ثقافة وفن

سورة التوبة … معاهد التدريب العسكري الإنساني!

بدر الدين العتاق

تخصيص المعاهد والجامعات والمناهج التعليمية لفنون القتال بكل مستوياته العسكرية والأمنية والشرطية للدولة المعروفة والمجهولة (المباحث الجنائية والاستخبارات ورجال الأمن بكل التفاصيل وتفاصيل التفاصيل ) والفنيون والإداريون والموظفون وخلف الكواليس ؛ وبالتحديد القانون العسكري واللوائح والقرارات وكيفية اتخاذ القرارات وطرق التفاوض مع العدو أو مع الطرف المعني بالأمر ؛ لهو ديدن القوات النظامية العسكرية والأمنية والشرطية للدولة ؛ فهي المنوط بها تحديداً وضع الخطط والبرامج والتأهيل والتدريب المهني والإداري والمالي وخلافه ويختص مباشرة بإدارة الدفاع العسكري الإنساني اكثر من الشق المدني أو السياسي ؛ فكما للميدان ومناطق العمليات العسكرية الحربية أو ميدان المعركة رجال فكذلك للتخطيط والتطوير الاستراتيجي والتكتيك القتالي والتكنيك الحربي رجال أيضاً يعملون من خلف الستر هم الشق النظري كما لأؤلئك الشق العملي في ميدان المعركة .

الآية الكريمة : ‭{‬ وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائفة لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ  *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ  ‭}‬ هي صاحبة الوقت اليوم في التأويل ؛ فلا يجدي نفعاً قتالاً من غير دراسة علمية حديثة وتخطيط سليم وإلا فلا ترجو غير الهزيمة أمام العدو ؛ بل أمام نفسك أولاً ؛ ولا أحسب اليوم أن دولة في العالم لا تعرف هذا التقدير .

التمويل والامداد العسكري:

وهو الإنفاق على الجيوش مادياً أو عينياً أو الاثنين معاً ؛ وللقوات المسلحة الإنسانية أن تجد لها تمويلاً مستمراً بلا انقطاع طالما هناك مهددات للدولة أو تربص وترصد للجيش نفسه لتنفق به على منسوبيها عدة وعتاداً بأي صورة تراها مناسبة ومنها كمثال عمل شركات تجارية لدعم البنية التحتية للجيش حسب اللوائح والقوانين المنظمة لسياسة الدولة ومواطنيها ومسلماتها وقوانينها أو بالتحديد حسب القانون العسكري الإنساني للدولة أو الدخول في شراكات استراتيجية وطنية شاملة مع الدول الأخرى أو مؤسسات المجتمع الإنساني أو كيفما يتفق لها .

بعض الجهات المانحة للتمويل والإمداد العسكري الإنساني للدولة قد تعجز عن المشاركات المالية أو العينية أو الاثنين معاً أو تضع شروطاً تعجيزية كوسيلة ضغط للطرف المستفيد لتمرير أجندة خاصة بها تراها تتوافق مع مصلحتها ؛ وهذا وارد وموجود في النماذج الدولية والتحالفات العسكرية والأمنية والشرطية للدولة ولكن يجب وضع غاية الغايات والأهداف أهمها أن تكون في سبيل الله وإعلاء للدين كما سنوضح لاحقاً تلك النماذج ؛ وحال لم تكن غايتها الله وسبيله يخبرهم الله تعالى : ‭{‬ قل : هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ؟! / النصر أو الشهادة / ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا! فتربصوا إنا معكم متربصون‭}‬ إذاً يكون التمويل مغروضاً بغرض الخير والصلاح والبر وإلا لكل دولة طريقها في ذلك حسب ما تراه مناسباً

الآية الكريمة : ‭{‬ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ  *أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ  ‭}‬ بالنسبة للتمويل والامداد العسكري الإنساني للدولة تخاطبهم بالالتزام نحو ما اتفقوا عليه حال كان الاتفاق بين طرفين من ذات المعتقد الديني وإلا فلا ترجو غير انحطاط الأخلاق والقيم الإنسانية للناكثين بوعدهم وحلفهم فتضيع أسمى معاني الجهاد والقتال في سبيل الله .

سورة التوبة ومجلس شركاء الحكم!

قلت في المقال السابق إن سورة التوبة تتكلم عن العقل العسكري الإنساني في كل المجالات العسكرية والأمنية والشرطية للدولة المعروفة والمجهولة؛ فكأن كل حلقة فيها تأخذ محوراً معيناً في العمل العسكري الإنساني وساتناول ما تيسر لي الفهم فيها بقدر ما يمنحني الله من التأويل. العنوان الجانبي لهذه المادة هو : ( مجلس شركاء الحكم ) والذي يتكون من مجموعة محترفة القتال وأخرى لها دور فيها مع عدم خبرتها في القتال وشؤون الحرب لكن خبرتها تكمن في الجانب الفكري أو التنظيري أو الإداري والفني والتخطيط الاستراتيجي والتكتيك القتالي والتكنيك الحربي فهي مكملة للجانب العسكري المحض فلا غنى لأحدهما عن الأخر ولنطلق عليها المكون المدني أو السياسي وهذا معلوم علمياً ويدرس في المدارس والجامعات والمعاهد ذات الصلة وأبرز ما يقال هنا أن المكون المدني أو السياسي هو الرأس المدبر المتحكم في توجيه الذراع العسكري الإنساني للدولة لمهمة ما في موضع ما وجب تنفيذ الأجندة السياسية حسب ما تمليه الضرورة القصوى لخط الدولة في رعاية مصالحها العامة وسيادتها ودستورها ومواطنيها ومسلماتها وقوانينها ؛ ويمثل هذا التكامل بين المكونين العسكري والمدني أو قل : العسكري والسياسي ما يعرف بلغة اليوم العصرية بالمجلس التشريعي أو المجلس السيادي / المجلس الأعلى العسكري بالتحديد / أو البرلمان هو من يوجه مكونات الدولة ومواردها البشرية والمادية والأخلاقية لتحقيق أهداف الدولة العليا وسياساتها الداخلية والخارجية ونماذج هذا المكون ( البرلمان / المجلس التشريعي / المجلس السيادي / هيئة قيادة الأركان بالجيوش ) معروفة للجميع بما لا تخطيه العين ؛ وفي بعض الدول تتحكم فيها رئاسة الجمهورية أو الديوان الملكي أو الأميري أو البرلماني كل حسب نظام الحكم فيها .

الآية الكريمة : ‭{‬ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ  *لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ  *أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  *لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  ‭}‬ هي صاحبة الوقت في السورة الكريمة بلغة العصر الحديث والمسجد الضرار أو المسجد التقوى هو اليوم بمثابة البرلمان أو المجلس السيادي أو المجلس الوطني أو المجلس التشريعي وخلافه / هيئة القيادة والأركان / ؛ هو باختصار شديد جداً : موضع اتخاذ القرار السياسي والعسكري والفكري والثقافي والاجتماعي والأمني والاقتصادي وغير ذلك للدولة . يكون المجلس واجهة الدولة ومواطنيها إما أن يكون مبنياً على الحق وإما أن يكون مبنياً على الباطل؛ وحال كونه مبنياً على الاثنين معاً تختلف الموازين بينهما حسب نسبتي أهل الحق وأهل الباطل فتتأرجح المراسيم والقوانين المنظمة لحياة الإنسان فيه بين مؤيد ومعارض فيمكنك قراءة سياسة الدولة من طريقه؛ أيضاً ؛ حال كونه مبنياً على الباطل فقط فأنت ترى انهيار الدولة لا محالة ؛ كذلك ؛ حال كونه مبنياً على الحق فقط فأنت ترى نهوض الدولة ومواطنيها لأكثر من وجه

وتعريف الحق هو توجه الدولة نحو مصالحها العليا وفقاً لمقتضى النهج السياسي السليم في كل القضايا الحياتية وأعلاها قمة ابتغاء وجه الله تعالى فيه وفي خلقه والتعايش في سلام وامن واستقرار داخلي وخارجي مما يحقق رفاهيتها وتقدمها في كل الوجوه، ويمكن أن نصطلح عليها بالمسجد التقوى، لإدارة شئون البلاد.

وتعريف الباطل هو عكس الحق، بطبيعة الحال، مما يؤدي لفشل الدولة عاجلاً ام آجلاً بناء على التخبط السياسي والفساد والحروب والفتن وقلة الإنتاج وإهلاك الحرث والنسل ومما يتغول عليها أعداءها داخلياً وخارجياً ولن ترى لها قيمة ولا قياماً على المدى القريب، ويمكن أن نصطلح عليها بالمسجد الضرار لتدمير البلاد.

هذا هو معنى الآية الكريمة في المسجد الضرار والمسجد التقوى ونعرَّفه بمجلس شركاء الحكم، والذي يعمل كما لا يخفى على ذي عينين بموجب الدستور الدائم للدولة مع مراعاة القانون الدولي فيما يختص بحقوق الإنسان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق