ثقافة وفن

الحياة الاجتماعية والثقافية ليهود فاس

سهام بلغيتي علوي٭

عاشت الأقلية اليهودية من داخل أسوار الملاح منعزلة تمام الانعزال عن باقي سكان المدينة العتيقة بفاس. العامل الذي ساهم في الحفاظ على هويتها الدينية و العرقية، وتشكيل نسق اجتماعي وثقافي خاص بها. يسمح بحرية ممارسة شعائرها و طقوسها وتنظيم حياتها الاجتماعية وفقها. ليصبح بذلك هذا الحي بمثابة مدينة صغيرة خاصة باليهود تعج بالبنايات، المحلات التجارية، دور العبادة، وفضاء لإقامة أعراسهم و حفلاتهم و إحياء مواسمهم و أعيادهم.

الحي اليهودي بفاس:

يعتبر ملاح فاس أول حي يهودي شيد بالمغرب، و هناك عدة تسميات للحي اليهودي في اسبانيا بالعصر الوسيط يسمى اليوديرياuderia   و الجيتوghetto  في أغلب دول أوربا و الأمريكيتين و في العراق يطلق عليه ” حارة اليهود” و ” قاع اليهود” في هدن اليمن.

و فيما يتعلق بأصل تسمية “الملاح” هناك تباين في الروايات التاريخية من جملتها:

أن أول ملاح بني بالمغرب ملاح فاس كان قريبا من المملحة، و رواية أخرى أن الحي اليهودي الأول بالمغرب تم بناؤه في منطقة كان يتم فيها تجميع و تخزين الملح تمهيدا لتصديره عبر قوافل اوربا.

البيعات و المعابد اليهودية بفاس:

> بيعة بينيامين ناهون تحقق وجودها سنة 1548

> بيعة الحبر يوسف الموسينو تحقق وجودها سنة 1612

> بيعة سعديا بن ربوع المعروفة بالبيعة الكبرى التي تحقق وجودها سنة 1612

> 1616 الموافقة لفترة هيمنة الزاوية الدلائية بمدينة فاس كانت هناك بيعة التازي، وبيعة تلموذ توراه بيعة اسحاق ابزرديل و بيعة سعدية ربوع و بيعة يعقوب روتي و بيعة التوباشيم و بيعة المغوراشيم، و أخيرا بيعة حاييم عوزييل ويذكر خلال سنتي حكم المولى اليزيد تم تشييد 14 البيعة.

> صلاة الفاسيين

> صلاة الدبادبة ( نسبة لليهود النازحين من دبدو)

> صلاة العباد

> صلاة الربى يعقوب الكوهن

> صلاة الحاخام ( الربي إلياهوالسرفاني)

> صلاة الربي عبو

> صلاة شمعون الباز

> صلاة الربي يعقوب أنبسور

> صلاة الربي ميمون

> صلاة الربي يهودا بن عطار

> صلاة السوق

وتجدر الاشارة هنا في مدلول الأسماء التي أطلقها يهود فاس على دور عبادتهم، إذ جرت العادة على تسميتها” الصلا” جمعها ” الصلوات” و المقصود بها مكان العبادة. وشاع في المصادر العبرية استعمال مرادفات كالبيت الكبير بجامع اليهود و البيعة و الكنيس ( الكنيست)، و الشائع انتسابها إما إلى الأحبار الذين أموا الصلوات بها، و إما إلى الأعيان ممن تكلفوا ببنائها أو الانفاق عليها.

وحاليا لم يبق من هذه البيعات سوى صلاة الفاسيين التي يعود بنائها إلى القرن 17، وأعيد افتتاحها في فبراير 2013  بعد ترميمها تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس نصره الله و بيعة بن دنان التي تم ترميمها هي أيضا سنة 1996 بتمويل من أمريكا اكسبريس و بتعاون مع وزارة الثقافة المغربية و مؤسسة التراث الثقافي  اليهودي المغربي ، وأعيد افتتاحها سنة 1999.

الحياة الثقافية ليهود فاس:

التعليم: استطاع اليهود الحفاظ على ثقافتهم داخل الازقة الضيقة بحي الملاح. وسهروا على تعليم أبنائهم قدر المستطاع باعتباره حق من حقوق الانسان حيث” لكل شخص الحق في التعليم” وعملوا على إلزامية ومجانية التعليم الابتدائي أما بخصوص التعليم الفني و المهني يبقى متاحا للجميع وكذا التعليم العالي متاحا للجميع حسب كفاءتهم.

الموروث الشعبي:حيث يمكن القول أن مجال الثقافة الشعبية من المجالات التي تعددت فيها أوجه التشابه بين العرب و البربر و بين اليهود الذين أقاموا في أوساطهم، وشملت أوجه التشابه الأطعمة و الملابس و الحلي و مجال الموسيقى.

اللباس: تغير اللباس اليهودي على مر العصور وسياسة الدول الحاكمة، حيث فرضت عليهم خلال العصر المريني و الوطاسي نعال خاصة، وعمامة سوداء أو طاقة تضاف لها قطعة من ثوب أحمر. و في أواخر العهد المريني كانوا يتشبهون بالمسلمين بارتداء الزي الاسلامي. في حين النساء كن يخرجن سافرات الوجوه بفاس مغطيات شعرهن بمنديل ذي أهداب (السبنية) و خمار ذو أهداب يغطي أكتافهن و قميص يغطي القسم الأعلى من جسمهن و إزار يغطي القسم الأسفل، ويضعن حليا من الفضة في غاية الروعة و الاتقان، كخيط الريح و الخواتم و أقراط تزيد المرأة اليهودية جمالا و بهاء.

الموسيقى: احتفظ السكان المسلمون و اليهود في المغرب الكبير و خصوصا المغرب الأقصى بذكريات الموسيقى الأندلسية العربية التي هاجرت معهم من المدن الأندلسية في اتجاه مختلف المدن العربية من بينها مدينة فاس العريقة. كان اليهود الحفظة المتحمسين للموسيقى الأندلسية و الحراس الغيورين على تقاليدها العتيقة و الموسيقى هي رمز للتعايش و السلام، حيث كانوا يغنون بالعربية و الأمازيغية و العبرية السفاردية التي يستخدمها اليهود القادمون من اسبانيا و إيطاليا.

استطاع المكون الفاسي الحفاظ على هذا النوع الموسيقى من الاندثار و ذلك بتوظيف اللهجة الأندلسية في أغاني شعبية خاصة بالأعراس و الحفلات العائلية، نجد نموذج ” زهرة الفاسية” إحدى نجوم الأغنية الشعبية اليهودية من مواليد صفرو 1905 التي بدأت بالملحون وانتقلت بعدها للأغنية الشعبية مما حقق لها شهرة واسعة عبر الراديو.

أشهر أغانيها “ها هي جات”، ” أكتب يا الطالب”، “شعلات لي النار في قلبي”، ” الحبيب ديالي فيناهو”، و تعتبر أعمال أبنسور يعقوب الرائدة في مجال الشعر الأندلسي بمدينة فاس.

الطبخ اليهودي: يعد الطبخ المغربي الفاسي من أشهر المطابخ الوطنية التي فاقت شهرته كل الحدود ليصل إلى العالمية، و السبب تعدد الأطباق و الأذواق العصرية و التقليدية، وذلك نتيجة مكونات المجتمع الفاسي و من أبرزها المكون اليهودي الذي ساهم في إغناء المطبخ الفاسي. و من أشهر الأطباق و الوجبات التي أشتهر بها يهود فاس:

السخينة- طبق كريات السمك الذي يحضر بالسمك الأبيض و البصل وصلصة الطماطم- طبق اللحم بالترفاس- كسكس رأس السنة يتكون من الكسكس و اللوز- الزبيب و البصل (التفاية)- طبق السبع خضر.

تميز يهود فاس بكرم الضيافة” بمجرد أن يفد عليهم زائر يقدمون له شاي بالنعناع مصحوبا بكعب غزال وحلويات جافة

العنصر اليهودي جزأ لا يتجزأ من المجتمع الفاسي استطاع فرض وجوده رغم قلته. شكل الملاح فضاء و أراضيه حرة لهم عدة ممارسات و طقوس وشكل الزي ميزة انفرد بها المكون اليهودي داخل أسوار الملاح، بالإضافة إلى مطبخهم الغني عن التعريف و الذي يزخر بأذواق مختلفة و أطباق لا تزال راسخة في الذاكرة المغربية لحدود الساعة و يشهد لها بالإتقان و المهارة في التنسيق و الجمع بين أذواق و نكهات مختلفة، بمعنى آخر أن الملاح لم يكن مجرد موقع لسكنى اليهود بل كان أيضا مكانا للممارسات الاجتماعية و العروض الاحتفالية و ذكريات شكلت هوية يهودية داخل سياق اسلامي.

طقوس الأعياد الدينية اليهودية في حاضرة فاس:

تمثل الطقوس الدينية الحجر الأساس للديانة اليهودية لحملها مجموعة من الشعائر يؤدونها، على رأسها طقس الأعياد الدينية باعتبارها تؤرخ لمحطات عظام مر بها الشعب العبراني عبر تاريخه الطويل، وظل حاملا معه ذكراها أينما رحل و ارتحل.

و اليهود المغاربة جزء لا يتجزأ أيضا، احتفلوا في شتى أنحاء المغرب بهذه الأعياد خاصة يهود فاس حيث أقيمت هذه الأعياد في جو تسوده الحرية و التسامح مستفيدين في ذلك من الوضع القانوني الذي تكلفه لهم الشريعة الاسلامية.

ومن ضمن هذه الأعياد التي شاركها اليهود المغاربة وإخوانهم المسلمين نجد

> شبت

> عيد الفصح: وهو كلمة عبرية تعني الفرح و المعنى الطبيعي عيد الربيع

> عيد ميمونة: يحتفل به في اليوم السابع من عيد الفصح

> عيد الاسابيع أو عيد العنصرة (شفعوت) يأتي بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح ومدته يومان وهو بمثابة ذكرى نزول التوراة

> عيد رأس السنة roche Hechana

> يوم الغفران، أهم الأعياد اليهودية و يطلق عليه سبت الأسبات.

> عيد المظال، …

> عيد النصيب “البوريم”. إلخ

٭طالبة باحثة جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس-سايس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق