آراء

ساعة لعقلك

نداء الأمومة

د. علي عفيفي

من الطبيعي أن يستجيب الآباء إلى أصوات أطفالهم حديثي الولادة بصورة سريعة، نظراً لأن تلك الأصوات قد تعبر عن احتياج الطفل إلى رعاية عاجلة1،2. ولكن، أصوات الأطفال وطرق تعبيرهم عن نفس الاحتياج تتنوع وتختلف من طفل إلى آخر، ومن وقت إلى آخر عند نفس الطفل2،3. ولذلك يحتاج الآباء إلى تمييز أصوات أطفالهم التي تعبر عن احتياج حقيقي إلى الغذاء أو عند الشعور بعدم الراحة من بين العديد من الأصوات الأخرى. يعتقد العلماء أن القدرة على تمييز الأصوات، في المجمل، تكتسب بالتعلم4.  ولكن، مهارات العناية بالأطفال قد تكون فطرية، قبل حدوث الحمل والولادة، وذلك لضمان الحفاظ على النسل. فهل يشمل ذلك القدرة على تمييز أصوات الأطفال عند وجود احتياج حقيقي؟ بمعني آخر، هل تستطيع الأم، بصورة فطرية، أن تحدد ما إذا كان رضيعها يحتاج إلى عناية أم لا بمجرد سماع صوته؟ أم أن هذا الأمر يكتسب بالخبرة؟

من المعروف أن صغار الفئران تطلق نداءات استغاثة عندما تضل الطريق، وتستجيب الأم لتلك النداءات فتقوم بالبحث عن صغارها واعادتهم مرة أخرى إلى الجحر5. هذه النداءات تتميز عن النداءات الأخرى لصغار الفئران، وعن نداءات الفئران البالغين في الترددات الصوتية المكونة لها، حيث تتكون نداءات الاستغاثة من مقاطع صوتية تقع في مدى الموجات فوق الصوتية (50-80 كيلو هرتز) 6. الغريب هو أن عذارى الفئران لا يستجبن لتلك النداءات بصورة فطرية، بل يبدأن في الاستجابة وإعادة الصغار إلى الجحر عندما يشتركن مع فئران أمهات في نفس المسكن، مما قد يعني أن مهارة تمييز نداءات الاستغاثة يمكن اكتسابها بالخبرة5. هذا الأمر دفع فريق من العلماء بجامعة نيويورك إلى دراسة سلوك الأمومة في فئران التجارب، لمعرفة إذا ما كانت تلك المهارة فطرية أم مكتسبة7. قام العلماء باختبار عدد من الترددات الصوتية، فوجدوا أن كل من الأمهات والعذارى المشتركة مع الأمهات في نفس المسكن استطعن تمييز الترددات الصوتية لنداءات الاستغاثة، ولم يستجبن على الإطلاق للترددات الصوتية المختلفة. قام العلماء بعد ذلك بقياس نشاط الأعصاب في المنطقة المسئولة عن تمييز نداءات الاستغاثة في المخ، فوجدوا أن حوالي 16% من تلك الأعصاب تنشط بصورة كبيرة في عذارى الفئران عند سماع نداءات الاستغاثة، سواء كانت تلك العذارى يشتركن مع الأمهات في نفس المسكن أم لا، وهو ما يشير إلى أن تمييز نداءات الاستغاثة له جانب فطري. المثير هو أن تلك الأعصاب كانت تستجيب لمدى ضيق جداً من الترددات الصوتية في العذارى اللاتي يعشن بمفردهن، ثم اتسع ذلك المدى تدريجيا عندما انتقلن للمعيشة مع الأمهات في نفس المسكن. هذه الاستجابة لمدى أوسع من الترددات الصوتية تساعد الإناث في التعرف على نداءات الاستغاثة في الظروف البيئية المختلفة، مما يؤكد أن هذا السلوك له أيضاً جانب مكتسب.

ماذا يعني كل ذلك إذن؟ يعني أن كل من الفطرة والخبرة المكتسبة يشكلان سلوك الأمومة في الاستجابة لنداءات الصغار. فالأم تستجيب لنداء الصغار بصورة فطرية، ولكن بمرور الوقت تكتسب الأم خبرة إضافية تساعدها على تمييز تلك النداءات بصورة أفضل. هذا النظام يضمن حصول الأطفال على الحد الأدنى من الرعاية، وفي نفس الوقت يسمح بقدر من المرونة التي تساعد الأم في التأقلم مع الظروف المختلفة.

مصادر

• Swain, JE, Kim P, Ho SS. Neuroendocrinology of parental response to baby-cry. Journal of Neuroendocrinology 23, 1036–1041 (2011).

• Lingle S, Wyman MT, Kotrba R, et al. What makes a cry a cry? A review of infant distress vocalizations. Current Zoology 58, 698–726 (2012).

• Dulac C, O’Connell LA, Wu Z. Neural control of maternal and paternal behaviors. Science 345, 765–770 (2014).

• Petkov CI, Jarvis ED. Birds, primates, and spoken language origins: behavioral phenotypes and neurobiological substrates. Frontiers in Evolutionary Neuroscience 4, 12 (2012).

• Koch M, Ehret G. Estradiol and parental experience, but not prolactin are necessary for ultrasound recognition and pup-retrieving in the mouse. Physiology and Behavior 45, 771–776 (1989).

• Liu, R. C., Miller, K. D., Merzenich, M. M. & Schreiner, C. E. Acoustic variability and distinguishability among mouse ultrasound vocalizations. Journal of the Acoustical Society of America 114, 3412–3422 (2003).

• Schiavo JK, Valtcheva S, Bair-Marshall CJ, et al. Innate and plastic mechanisms for maternal behaviour in auditory cortex. Nature 587, 426–431 (2020).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق