سياسة

سد النهضة والحقيقة الغائبة

البخاري حبيب الله

هذه الصور على جمال الوانها الزاهية  تحمل في طياتها الموت والدمار والدم  لنصف سكان السودان  وزوال جزء غير يسير من تراثنا وحضارتنا التي بناءها الاباء والاجداد على مر القرون ، الصورة هي دراسة “حول احتمال انهيار سد النهضة الاثيوبي” اعدها البرفسور السوداني اسعد يحي الشافعي وفريقه المساعد في جامعة اوكلاند بنيوزلندا، وهي دراسة علمية معتمدة ومنشورة ،،، تناولت  فرضية انهيار سد النهضة وما يمكن ان يلحقه من اضرار بالسودان، وقد ظل الموقف السوداني الرسمي منذ ٢٠١١ يعرض جانب واحد للحقيقة هي فوائد سد النهضة  وتعداد محاسنه مع اغفال المخاطر والاثار السلبية التي كانت واضحة لجميع الخبراء والمختصين في مجال المياه والسدود

لا توجد دراسات حول سد النهضة غير دراستين احدهما هي المشار اليهما والثانية اعدها بروفسور قريش، وبرغم ضخامة وتأثيرات السد، خصوص على الجانب السوداني ، وقد او ضحت الدراستين بجلاء خطورة سد النهضة على السودان و ان انهياره وارد بدرجة كبيرة لإقامته في منطقة غير مناسبة حسب دراسات امريكية منذ الستينات حذرت من انشاء سد في هذه المنطقة ،،، وما يعزز صدقية فرضية هذه الدراسات عدم قيام اثيوبيا بإجراء دراسات حول السد قبل اقامته ، خصوصًا وانه يعد من اكبر السدود في افريقيا وال١٥ على مستوى العالم بسعة تبلغ ٧٤ مليار متر مكعب اي ما يعادل فيضان النيل الازرق ١٠٠ مرة وتستطيع بحيرة السد يمكنها ان تحجز  كل مياه النهر لمدة سنتين كاملتين، كما ان سد النهضة يساوي عشرة اضعاف خزان الرصيرص بعد التعلية ، وحسب القوانين الدولية سد بهذه الضخامة والمخاطر كان لابد من اجراء دراسات حول امام السد وكذلك الاثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتحديد مخاطره واثاره على دول ادني حوض النهر ( السودان ومصر) وهو ما اكد عليه اعلان المبادي الموقع بين الدول الثلاث  عام ٢٠١٥

السيناريو المشار اليه في دراستي دكتور اسعد ودكتور قريش يدق ناقوس الخطر لهذا الصرح الممرد الذي يهدد كيان الدولة السودانية، وهو أكبر تهديد في تاريخ وجودها وكما أكد وزير الري فان السد يهدد حياة ٢٠ مليون من السكان يقطنون على ضفاف النيل الازرق هم نصف عدد سكان السودان،

والحديث عن للوصول لاتفاق حول ادارة ملء وتشغيل السد هي ذر الرماد في عيون الحقيقة، ويتوافق عليها اثيوبيا في سبيل القبول بواقع السد، اما الحديث عن وجود فوائد لا يعني فهو كمن عن يقطع يديك ويمنحك ملعقة ذهب لتأكل بها، وكما يقال فان دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة، وحتى إذا قلت فرص احتمالات انهيار السد فكونها موجودة فقط هذا يعني ان الخطر الماحق يحيط بالسودان وفي هذه الحالة لا تفرق النسب والاحصائيات لو كانت واحد او مائة في المائة لان حدوث الانهيار يعني زوال نصف السكان

تأثر السودان بالسد بالمقارنة مع مصر لا يقاس لان، تأثرها بالانهيار مقدور عليه لان وصول المياه لبحيرة السد العالي يحتاج حوالي ٤٥ يوم وهي كفيلة بتفريغ نصف السد العالي التي تبلغ ١٥٠ مليار متر مكعب، اما مشكلة مصر الاساسية هي تحكم اثيوبيا في مياه النيل وانخفاض حصتها من المياه، وهذه مقدور عليها أيضاً لأنها ستتم بالتفاوض والضغط المصري والدولي على اثيوبيا.

لكن شأن السودان يختلف فهو يمثل تهديد وجودي وليس تهديد نقصان او زيادة،  ففي حالة انهيار السد فلن يكن بإمكان احد في العالم منع وقوع الكارثة  المدمرة، وحسب الدراسات التقديرية لنسب تدفق المياه فانهيار السد سيزيد معدل جريان المياه ٢ مليون مليار متر مكعب في الثانية الواحدة ، وهذه قوة تدميرية كبيرة، ستزيد من سرعة اندفاع المياه التي ستصل خزان الروصيرص  ١٠٠ كيلومتر من سد النهضة ) بعد خمسة ايام فقط وسيكون قبل ذلك قضى على قري حول مجراه وبعد الروصيرص ستكون الكارثة اكبر  في حال انهار الخزان من قوة الدفع المائي حيث ستزيد الكمية ب ١٠ مليار متر مكعب هي سعة خزان الروصيرص مما يجعل المياه تندفع بقوة اكبر وقدرة تدميرية اعلى  لتصل الخرطوم في غضون اقل من اسبوعين  وستكون كل القرى والمدن قبل الخرطوم زالت من الوجود على ضفتي الازرق ( الزنازين وينتر والحاج عبدالله ومدني الخصائص والكاملين ورفاعة والبشارات السبعة الي ان يصل العاصمة ) وستزول هذه المناطق بالكامل بمستوى ارتفاع مياه يصل خمسة امتار، الفترة الزمنية لاندفاع المياه من الحدود وصولا الي الروصيرص والخرطوم هي ايام معدودة لا يستطيع خلالها الناس من مغادرة المدن والقري على ضفاف النيل الازرق.    

اذا كان بناء السد الهدف منه توليد الكهرباء(٦ الف واط) او التنمية فهذا حق  لأثيوبيا لكن عليها مراعاة ان سعة السد بهذه الضخامة وبدون اجراء دراسات يهدد حياة بلد بأكملها، وكان وبالإمكان التفكير في بدائل مناسبة تحقق لأثيوبيا حقها المشروع في التنمية  وتضمن سلامة وامان الشعوب المجاورة والتي تسكن على امتداد حوض النهر ، فمثلا حسب دراسات دكتور اسعد فان تخفيض سعة السد من ٥٩ مليار متر الى ٤٥ مليار متر مكعب تقلل نسبة إنتاج الكهرباء بنسبة ١٠٪  فهذا احد الخيارات وهو يقلل من المخاطر ويمكن تعويضه بالتعاون بين البلدان الثلاث بطرق اخري منها الطاقة البديلة والمتجددة ، فلا يمكن تكون رفاهية اثيوبيا على حساب وجود نصف سكان السودان، وهذا يقود لافتراض عدم حسن النية اذا اخذنا في الاعتبار اختيار مكان بناء السد  على حدود السودان بالإضافة الى السعة التخزينية للسد ٧٤ م م مكعب ) رغم ان الدراسات الامريكية حذرت من ذلك فضلا عن الاتفاقات التاريخية التي تمنع اثيوبيا من تشييد أي منشاءات مائية دون موافقة السودان

اصرار السودان على اشراك الاتحاد الافريقي والامم المتحدة في المفاوضات هو تفكير دبلوماسي عالي المستوي سيضمن للسودان ومصر الاحتفاظ بحقوقهما في كل ما يتعلق بسد النهضة إذا حاولت اثيوبيا فرض سياسة الامر الواقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق