سياسة

حلم نهرو … أمّة من العباقرة أم أمّة من المجاهدين؟!

حسين الوادعي

واحد من كل خمسة من العاملين في الرعاية الطبية في بريطانيا من أصل هندي. واحد من كل ستة علماء يحملون درجة الدكتوراه في العلوم او الهندسة في أمريكا من أصل هندي. ثلث العاملين في منطقة “وادي السليكون” من أصل هندي…ويدير الهنود أكثر من 750 شركة في مجال التقنية. اصبحت الهند “امة من العباقرة”.. وهذا هو عنوان الكتاب الذي وقع في يدي مع بدايات غارات التحالف العربي ضد اليمن. كانت الهند من أكثر البلدان فقرا في العالم، لكنها نجحت في الخروج من اسر الفقر إلى افق العلم والتقنية، بينما هوت اليمن في هوة الفقر التخلف لتصبح أفقر بلد في المنطقة وواحدا من أفقر البلدان في العالم. الهند واحد من أكثر البلدان تنوعا في الأديان. لديها عشرات الاديان وملايين الآلهة. لكنها خرجت من محراب المقدس إلى معامل الهندسة والمعلوماتية والفضاء. بينما سقطت اليمن في اتون الهويات الدينية القاتلة وحروب السياسة المتسترة بالدين. تحولت الهند ذات المليون إله إلى امة العباقرة والمبدعين، وتحولت اليمن التي تعبد الها واحدا إلى امة الأحقاد والحروب الأهلية المستمرة.  كيف صارت الهند أمة من العباقرة، وتحولت اليمن الی امة المقاتلين والناهبين وعشاق الموت؟

بدأ الحلم علی يد “جواهر لآل نهرو” في الستينيات.  ونهرو ليس سياسيا فقط ولكنه الأب المؤسس للهند الحديثة. كان نهرو يؤمن ان طريق نهضة الهند لن يكون الدين او التراث او القتال او النفط او فتح البلدان واستعمارها وانما “العلم”. في 1969 وبعد هبوط امريكا علی القمر بأقل من شهر تم تأسيس منظمة أبحاث الفضاء الهندية، كما تم تأسيس معاهد تقنية وهندسية في عموم مناطق الهند. لم يعين نهرو نفسه قائدا أعلی للقوات المسلحة بل رئيسا لمجلس الأبحاث العلمية والاقتصادية. آمن نهرو ان إحياء التراث العلمي وليس القوة العسكرية او عدد المقاتلين هو من سيعيد وضع اسم الهند علی خارطة العالم. ولم يكن هدف نهرو احداث نهضة علمية فقط وإنما جعل الهنود يفكرون بطريقة أكثر عقلانية في حياتهم اليومية. وكما كان لأروبا حركتها التنويرية أطلق نهرو حركة التنوير الخاصة بالهند لتخلصها من الامية واللاعقلانية والخرافة. بدأ “حلم نهرو” عام 1947 وعندما توفي نهرو عام 1964لم يكن حلمه قد تحقق بعد لكنه وضع الأساس لانتشال مليار شخص من الفقر والأمية بحلول 1990. احتل العلم مكانة الايمان في حلم نهرو، وحل العمل والاجتهاد محل القتال والجهاد في ديانة نهرو العلمية. أصبح برنامج الفضاء الهندي من أكثر برامج الفضاء تطورا، صار للهند برنامجها النووي المبهر، وفي نهاية 1999 لم يجد العالم الا خبراء المعلوماتية الهنود ليحلوا مشكلة عام 2000، وصار المهندسون والمحاسبون والتقنيون الهنود يخطفون الوظائف من مواطني امريكا والعالم الغني، وأصبح الخبراء الهنود علی قمة الهرم الوظيفي في منظمات الامم المتحدة والمنظمات الدولية والشركات الكبرى. نجح “حلم نهرو” في انتشال مليار شخص من مستنقع الفقر والحقد الديني والحروب الاهلية، ونجحت احلام أمراء الحروب وكهنة العسكرة والجهاد في اليمن في اسقاط 25 مليون يمني في هوة الفقر والتخلف والمرض والحروب الأهلية. صنع حلم نهرو امة من العباقرة، وصنعت احلام تجار الحروب اليمنيين امة من الفقراء المقاتلين الذين يعيشون علی اقتصاد الحرب والبندقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق