غير مصنف

حرب الحلفاء الأمريكية “العادلة!” على العراق (2)

تحتفل بعيد ميلادها الثلاثين

بقلم فولف فتزِل ـــــ  Wolf Wetzel

تقديم وترجمة حامد فضل الله / برلين (أوراق ألمانية)

الكلب ابننا

كان عمر النظام العراقي أكثر من 25 عامًا، وكان صدام حسين “رجلنا في الشرق”. كان النظام العراقي من الدول العلمانية القليلة في هذه المنطقة. لا يوجد قرآن ولا إسلام، وفوق كل شيء، لم تكن الأصولية الدينية هي المبدأ السياسي للديكتاتورية العراقية، وإنما – عقلية التعاليم الغربية – واعتبارات براغماتية. كما أن النظام لم يكن ثابتًا أيديولوجيًا. لقد مارس التعامل السياسي مع الجميع، سواء أكان ذلك مع الاتحاد السوفيتي أم مع الغرب. الهدف الرئيسي، أن يبدو مفيدًا وخادماً لنظامه الخاص. باختصار، تم تشكيل النظام بالكامل من خلال العقلانية الغربية. قمع المعارضة الإسلامية والشيوعية في بلده، وحظر الحزب الشيوعي وأعدم أتباعه. تعرض نضال الأكراد من أجل الحكم الذاتي، للاضطهاد بجميع وسائل دولة حديثة مستنيرة، وأسيء استخدامه (في الحرب ضد إيران) وتم إحباطه (بمساعدة تنازلات لم تُستبدل، مثل وضع الحكم الذاتي من عام 1970) – أساليب ليست شرقية بالكامل، وهي ليست غريبة “علينا”.

قال خبير الشرق الأوسط في البنتاغون، هوارد تيشر، باختصار: إن صدام حسين يكون “ابن كلب، لكنه يكون الكلب ابننا”.

كل هذه الجرائم العادية المعتادة لهذا النظام العراقي لم تكن، في حد ذاتها أو مجتمعة، سبباً للغرب لإسقاط النظام. على العكس من ذلك: لقد كانت شرطا للتعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري مع “العالم الحر”. كان لصدام حسين مسيرة رائعة، كرجل من الغرب ولنظامه العسكري. عندما هاجم الجيش العراقي إيران في عام 1980، تدفقت الدماء، والقروض، وتدفق النفط، وحقق “الغرب الحر” أرباحاً مبهرة ووفيرة. وكان كل شيء على ما يرام. في حرب الثماني سنوات، لم يقل “الغرب الحر” كلمة واحدة عن إنذار أممي، أو حظر اقتصادي أو حظر أسلحة، أو حتى تهديد بالتدخل عسكريا لإنهاء هذه المذبحة التي كلفت مليون شخص. “الإيرانيون والعراقيون تم اللعب بهم، وضد بعضهم البعض بطريقة ساخرة وعديمة الضمير. كانت النتيجة التي تحلم بها الولايات المتحدة، هي الوصول إلى المأزق أو الطريق المسدود بين الدولتين المتحاربتين في حرب الخليج.

باسم القانون الدولي

من أجل شن حرب، ليس من الحكمة القول بان المرء معتاد على سيطرة العالم – خاصة عندما أصبح الاستعمار في شكله القديم مكلفاً للغاية.

لذلك يجب أن تكون هناك أسباب نبيلة وإيثارية، يمكن للمرء أن يخوض بسببها الحرب، بل ويجب عليه أن يخوضها. ويأتي على رأس هذه الأسباب، إنكار الذات، انتهاك (أي الدفاع) للقانون الدولي، وهو قانون دولي يمثل في الواقع إنجازاً في جوهره المادي.

لم يهتم قادة الولايات المتحدة بشكل عام، بالقانون الدولي كثيراً. لكن الائتلاف السياسي لتحالف الحرب، كان مطالبا بمبرر نبيل – خاصة من جانب حزب الخضر، الذي كان على عتبة المشاركة في الحكم.

هل يوجد تبرير “يساري” للحرب أيضاً؟

لنترك الاِجابة عن هذا السؤال جانباً، إذ أن هؤلاء المسؤولين التنفيذيين اليساريين للقانون الدولي لم يعودوا يستحقون حتى الإشارة إليهم. لا توجد شعوب ممثلة في الأمم المتحدة، بل هي ممثلة لمزيجٍ عاديٍ جداً من الحكومات (المنتخبة) والديكتاتوريات والدمى ــ والأنظمة. بل وحتى حكومات الولايات الـ 150 أو نحو ذلك لديها القليل أو لا شيء لتقوله. لأن الهيئة الحاسمة، لمجلس الأمن، تتكون من كوم غير شرعي من القوى الاستعمارية السابقة (إنجلترا وفرنسا) والقوى العالمية الثلاث المهيمنة (الصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي). تملك حق النقض ويطبق – حتى لو انقلب العالم كله رأساً على عقب، أي في هذه الحالة حوالي 150 دولة من دول الأمم المتحدة. ما تبقى هو ميثاق الأمم المتحدة و “نظام الأمن الجماعي” العالمي المتجسد فيه. ويجب طرح السؤال، من أجل العدالة على الأقل، عن سبب عدم مطالبة نفس مؤيدي الحرب بعملية عسكرية للأمم المتحدة ضد تركيا الشريكة في الناتو، التي احتلت جزءاً من قبرص لسنوات، أو ضد المملكة المغربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، التي احتلت منذ فترة طويلة الصحراء الغربية، أو ضد إسرائيل التي احتلت أو ضمت الأراضي المصرية والسورية والأردنية منذ عام 1967؟

أو بتعبير أخر: ما الذي يميز احتلال الكويت، عن الغزو الأمريكي لبنما أو غرينادا (ناهيك عن إجمالي 200 تدخل أمريكي تقريبًا في القرن العشرين)، وقصف المدن الليبية بالمقاتلات الأمريكية (1984)؟ أو من تلغيم موانئ نيكاراغوا (1984) في سياق الحرب غير المعلنة للولايات المتحدة ضد الساندينستيين في نيكاراغوا؟

ما الذي يصنع الفارق في القانون الدولي بين صدام حسين والملك الحسن، أو رئيس الوزراء أوزال، أو رئيس الوزراء بيغن، أو الرئيس ريغان (دون ذكر العديد من أمثال بينوشيت وماركوس وفرانكو)؟ كيف ينجح مدافعو حقوق الإنسان، بإعلان صدام حسين، “عدو للجنس البشري”، و”طاغية شرقي”، بينما “يدافعون” عن مجرمي القانون الدولي الآخرين؟

بينما يبرر معظمهم بإطناب تأييدهم للحرب ضد العراق، لكن عندما يتعلق الأمر بهذه الأسئلة، فإنهم يصابون بصمم ملحوظ وحاد. يمكن أن ينظر المرء إلى فضل أو ميزة هانز ماغنوس إنزينسبرغر4، عندما أوضح في كلمة الحرب (“شبح هتلر”)، التي حظيت باهتمام لافت. في مجلة دير شبيجل الأسبوعية، في 4 فبراير 1991) وأظهر فيها بوضوح، ما هو مهم:

” خلافا لشخصيات مثل فرانكو وباتيستا وماركوس وبينوشيه ونصف مائة من هذا النوع، فصدام حسين لا يهدف إلى قمع شعب وحكمه واستغلاله فحسب، بل ينتمي إلى نوع الحكام المستبدين، الذين يذخر بهم التاريخ. نعم، يحاول المرء أن يقول، إنها طبيعة عَالم الدول، نهجهم الذي يخضع لحساب المصالح وهذا بدوره يمكن التنبؤ به”.

لا يمكن للمرء أن يعبر بشكل أكثر جدارة، عما نطق به إنزينسبرغر3 والعديد من دعاة الحرب اليساريين الآخرين منذ فترة طويلة. التسلط والقمع والاستغلال ليست إعلانات للحرب ضد الإنسانية – إنها تنتمي إلى “طبيعية عَالم الدول”، إلى طبيعته الذاتية. لا يتم احتساب هذه التضحيات طالما “أن الفائدة يمكن حسابها”، لم يعودوا خائفين من هذا النظام العالمي الإمبراطوري، بل من التصور، بأنه يمكن أن يصبح خارج نطاق السيطرة وينقلب ضدهم، أي إلى أولئك المتمتعين بالامتيازات أنفسهم.

صمت مؤيدي الحرب

لم يستخدم حلفاء الولايات المتحدة الدعاية الحربية للقتال في ألمانيا على نطاق واسع فحسب، بل “الجبهة المؤيدة للحرب ” أيضاً: تحدثوا عن “حرب عادلة” ضد “دكتاتور” الذي انتهك الضمانات القانونية الدولية، وأضطهد شعبه بقسوة – وبشكل عام – شكل تهديدا للسلام العالمي. “جزار” لا يمكن القضاء عليه إلا بالملاذ الأخير، “الحرب”، لمنع ما هو أسوأ. أن النقد في صفوف الحركة المناهضة للحرب، بأن حلفاء الولايات المتحدة لا يشنون حرباً “عادلة”، بل حرباً إمبريالية مألوفة، لم يصل بعد إلى دعاة الحرب اليساريين. إن هذه الحرب لم تكن تتعلق بإقصاء دكتاتور ولكن حول استعادة النظام الإمبراطوري في ظل الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، قد تلاشى في العدم.

التناقض القائل بأن حلفاء الولايات المتحدة لا يشنون حرباً “جراحية” لحماية السكان المدنيين، تمت مواجهته بصور حرب نظيفة التي أتاحها لهم مراقبو الحرب.

ما ظهر من استسلام العراق فاق كل التخمين والمخاوف. فظهر شيئًا فشيئًا، بُعد استراتيجية شن الحرب، الذي يمكن مقارنته بالحرب القاتلة للولايات المتحدة في فيتنام.

من لعبة الحرب إلى “قنص الديك الرومي”

أكثر من 90 في المائة من الحرب كانت عبارة عن مذبحة مروعة: “إذا خرجوا من خنادقهم للقتال، فإن جنود سلاح المشاة سوف يقتلونهم. إذا بقوا في خنادقهم، فأننا نحرثهم وندفنهم أحياء “. كان لمعظم الأسلحة، ومعظم القنابل التي استخدمت لهذا الغرض، هدف واحد: قتل أكبر عدد ممكن من الأعداء في أكبر منطقة متاحة، وبأقل تكلفة ممكنة.

تماشيا مع هذه الاستراتيجية العسكرية، تم تقسيم المناطق إلى “صناديق قتل” (مناطق الموت)، والتي تم قصفها لفترة طويلة حتى لا يتحرك شيء بعد ذلك: “الجيش العراقي يُذبح، ولم يكن هناك من يساعده إلا صدام حسين”.

حتى انسحاب الجيش العراقي من الكويت المحتلة، وهو الهدف الظاهري لحلفاء الولايات المتحدة، تحول إلى مجزرة. قطعت طرق الانسحاب، ونسفت الجسور: “كان الأمر أشبه بإطلاق النار على الديك الرومي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق