خالصة واستضافة اشخاص مميزين سواء كان هذا في الاذاعة او التلفزة لذلك لم اخضع الى مساءلة من اي شخص في تاريخ عملي في مهنة الصحافة بل على النقيض كنت احارب على جميع الجبهات لكي اقوم بإيصال الاخبار بالصورة الصحيحة ، عموما المدرسة الصحفية الفرنسية ليس لديها قيود كبيرة ويختفي التناقض في محتواها ويحب مراعاة ان فرانس ٢٤ هي صوت الاعلام الخارجي لفرنسا وهذا يعني ان هناك تركيز جهوي وبالفعل كان التركيز في الاخبار على المغرب العربي اكثر من المشرق او الخليج لذلك تجد ان على البرامج والاخبار تركيز على هذه المنطقة وان هناك نشرة مغاربية وليس هناك نشرة مشارقية او خليجية هذا خط اخباري واضح ودون اهمال للمناطق الاخرى في وطننا العربي الكبير.

ثمة إحساس أن هناك الأنظمة من جهة، وهناك أيضاً طبقةٌ وسطى مدنية إلى حدٍّ ما، يذهب أبناؤها إلى الجامعات الغربية أو العربية، وهي مهتمة باستهلاك الإنتاج الثقافي المعولم والعالمي، ومنه الموسيقى والسوشيال ميديا والأفلام وأشياء أخرى كثيرة مشابهة. لكن هناك أيضاً كتلة غائبة كلياً عن هذا، وغير معنية بالأنماط الإعلامية السائدة.

الطبقات اختلفت في عالمنا العربي والتغيير كبير واختفت الطبقة الوسطى واصبحت المجتمعات تنقسم الى ثلاث طبقات فقراء واغنياء جدد وبرجوازية والجميع يتسابق نحو لقمة العيش لذلك اصبح هذا التغيير يواكبه تغيير في طريقة التفكير والتعليم والانتاج الثقافي هناك تراجع كبير في مستوى خريج الجامعة وسلاح المعرفة اصبح ليس العامل الاساسي في سوق العمل لذلك تركز الاسر على مواكبة العصر وارسال ابنائها للتعلم في جامعات اجنبية وان يأتي يتحدث لغة انجليزي بطلاقة ويتجرع تعليم بسيط اضف الى غياب الثقافة تماما فتجد الطالب قد تخرج من الجامعة دون ان يقرا كتاب واحد غير كتب المنهج المقرر هذا يوازي ذلك على مستوى من يمارس مهنة الصحافة والاعلام تجد تراجع ثقافي على مستوى ممارسي المهنة فعندما نتحدث عن تاريخ الصحفيين الذين سبقونا تجد هناك فارق كبير من مارسوا هذا المهنة في السابق وجيلنا هذا الاساتذة الكرام الذين سبقونا كان كل واحد بإمكانه ان يجمع مقالاته لتصبح كتاب قيم غير الانتاج الغزير لجيل الكتاب والذين مارسوا هذه المهنة اليوم تجد كتاب يصدر من صحفي كل فترة واخرى ولا اخفيك سرا في وسطنا نفرح لاي انجاز من هذا النوع الاختلاف ايضا بين هذا الجيل والجيل السابق واضح في احتلال المناصب السياسية القيادية هناك الكثير من الصحفيين الذين اعتلوا قمة الوزارات المختلفة اليوم عند تعيين احد الصحفيين في منصب سياسي او قيادي تجدنا نقيم الاحتفالات لتحقيق هذا الانجاز الخلاصة ان الحياة تغيرت والمهنة اصبحت على المحك ولكن الاعمدة الاساسية للصحفي ولهذا الجيل في الاطلاع والتلقي المتواصل حتى نحافظ على ما تبقى والا سنعيش مستقبل اسوء بكثير مما هو حالنا الان . 

إلى أي مدى تشعر أن قناة فرانس ٢٤، عبر إنتاجها وأنواع الأخبار التي تتناولها ومتابعيها، قد خرجت من هذا الإطار، إطار النخب العربية سهلة الانخراط في الثقافات العالمية والكونية؟

بما ان القناة تبث من باريس فهذا يعني ان كل الموظفين من الفرانكونيين وهذا العالم له خصوصيات لأنه مرتبط ببعضه البعض، الفرانكفونيون لديهم عالم مختلف عن بقية اللغات بحكم الارتباط بفرنسا فنجد ان المتابع الاول هو من يتقن الفرنسية وفي عالمنا العربي يعتبر متحدث اللغة الفرنسية من النخب ذلك لان التعليم بهذه اللغة مرتبط بدراسة الثقافة الفرنسية يعني مجبر اخاك لا بطل تدرس وتقرا الكثير من الكتب ومشاهدة القناة من قبل هذه الفئة يعتبر مراقبة لما وصلت له تقنية اعطاء الخبر في فرنسا بعيدا عن السياسة الاعلامية الامريكية او الانجليزية التي تعتمد على اعطاء الخبر فقط دون التحليل وقراءة ما بين السطور وثانيا ان نوعية الخبر وتحليله يتناسب مع ثقافة النخب لذلك نجد ان الفئة الثانية التي تتابع القناة هم المثقفون والفئة الاخيرة هي التي تسعى الى الابتعاد عن حضور هذه القناة او تلك والتي تنتمي الى احد المحاور في منطقتنا العربية او تهرب من الاعلام الوطني المحلي التقليدي الركيك.

قصة انتاج الاخبار والبرامج ايضا تعتبر نسبية فليس هناك جودة مطلقة فلا يمكن ان تصل الى درجة الاتقان الكامل وفي اي عمل هناك نقاط يمكن انتقادها وهذا لا يمنع المتعة وبالتأكيد نقطة القوة الحقيقية هي تعدد الاقسام الناطقة بلغات مختلفة فالتقارير والبرامج كانت تبث بثلاث لغات الفرنسية والانجليزية والعربية واخيرا افتتحت القناة قسم اللغة الاسبانية وهذا يعني تعدد انواع التقارير حيث تختلف منطقة تغطية كل لغة عن الاخرى والمراسلون يتميزون بان لديهم خبرة كبيرة والتقارير التي تصل الى قناة في قمة الروعة على مستوى الصورة والمضمون يجب ان اذكر ان عدد الجنسيات وصلت الى خمس واربعين جنسية وهذا يضيف المزيد من التنوع في المادة المنتجة باللغات الأربعة.

كلمة أخيرة:

شكرًا لصحيفة المدائن بوست والدكتور محمد بدوي لإعطائها لي الفرصة من خلال هذا الحوار الوازن بأن أتحدث عن عملي كصحفي وإعلامي. متمنيا للصحيفة التوفيق والسداد وإلى لقاء آخر بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق