ثقافة وفن

قصة قصيرة

الذاكرة

د. سامي حسين عبد الستار الشيخلي (سويسرا)

توقفت تصوراتي عن كل شيئ يحيط بي في لحظة ما, تسمى عدم الوعي, ولم أشعر بانقضاء الزمن فانا خارجه ولا أدري أين هو وتوقف إحساسي به, وما أن شعرت بتحسن حالتي برجوع الوعي لي وتحسن وضعي النفسي وتمكني من الاحساس بحركة أعضاء جسمي وتمييزي رؤية بعض الاشياء المحيطة بي واعادة استيعابها حتى خيِّل اليَّ كأني ولدت من جديد وفي عالم أعيه بصورة اخرى, كما لو أنه سبق أن مر على ذاكرتي وولى مختفيا في دهاليز الذاكرة التي اجهل مكانها في دماغي مع أني احمله منذ ولادتي وحتى الموت, وهو أحد أهم اجزاء جسمي الذي خلقه الله تعالى من العدم طبعا بواسطة ابي وامي الذين ربياني  صغيرا حتى بلوغي سن الرشد فأخذت اطرح الاسئلة على نفسي أولاً ثم عليهم فيما بعد, ولما قصصت ذلك على امي  لم تكترث لحديثي ولم تصدقني واخذت تقص لي حكايات اشبه بالخرافات عن اناس فيهم الصرع والخبال ورؤية أحلام النوم من شدة التعب وضغط كثرة المشاكل اليومية ومراودة هلوسة بأشكال عديدة وربما بتفسيرات مضحكة , ويمكن تفسيرها حسب العرف والمفاهيم الشخصية وعلوم اخرى يستنبطها البشر من ظواهر الحياة او من اعتقادات شعبية أو منه استهزاءاك، أدركت ذلك من حديثها معي وجود بعض الامور لم استطع افهامها اليها بواسطة بساطة لغتي وأنا صبي لم أبلغ سن الرشد بعد وأن ما أقوله لا يُعتد به من الناس الذين هم أكبر مني بسنين كثيرة, وأن ما يدور بي  خيال أو مما أتصوره  هو وهم يدور في رأسي فقط, أو وجود مشكلة عويصة تدور بي وأدور بها داخل ذلك الصندوق الموضوع على قمة جسدي وهو الموجه له وبدونه لا توجد حياة فهو المركز الاداري للإنسان نحو داخله كجسد وإحساس بما يشعر به وما لا يشعر به من تفاعلات داخلية شعورية وعضوية. وغير عضوية وهذا الصندوق محاط بأنظمة تعمل باستمرار في الجسد تنقل له معلومات عن العالم الخارجي وتُشعره بما يدور على سطح أحاسيسه لكي يعلم بعض الشيء عن كينونته داخليا وخارجيا.

والانسان الذي لا يستطيع انتاج شيء جيد في مجاله يقال عنه لا يوجد عنده دماغ جيد، واثبت العلم بان الدماغ حساس جدا ومحفوظ في صندوق مشبك الاحكام ضد الصدمات الخارجية بدرجة ما ويتأثر أحيانا بتقلبات الجو وهو ذو ضغط معين وفي حالة الموت يتسارع التلف اليه قبل كل اعضاء الجسم. ولكني لا أدرى متى يبدا تكوينه في الجنين، وما هي التفاعلات الحاصلة داخل هذه الخلية المخصبة من ابي وامي في لحظة نشوة السرور الجسدي والشعوري في احدى الليالي في عام كذا ….. في لحظة كذا ….. وفي مكان كذا …. عن كل ذلك سالت أُمي أولا ثم أبي فيما بعد فلم تستطع أمي الاجابة عنها أو ربما تخجل عن شرح لي, كما يبدوا لي بصورة دقيقة. تمتمت بشفتي سبحان الله الخالق المبدع لهذا التكوين بكل ابعاده والمستمر منذ عصور قديمة ومازال وسيبقى الى ما شاء الله.  كل انسان يحمل صندوقه في دماغه وفي مساحات خلايا جسمه انواعا من الاحداث والاقوال والافعال الصادرة منه والواردة اليه عبر الآخرين شاء أم أبى. وكذلك هو عالم الحيوانات التي لها أدمغة مختلفة الأنواع والأحجام والأفعال مما يجعلنا فهم بعضها، ولعلنا لا نفهم لغة النباتات الا من خلال ذبولها او ازدهارها بنظارتها امامنا ولها عمال كثيرة لم نستطع فهمها بدقة الا ما هو معروف لنا كما يذكر لنا الباحثون في هذا الاختصاص. لاحظتُ عندما يلتقي اثنين من البشر فلا بد ان تتهيأ الذاكرة للعمل بمستوى الحدث والظرف وتسترجع ردود فعل معين لإداء عملها اثناء ذلك اللقاء حتى وان لم يتحرك اللسان وهو الحصان المتحرك المشحون بكل الاسرار الشخصية وهو اهم مفتاح لصندوق الانسان05.6.6

وقفتُ يوما أما شخص استشهد في كفاح ضد حاكمه الجلاد الذي تربع على عرش بلده مدة سنين طوال واستعبد من لا يُطيعه ولو بربع كلمة نقد له في الظاهر والخفاء بعد رصده من قبل زبانيته وجميع احبابه الذين يُسمح لهم تبوء المناصب المهمة ونهب ثروة البلاد وقوت العباد بلا حساب وبشكل مبطن من خلال القوانين وعمل القوادين بوجوه عديدة. وكل هؤلاء لهم جماجم أو لكل واحد منهم رأس  يتربع على جسده ويؤدي أعمالا مختلفة عند حاكم بلده الذي يُطيعه  بإخلاص لكي يكسب طاعته مكتوبا على الورق بل يحفره في ذاكرة مَن يعمل مع نظامه: أنت ترى وتسمع وتنفذ ما يأتيك من أوامر للتنفيذ بلا نقاش وجدل عقيم فأنا سيدك الحكيم وأنت ملتزم بالصمت والتنفيذ والدفاع عن منجزاتي البطولية حتى وان لم تعجبك, قلت في نفسي أليس لي رأي في الحياة فأنا تابع وسوف اقضي حياتي في الوظيفة ثم استلم تقاعدي وأستريح بعض السنين ثم ارحل الى الدار الآخرة في يوم ما .وأغلب الناس في الحي كانت قد  شاهد أغلب أولاد الحي جمجمة شهيد انفصلت عن جثته ولا احد من ذويه يعرف عنه أي خبر وبعد سماع اخبار اليوم تحدث الاعلان عنه بان سلطات الامن قد قاومت محاولة اجرامية من عميل وجاسوس وخائن. انتهى الخبر. ولم تعد تنضح انتشار دماؤه على مساحات الارض المحيطة به خفية، ولم يهتم أحد به، في وقت تتراكض الارجل تحمل اجساد الرجال الصارخين بأعلى صوتهم ضد هذا الدجال وزبانيته بالرحيل. ولكن الى اين يرحل؟ وماذا سيترك؟ فالحياة أمامه وكنوزه مخزونة في بنوك العالم وزبانيته يخشونه من فصلهم من العمل فيما إذا لم يقوموا بأداء واجبهم المناط بهم في ضرب وتعذيب واعتقال وقتل هؤلاء الثائرين على قانون حكمه لآنه يسيطر على ذاكرتهم: انا الحاكم فلان ابن فلان رب نعمتكم وسلطان البلاد والعباد. صرخ الثوار بوجه بوليس الامن السري نريد حرية البلاد والعباد من هذا الفرعون وحاشيته. فهاجمهم البوليس والامن السري من كل جانب بلا رحمة بكل انواع الضرب ورش المياه القوية عليهم وجاءت طائرات ترشهم بأنواع القنابل حتى غدت الشوارع ساحات قتال عسكرية بين اهل البلد وجهاز حمايتهم – كما قال رئيس البلاد دوما للعباد- لقد كشف دماغ الحاكم بشاعة ما في داخله وارتسمت أسارير وجهه علامات الغضب والتهديد في ساعة جلاء الحقائق الخافية عن أهل البلد. لقد خيل له ان أدمغة الاخرين نائمة وقوته عليهم جاثمة حتى ما يشاء هو. وهم خدم ورعاع في مزرعة بلده التي وهبها الله تعالى اليه بالاختيار وعليهم واجب إطاعته بالإجبار. وفجأ أيقضها الله  في يوم نحس أشرق على الحاكم, فثار الشعب ضد سلطانه ولكن في البيت خونة بلا ضمير قالوا لبعضهم تعالوا نتحايل على ثورة الصبيان بأنواع المخاتلات اللفظية في الدهاليز الخفية ونكيد لهم فيما لا يعلمون لعدم وجود خبرة لهم في كيد السياسيين فيما بينهم  وللعوام وآنّ لهؤلاء الثوار أن يأخذوا درسا في العقاب وأجهزة الحاكم يجب ان تمارس واجبها تجاه أهل البلد, لخروجهم عن طاعة جلادهم وسارق قوتهم وينهب خيرات البلاد بلا حساب, فكل الحكام يتكلمون باسم الشعب والامه وكذلك كل الاحزاب التي اسسها الغرباء عن الوطن في بلدان العالم المستغلة منهم بالخفاء والعلن. أو الاحزاب التي تأسست بتأثيرات متعددة وتمارس نشاطا باسم الامة والشعب ومصلحة البلاد والعباد يستغل كل شيء بأوجه متعددة. الله تعالى أعلم بها من الجميع. هذا ما رأيته خلال حياتي في موطن ولادتي وفي اماكن اخرى، وما ان يتسلم أحدا أو جماعة المنصب حتى يتضح برنامجهم. وبعد فترة من تسلم الحكم يبدأ الصراع بينهم بلا قرار ولابد لقسم منهم ان يلوذ بالفرار لاجئا في دول الجوار او اعداء الامس. فرار سياسي او قل غيره بألوان شتى.

تحدثت يوما مع ذاكرتي التي تخونني في استحضار المعلومة وانا اعرفها فاذا بها لا تخرج من ذاكرتني بالتذكر، نعم كرهت ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق