سياحة

قوات الدعم السريع… هل هي قوات تحرير، ميليشيا، ام مرتزقة؟ (1)

أحمد محمود أحمد

تمهيد: الدراسات البحثية حول قوات الدعم السريع غير متوفرة حيث أن التناول لطبيعة هذه القوات دوما ما يكون سياسيا حادا و يرتبط بالانحياز نحوها او الوقوف ضدها، مما يؤدي ذلك الي غياب المنظور المحايد الذي يحاول دراسة هذه القوات و طبيعة نشأتها و تطورها و النظر لمستقبلها في خارطة السودان، بالرغم من كون ان الحياد المطلق لا يوجد في التجربة البشرية..هذه الدراسة تجازف لتنحو منحيََ مختلفا عن المنظور السائد تجاه هذه القوات سواء كان مع او ضد، و تؤسس لرؤية تقرأ بها هذه القوات علي ثلاثة مستويات: المستوي الأول يرتبط بطبيعة و تاريخية المنطقة التي نشأت فيها هذه القوات و هي دار فور، في حين يرتبط المستوي الثاني بالظروف التي نشأت فيها هذه القوات و طبيعة القوي التي ساعدت في انشاءها، اما المستوي الأخير فأنه يرتبط بماهية هذه القوات و طبيعتها و مستقبلها السياسي في السودان.. للوصول لأهداف هذه الدراسة فأنها ستعتمد المنهج الوصفي التاريخي من جهة، و من جهة أخري ستعتمد علي التحليل السياسي و الأقتصادي استنادا للفرضيات التالية:
الفرضية الاولي: بروز اي قوي سياسية او عسكرية يأتي محكوما بظروف نشأتها مرتبطا ذلك بالواقع الاقتصادي و السياسي.
الفرضية الثانية: التحول نحو لعب دور سياسي يتطلب اكثر من نحت الشعارات بل يتطلب وضوح الفكرة و تجلياتها في الواقع..
الفرضية الثالثة: تجربة (الاسلاميين) في السودان ارتبطت بالعرق و الدين كمجالات استغلال، و كل من انتجته هذه التجربة لا يستطيع الانفكاك من نمطها و نسقها المعرفي..

مقدمة:
الحرب الدائرة اليوم في السودان تعبر عن فشل الدولة السودانية منذ الأستقلال في عام ١٩٥٦ و حتي اليوم..هذا الفشل قد ارتبط بدولة ما بعد الأستعمار و التي لم تستطع تطوير اَليات جديدة تستطيع من خلالها الحفر المختلف عن نهج الأستعمار و القائم علي التقسيم و مصادرة الموارد، حيث اصبح الصراع حول هذه الموارد و عدم ادارتها مدخلا لغالبية الصراعات التي شهدها السودان..الذي رتب لهذا الواقع يأتي مرتبطا بعدم الأستقرار السياسي الذي شهده السودان حيث برز خطان أو اتجاهان في مسيرة هذه الدولة الرخوة و هما:
١- الاتجاه المدني الساعي لتثبيت أسس الدولة المدنية و استدامة الديمقراطية..
٢- الاتجاه السلطوي ذو التفكير الأحادي و الذي ارتبط بالمؤسسة العسكرية و التي هي وليدة الحقبة الاستعمارية من حيث التفكير و التوجه..هذا و بالرغم من قوة الحركة الجماهيرية السودانية و قواها المدنية، الا ان من تسيد الموقف هو الأتجاه السلطوي نتيجة لتواطوء بعض القيادات الحزبية السودانية مع المؤسسة العسكرية ضمن توازنات السلطة و السيطرة علي مقاليد الدولة..المثال الأبرز في هذه الحالة هو انقلاب (الاسلاميين) علي النظام الديمقراطي عام ١٩٨٩ من خلال دفع بعض اعضاء المؤسسة العسكرية المحسوبون ضمن قائمة (الاسلاميين) للأنقلاب علي النظام الديمقراطي حيث التقي العقل الديني هنا مع عقل السيطرة المعسكرة، اي التحام العمامة كرمز للشيخ الديني المراوغ مع الخوذة كرمز للحمائية الذاتية لدي العسكر و كلها حواجب للعقل المستنير، وهذا ما أدي الي تطور الصراع نحو وجهة جديدة تحكْم فيها الشعار الديني من جهة، و عنف الدولة المحكومة بالبندقية من جهة اخري، و هذا بالنتيجة ادي الي عنف مقابل من قبل الحركات التي حملت السلاح، مما حول الدولة كلها الي ساحة حرب و بالذات في إقليم دار فور و قبله جنوب السودان و غيرها من مناطق الحرب…و ضمن هذا الواقع المأزوم و حدة الصراع أنشئت قوات الدعم السريع كتعبير عن سيادة البندقية في العمل السياسي، و الاهم فأن انشاء هذه القوات قد جاء كتعبير عن تحلل المؤسسة العسكرية و عدم قدرتها علي مواجهة التمردات العديدة ضد النظام الاسلاموي الحاكم، لتتحول هذه القوات لاحقا لمواجهة المؤسسة العسكرية نفسها و التي عملت معها لمواجهة القوي الحاملة للسلاح ضد الدولة الاسلاموية.. و بهذا المعني فان قوات الدعم السريع هي نتاج العقلية الدينية و العسكرية اي ما أطلقنا عليه تزاوج العمامة و الخوذة و التي تحولت مؤخرا أي قوات الدعم السريع لتكون بالضد للأثنيين معا بالدرجة التي يمكن ان نطلق علي هذه القوات اسم( البلدوزر او الحفار) و قد دخلت هذه الاطراف سواء كان العسكر او الحركة الإسلامية من جهة و الدعم السريع من جهة أخري في حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ و التي ادت الي ردة شاملة علي الاتجاه الأول و المرتبط بالدولة المدنية و الديمقراطية… و هذا الواقع تطلب دراسة هذه القوات من اجل معرفة طبيعة نشأتها و العوامل المتحكمة في تطورها و اذا ما كان هذا ( البلدوزر) سيهدم الدار علي ساكينيه ام يسير عكسا للعمامة و الخوذة ليشتغل نحو تأسيس نظام مدني ديمقراطي كما تقول شعاراته، هذا ما نحاول البحث عنه..

منطقة نشأة قوات الدعم السريع
تعود جذور قوات الدعم السريع الي دار فور، هذا الاقليم المهم الذي تمتد جذوره الي حقب موغلة في التاريخ..و بالرغم من شح الحفريات الأثرية في هذا الاقليم، الا ان هنالك بعض الدراسات التي تشير الي أن هذا الاقليم كان معروفا منذ زمن الحضارة النوبية في الشمال، و كذلك الدولة المصرية القديمة، و تذكر بعض المصادر ان القائد الفرعوني حركوف قد زارها و يقف درب الأربعين كشاهد علي تاريخية هذا الاقليم(١)..و لقد شهد هذا الأقليم ثلاثة ممالك او سلطنات مهمة و بعد القرن الثاني عشر الميلادي و هي سلطنة الداجو و بعدها سلطنة التنجور ثم سلطنة الفور التي حمل الاقليم اسمها. و تتباين الرؤي تجاه اصل سلطنة الداجو و قد نسبهم البعض للفراعنة و ذهب آخرون بالقول بأصولهم العربية ( عباسيين او هلالين)( و قال آخرون بأصلهم المروي نسبة لمملكة مروي في الشمال(٢).. أما فيما يتصل بالتنجور فيعتقد الكاتب بارت ان التنجور هم من النوبيين الذين هاجروا من دنقلا مدللا علي ان اسم التنجور يعني القوس في لغة النوبيين و هو الأسم الذي عرفت به بلاد النوبة قديما(تاستي)، ومن جانب اخر يري الكاتبان اركل و ماكمياكل ان التنجور هم نتاج عن تصاهر قد تم بين عرب بني هلال و السكان المحليين(٣).. و رغم ان الاسلام قد بدأ يشق طريقه الي تلك البقاع منذ القرن الثاني عشر الميلادي او قبله، الا انه لم يصبح الدين الرسمي الا عام ١٦٤٠ ميلادية اتبان الحقبة التي حكم فيها سليمان سولونج و هو من الفور مجموعة الكنجارة والتي تقابلها مجموعات اخري وهي التموركة و الكرا كريت..و تذكر روايات اهل البلاد ان الكنجارة قد صاهروا عرب بني هلال واستطاع زعيمها سليمان سولونج تأسيس سلطنة دار فور وتعني كلمة سولونج في اللغة المحلية العربي(٤) ..و علي صعيد الجغرافيا فيعتبر هذا الأقليم متميزا حيث يتميز بثلاث مناخات تقريبا وهي المناخ شبه الصحراوي في الشمال و مناخ شبه البحر المتوسط في منطقة جبل مرة والذي يصل ارتفاعه عشرة الف قدم فوق سطح البحر و في الجنوب و الجنوب الغربي تنمو حشائش السافانا، و تبلغ مساحة دار فور ٥١٠٨٨٨ كيلو متر مربع و يسكن حوالي٧٥% من سكان دار فور في الريف و ١٥% من الرعاة و ١٠% في المدن وهذا التقسيم يعود الي التسعينيات(٥)..
هذه المعلومات التاريخية و الجغرافية تعكس اهمية هذا الاقليم، علاوة علي تعدد مجموعاته السكانية و طبيعة التنوع فيه … و المستفاد من الجانب التاريخي في هذا الخصوص هو العلاقة التي نشأت بين العرب المهاجرين و منذ زمن طويل و السكان الذين سكنوا تلك الأرض قبل العرب، حيث لم تقم هذه العلاقة عبرالتصادم بقدر ما ارتبطت بالتداخل و التصاهر حيث ظهرت هذه السلطنات و هي تحمل هذه السمات العربية الاسلامية حيث كان يتطابق مفهوم العربي مع الاسلامي، مما يرجح ان قبول الاسلام نفسه قد تم عبر قبول العرب أنفسهم و سط السكان المحليين، و لم تبرز تلك المسميات التي باتت تظهر في وسائل الإعلام عبر العقود الاخيرة مثل عرب و زرقة او عرب أو أفارقة حيث ان الحدود بين العروبة و الأفريقانية في الحالة السودانية ليست بالقطعيات التي باتت تنمو بها في العقود الاخيرة، اي مسميات عرب- افارقة حيث ان الأنتماء يجب أن يتحدد بالثقافة أكثر من العرق.. و قد نتج كل ذلك نتيجة للمارسة السياسية الخاطئة التي استخدم فيها النظام الاسلاموي الحاكم العرق و الدين من اجل تثبيت حكمه، و الأهم ان المصادمات التي حدثت في العقود الاخيرة بين القبائل العربية و مقابلها القبائل الافريقية و اذا ما قبلنا بهذا التوصيف، فأن هذه الصدامات لم تكن نهجا تاريخبا يتأسس علي عداوة متأصلة بين هذه التقسيمات، أنما هو وليد الفشل السياسي في مسار الدولة السودانية تاريخبا و عدم قدرتها علي الانتقال بالمجتمع عموما من طور القبيلة و الطائفة الي المجتمع الوطني الذي يلتقي علي اساس المواطنة و ليس العرق أو الدين، هذا من ناحية..اما من ناحية اخري و علي مستوي هذا الواقع القبلي في دار فور، فان الصدام الذي وقع بين القبائل العربية نفسها قد يفوق ما حدث بين هذه القبائل العربية و مقابلها القبائل الافريقية، و المثال علي ذلك الصدامات التي حدثت بين قبيلتي الرزيقات و المعاليا و منذ الحقبة التي حكم فيها البريطانيون السودان و مرورا بعام ١٩٦٨ و حتي الوقت الراهن و غيرها من المواجهات القبلية بين القبائل العربية.. و هذا يدلل علي ان هذا الاقليم لم يقم علي ذلك الصراع المعنون بالعربي و الأفريقي و علي ذلك الفصل القبلي و العنصري الحاد( عرب/زرقة) و الذي برز مؤخرا و بالذات من خلال حكم (الاسلاميين)…لقد برز وجود قوات الدعم السريع في هذا الاقليم بعد ان فشلت السياسة السودانية تاريخيا في تطوير كافة الأقاليم السودانية و منها إقليم دار فور، و بدلا من أن تتحول الموارد في دار فور لمصلحة اهل دار فور و لعموم السودان، تحولت الي دائرة صراع و هذا الصراع قد أدي الي الانقسام و ضمن هذا الانقسام برزت قوات الدعم السريع.. و في هذه الجزئية فنحن نناقش الفرضية الاولي التي طرحناها في صدر هذه الدراسة و التي تربط نشوء اي قوي بالواقع السياسي و الأقتصادي و الذي تنشأ فيه..و بهذا التوصيف فأن قوات الدعم السريع قد نشأت في واقع اقتصادي لم يتحدد داخله واقع طبقي، لأنه قد ارتبط بالرعي من جهة، و من جهة أخري بالزراعة التقليدية التي وجدت في دار فور حينها و التي تفتقد الآلات و الميكنة حيث تقوم طبيعة الصراع وفق هذه التشكلات و النشاطات علي أساس قبلي محكوم بنمط الانتاج في تلك المنطقة.. و هذا الصراع كان محكوما بنفوذ الادارات الأهلية من عمد و نظارات و قد استطاعت هذه الادارات ان تبقي هذه الصراعات في حدها الادني عبر مبادرات الصلح و الدية، و بدخول سياسة الدولة عبر حكم (الاسلاميين) تم تجيير هذا الصراع لمصلحة الدولة و التنظيم، و هي الحالة التي تم فيها ترفيع المجموعات البدوية و تدريبها لتصبح هي قوات الدعم السريع، و بالتالي فأن الأنطلاقة الأولي لهذه القوات لم تكن ذاتية المنشأ بل جاءت مقترنة بالنظام السياسي و علي خلفية الواقع الأقتصادي المتدهور اصلا و المحكوم بواقع البداوة و الريف….اذا ما هي طبيعة هذه القوات و ما هي طبيعةنشأتها؟

نشأة و طبيعة قوات الدعم السريع
يمكن العودة لطبيعة الصراع الذي انتج هذه القوات الي حقبة الثمانينيات من القرن الماضي حيث تأثر ذلك الاقليم بموجة الجفاف التي ضربت أجزاء من ذلك الاقليم مما دفع ذلك رعاة الماشية للبحث عن الكلأ و الماء بالقرب من مزارع المزارعين..و قد تتجاوز الماشية و تدخل احيانا الي تلك المزارع مما رشح و ادي الي صدامات بين المزارعين و الرعاة، و كان يمكن معالجة تلك الأمور بتدخل الدولة و لكن لم يحدث ذلك… و قد سلحت الدولة و تحديدا في زمن حكمومة الصادق المهدي بعد العام ١٩٨٦ بعض القبائل الرعوية مما عمق ذلك من طبيعة الصراع و الانقسام بين المكونات الإجتماعية..و بصعود تنظيم الأخوان المسلمين للسلطة في عام ١٩٨٩ اتخد الصراع شكلا جديدا حيث تم استقطاب بعض أفراد القبائل العربية في ذلك الاقليم لتحارب مع النظام بعد ظهور الحركات المسلحة الدارفورية، و من قبلها الحركة الشعبية لتحرير السودان – جنوبية المنشأ… و لقد عرف الذين حاربوا مع النظام و منذ البداية بالفرسان ثم بالجنجويد لاحقا… و يمكن التأريخ لذلك منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وتحديدا ضد الحركة الشعبية لجنوب السودان، و التي استقطبت بعض ابناء دار فور و علي رأسهم القيادي الاسلامي داؤد بولاد الذي انشق عن النظام عندما شاهد أهله يقتلون و قال قولته المشهورة بأن ( العرق أقوي من الدين) و قد انضم للحركة الشعبية و ذهب للقتال في دار فور حتي تمت تصفيته من قبل النظام.. و لقد تصاعدت الأحداث حتي العام ٢٠٠٣ و ظهور الحركات المسلحة الدارفورية، و هنا اتخذت تلك المجموعات التي تحارب بجانب النظام مسمي الجنجويد كما اطلق عليها السكان المحليين ذلك، اي جن راكب جواد، و بدأ الصراع يتخذ اشكالا اكثر عنفا..و لقد تم في العام ٢٠١٣ الاعتراف الرسمي بقوات الدعم السريع الشكل المتطور للجنجويد، و التي تم تكوينها تحت إشراف جهاز المخابرات و الأمن الوطني، و من ثم استطاعت هذه القوات بسط نفوذها العسكري و الاقتصادي في إقليم دار فور و توسعت في أعمالها التجارية بما في ذلك التنقيب عن المعادن خاصة الذهب و اليورانيوم(٦).. و في العام ٢٠١٧ تم تقنين وجود و صلاحيات قوات الدعم السريع داخل المجلس الوطني(البرلمان ) و تحديد علاقتها بالقوات المسلحة.. و قد اشتمل قانون الدعم السريع حينها علي ٢٥ مادة( اضيفت مادة أخري في زمن البرهان) و حصر هذا القانون قيادة و إدارة هذه القوات في شخصين، و هما عمر حسن البشير رئيس الدولة حينها و اصبح القائد الأعلي لهذه القوات و من بعده حميدتي كقائد لهذه القوات و تحت قيادة عمر البشير مباشرة حيث لا مكان و لا سلطة للقوات المسلحة علي هذه القوات(٧).. و كما يقول دكتور سليمان محمد احمد سليمان(٨) فان المادة ٥ من القانون قد تضمنت حالتين فقط لخضوع قوات الدعم السريع لأحكام القوات المسلحة و هما:
١-عند اعلان حالة الطواريء او عند الحرب بمناطق العمليات الحربية، تخضع قوات الدعم السريع لاحكام قانون القوات المسلحة لسنة ٢٠٠٧..
٢- يجوز لرئيس الجمهورية في أي وقت ان يدمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة و فقا للدستور و القانون و تخضع عندئذ لاحكام قانون القوات المسلحة لسنة ٢٠٠٧..و هذا وضع غريب يضع هذه القوات في التوازي مع القوات المسلحة و يسلبها دورها في قيادة المنظومة العسكرية مما خلق ذلك اذدواجية في المهام، اذ تبدو تبعية قوات الدعم السريع لرئيس الدولة مباشرة تمييزا لها عن القوات المسلحة و تجاوزا لسلطتها، و هذه النقطة هي التي ادت للأشكاليات اللاحقة حول قضية الدمج و تبعية هذه القوات للقوات المسلحة.. و الأخطر في جميع هذه المواد هي المادة ٢٢ و التي تقول(لا يعتبر جريمة أي فعل يصدر من ضابط او ضابط صف أو جندي بحسن نية او بسبب أداء أعمال وظيفته أو القيام بأي واجب مفروض عليه أو عن فعل صادر منه بموجب أي سلطة مخولة او ممنوحة له بمقتضي قانون الإجراءات الجنائية أو أي قانون آخر ساري المفعول أو أي لائحة أو أوامر صادرة بموجب أي منها علي أن يكون ذلك الفعل في حدود الأعمال أو الواجب المفروض عليه وفق السلطة المخولة له و لا يتعدي القدر المعقول من القوة لتنفيذ واجباته أو لتنفيذ القانون دون أي دافع آخر للقيام بذلك العمل(٩)..

و يعلق دكتور سليمان محمد احمد سليمان علي هذه المادة قائلا ( ان هذه المادة تعطي أفراد قوات الدعم السريع الحماية و الحصانة الكاملة لافعالهم بما فيها جرائم الحرب و الجرائم ضد الأنسانية في دار فور و لاحقا جريمة فض الاعتصام ، بل ان الجزء الثاني من المادة نفسها يذهب مسافة أبعد من هذا و يشير الي أنه إذا نتج عن أنفاذ القانون او أي امر قانوني وفاة أو ضرر يستحق الدية أو التعويض فأن الدولة تتحمل دفع الدية أو التعويض نيابة عن الضابط أو ضابط الصف أو الجندي الذي يعمل بحسن نية وفقا لأحكام هذه المادة(١٠)..هذه القوانين والتي فصلها النظام السابق جعلت من هذه القوات مجرد تابع له و بأعتبارها جزءأ لا يتجزأ من تركيبة النظام و قد قبلت هذه القوات بهذه الوضعية حتي زمن سقوط النظام..إجمالا لهذا السرد فيمكن القول ان قوات الدعم السريع قد بدأت كمجموعات عسكرية اولا بأسم الفرسان ثم الجنجويد و ينسب تأسيسها الي موسي هلال زعيم عشيرة المحاميد التي تنحدر من قبيلة الرزيقات، و هو ابن عم محمد حمدان دقلو و الذي انشق عام ٢٠٠٧ معلنا تمرده علي الحكومة لعدم التزامها بتسديد مستحقات قواته و بدأ بقتال القوات النظامية، فما كان من نظام عمر البشير الا تقديم عروض لمحمد حمدان دقلو تضمن عودته و كانت هذه العروض هي دفع الرواتب بأثر رجعي و منح قيادات قواته رتب ضباط و منحه هو رتبة عميد( ١١)..من جانب آخر تعُرف قوات الدعم السريع نفسها بكونها قوات عسكرية قومية التكوين و تعمل تحت إمرة القائد العام و تهدف لإعلاء قيم الولاء لله و الوطن و تتقيد بالمباديء العامة للقوات المسلحة( ١٢).. و بهذا المعني فان قوات الدعم السريع تحدد ثلاثة مهام رئيسية لها و هي(١٣):
١- دعم و معاونة الجيش و القوات النظامية الأخري(الشرطة هنا) في مواجهة المهددات الداخلية و الخارحية و اي مهام اخري يكلفها بها القائد العام للقوات المسلحة(عمر البشير)
٢- التصدي لحالات الطواريء المحددة قانونا..
٣- المشاركة في توطيد و حماية السلام و الأمن الدوليين و تنفيذا للالتزامات الأخلاقية و المواثيق و المعاهدات الدولية و الأقليمية..و نحن هنا امام وضع غريب و شائك، فهذه القوات كانت جزءا من تركيبة نظام سياسي و لكنها في نفس الوقت تنزع لكي يكون لديها فرادتها و دورها المنفصل..و ما رتب لكل هذا هو الدور الذي قامت به هذه القوات في ايقاف مد الحركات المسلحة الدارفورية، علاوة علي علاقتها المباشرة برئيس الدولة و احساسها بالتميز.. ان هذه القوات قد نشأت في ظل نظام قد اعتمد علي محورين لتثبيت سلطته، و هما محور الدين و العرق، حيث تم استغلال الدين و بشكل واسع في السياسة و في الحروب و بالذات في حرب الجنوب، و التي اصبحت مقدسة في عرف ذلك النظام.. و كذلك استخدم العرق في دار فور بتقسيم اهل المنطقة الي( عرب و زرقة) و تصدير صورة زائفة لعرب دار فور بكونهم مستهدفون في وجودهم من اجل الوقوف معه في حربه ضد الحركات المسلحة..لقد اعتمد النظام في حرب الجنوب علي ما عرف حينها بقوات الدفاع الشعبي و هي قوات ذات هوية دينية حاولت أن تحل مكان القوات المسلحة في الحرب و جعلتها حرب التقديس، و بذات الدرجة اعتمد النظام علي قوات الدعم السريع و علي اساس عرقي في دار فور لمحاربة الحركات المسلحة هناك، و لكن معها تمت محاربة اهل دار فور أنفسهم حيث تمت الأبادة و المعروفة ولدي الجميع..و وفقا لهذه القراءة السابقة فيمكن القول ان قوات الدعم السريع هي نتاج لثلاثة عوامل:
اولا: الصراع علي الموارد و الذي نتج عن الجفاف و عدم القدره على إدارة هذه الموارد..
ثانيا: النهب المسلح الذي شهده إقليم دار فور منذ بداية التسعينات مما استدعي بعض المجموعات لتأمين طرق التجارة و ظهرت هنا بعض المجموعات المنتمية للقبائل العربية للقيام بذلك و من ضمنهم حميدتي..
ثالثا: بروز الحركات المسلحة الدارفورية و من قبلها الحركة الشعبية لتحرير السودان التابعة لجون قرنق، و هو العامل الذي دفع النظام الحاكم لاستخدام بعض أفراد القبائل العربية لتخوض حروب الوكالة في مواجهة الحركات المسلحة..
التعريف الممكن لقوات الدعم السريع

لقد طرحنا عبر عنوان هذه الدراسة سؤالا، و هو: هل قوات الدعم السريع هي قوات تحرير ، ميليشيا، ام مرتزقة؟ و للأجابة علي هذا السؤال نقول، أنه عندما نتحدث عن قوات التحرير فأننا نتحدث عن مفهوم عميق يرتبط بالتحرير كفكرة..و حينها و عند تعميق مفهوم التحرير سنجد المعني الذي يقودنا الي الخلو من القيد، فالقيد قد يكون فكري ، اجتماعي، نفسي، تاريخي، ايدولوجي(١٤)..
فالتحرير تصور قبل أن يكون استراتيجية، فهو كفكرة و في جوهرها تعبر عن مكنون القوة لدي الشعب و لخدمة تحريره(١٥).. و وفق هذه السردية فأن التحرير مشروع كبير يعتمد علي الأفكار و الاستعداد لمواجهة العدو من اجل تحرير الشعب، و تصبح القوي أو القوات التي تقود هذا التحرير ذات سمات ترتبط بالمباديء و قدرة عالية علي التضحية و لديها افكار و تصورات تسبق استراتيجية المواجهة.. و الأهم ان لديها أهداف واضحة و محددة و منذ البداية تنطلق من خلالها و كذلك الرؤي التي تسير عليها هذه القوي او القوات..و التحرير الذي تسعي اليه اي قوي قد يكون عادة من الأستعمار او الديكتاوريات القابضة علي مصائر الشعب و تتسم و تتقيد هذه القوي بالشرط الانساني و الاخلاقي في الصراع فلا تقتل المدنيين و لا تسرق و تخضع لمعايير دقيقة في تعاملها مع اعضاءها و تثقيفهم بأتجاه القضية التي تسعي لتحقيقها..عند مقاربة تلك المنطلقات بقوات الدعم السريع فأنها لا تنطبق علي هذه القوات و التي لم تنطلق من فكرة مرتبطة بقضية التحرير ضمن مفهومه الشامل ، و لكنها وجدت ضمن فكرة تقف ضد كل شروط التحرير و هي الفكرة الدينية التي جسدها نظام (الاسلاميين) ضمن رؤيته المتخلفة للصراع..اما فيما يتصل بالميليشيا و اذا ما كانت قوات الدعم السريع ميليشيا ام لا؟ فكلمة ميليشيا (Militia) و وفقا لل(Wikipedia) تعود الي روما القديمة و هي تعني جنود او مقاتلين غير نظاميين و يعملون حسب الحوجة و الطلب- او هي جماعة مسلحة غير نظامية تعمل بأسلوب حرب العصابات و هي يمكن ان تكون:
١- قوات تابعة للجيش النظامي.
٢-منظمات مسلحة تابعة لأحزاب أو حركات سياسية.
٣- قوات دفاعية يقع تشكيلها من طرف مواطني منطقة سكنية او جغرافية محددة في اطار جهوي او ديني و قد تكون مدعومة من السلطات) ..و يري قاسم بلشان(١٦) ان الميليشيا هي عبارة عن مجاميع مسلحة و منظمة و متدربة و مدعومة و موجهة تعبويا لتحقيق مصلحة حزبية معينة و خاضعة لسلطة مركزية و هي ذراعا عسكريا لفئة سياسية او غير ذلك تخوض صراعا اي ما كان دافعه او هدفه..و هنالك فريق يري ان اهداف اعضاء الميليشيا مادية بحتة، فالحرب عندها و سيلة عيش و كسب و لهذا تبحث عن المناطق المشتعلة التي تمثل مواردها المادية(١٧)..و نتيجة لألتباس هذه الكلمة فان هنالك من يعمم مصطلح ميليشيا علي جميع الحركات و يعتبرها مقاومة او وحدات تحرير و علي الاقل مجموعات تابعة لدولة ديمقراطية، لهذا يذهب علاء اللامي(١٨) ليقول ان الدستور السويسري و في المادة ٥٨ يقول ان الجيش السويسري جيش منظم طبقا لنظام الميليشيا، و كذلك قد نجد نفس الشيء في الدستور الامريكي الذي يحتفي بدور المليشيات.. و لكن الأهم في هذا الجانب هو العامل أو المنظور الذي تقوم عليه الميليشيا أو لنقل التشكيلات العسكرية و المرتبط بالفكرة و الهدف، و هي المنطقة التي تتحدد بها طبيعة الميليشيات من حيث الدور الإيجابي أو السلبي و هي النقطة التي سنعود لمناقشتها لاحقا..فهل و بما تم طرحه هنا فهل تعتبر قوات الدعم السريع ميليشيا؟ للأجابة علي هذا السؤال لا بد من مناقشة و تعريف ماهية القوات المرتزقة اولا حتي يمكننا المقارنة و من ثم اصدار الأحكام.. القوات المرتزقة قد تختلف عن مفهوم الميليشيات حيث يتسع مفهوم الميليشيا ليقبل بالدور الإيجابي كما تم مناقشة ذلك سابقا، حيث ان هنالك بعض المليشيات لديها قضايا تدافع من اجلها وليس من اهدافها المال و بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول هذه الميليشيات..فمثلا نجد حزب الله فهو ميليشيا و يتبع لأيران الا انه يصادم اسرائيل احيانا بالرغم من كونه يعتبر ممولا من قبل ايران ، و بنفس الدرجة فان الميليشيات التابعة لحماس تخوض اليوم حربا شرسة ضد الاحتلال الاسرائيلي ، و هي جميعها لا تعتبر جيوشا منظمة لكنها ينطبق عليها مفهوم الميليشيات، و كذلك عبر التاريخ فقد ظهرت مليشيات مسلحة تابعة لأحزاب ثورية الأنظمة الدكتاتورية، كما أن هنالك ميليشيات تنشأ للدفاع عن قضايا أقليمية تكتسب المشروعية عبر الأقليم الذي تدافع عنه.. اذن و ضمن المنظور العام لواقع الميليشيات فان الأمر الحاسم في تجسير تعريفها يرتبط بالأهداف و القضايا التي تسعي اليها الميليشيا، و هي المنطقة التي تخرجها من مجال الميليشيا و ضمن مفهومها السلبي، نحو التحرير انطلاقا من التوجهات و الاهداف.. و في المقابل يبقي الجانب السلبي للميليشيا كمفهوم عندما ترتبط بالسلطة الديكتاورية و كذلك بعلاقة هذه المليشيات بالمال، و هو ما ينقلنا لمفهوم القوات المرتزقة و التي هدفها الاساسي هو جمع المال… و يتضح هذا و علي مستوي عالمي في حالتين و هما شركةBlack Water الامريكية المنشأ و مجموعة فأغنر الروسية..و يقول جيرمي اسكاهيل موضحا و هو يتحدث عن فكرة الأمن الخاص(Private Security) و هو المفهوم الذي يحيل للمرتزقة بأنها فكرة قد ارتبطت بالمحافظين الجدد في أمريكا من اجل توسيع دائرة الحرب و الأهم إمكانية تفادي القوانين و اللوائح التي تحكم القوات النظامية و المثال الأوضح هو شركة Black Water التي ارتكبت جرائم عديدة في العراق و في أفغانستان(١٩)..و كذلك فعلت نفس الشيء مجموعة فاغنر الروسية و التي اقتحمت الكثير من البلدان و الهدف الوحيد هو المال..و فقا لهذه القراءة السابقة لواقع الميليشيات يمكن تحديد واقع قوات الدعم السريع و فق المحاور التالية:
اولا: لقد نشأت هذه القوات في ظل نظام استغل الجانب الديني و العرقي لتثبيت حكمه و اشاع لدي بعض القبائل العربية في دار فور بكونهم مهددون في وجودهم من قبل القبائل الافريقية، ممثلا ذلك في الحركات الحاملة للسلاح و دعاهم للدفاع عن وجودهم.
ثانيا: هذه الدعوة كان من الممكن ان لا تنجح لو لا أنها قد ارتبطت بعامل آخر و هو دخول المال كعامل اساسي و مهم في تجميع هذه القوات حيث تحول المال ليحل محل فكرة الدفاع عن القبيلة و بالذات بعد ان اسهمت هذه القوات و معها القوات النظامية في كسر شوكة الحركات المسلحة ، حيث اصبح تطلعها اوسع للسيطرة علي المصادر المالية..و نتيجة لحاجة نظام البشير لها و من أجل حماية النظام، فأنه قد فتح لها المجال للسيطرة علي بعض الموارد و كما اوضحنا ذلك سابقا و المتصلة بالذهب و اليورانيوم..و تحولت هذه القوات و بهذا المعني الي إمبراطورية اقتصادية و اصبح هدفها الأساسي الحفاظ علي مصالحها و بكافة الطرق الممكنة لأن الجانب الاقتصادي قد اصبح الرابط بين أعضائها و الضامن لوجودها..
ثالثا: و فق هذا الجانب الاقتصادي و المذكور سابقا فقد تحولت هذه القوات الي قوات عابرة للحدود حيث دخلت كطرف في حرب اليمن و بأرسال بعض جنودها و من اجل المال و تعاقدت مع دول الأتحاد الاوربي ماليا من اجل محاربة ما يطلق عليه الهجرة الغير شرعية… و هكذا فقد خرجت هذه القوات خارج دائرة الدولة، و اصبح لديها تعاملات مع بعض الدول متجاوزة حدود دولتها و ذلك من أجل جمع المال..و الاخطر ان السعي للنفوذ و المال قد أدي الي الصراع بين ابناء القبيلة الواحدة التي تنتمي اليها هذه القوات ممثلا ذلك في موسي هلال و محمد حمدان دقلو … و بهذا المعني فقد سقط حتي مفهوم الدفاع عن القبيلة الذي روج له خطاب (الاسلاميين) و اصبح الدفاع عن المال و تأمينه هو ضمن الأهداف الأساسية و التي ارتبطت بتاريخ هذه القوات..و فقا للتحليل السابق فكيف يمكن توصيف قوات الدعم السريع؟
قوات الدعم السريع و ماهية التوصيف السياسي
قبل التوصيف السياسي لطبيعة هذه القوات، فأن كاتب هذه الدراسة يقف ضد كل الأتجاهات التي تحاول الاقلال من شأن هذه القوات و لقائدها و عبر الإساءة، و كذلك يقف ضد المحاولات التي تسعي الي تغريبها و نفي سودانيتها. ان النقد لهذه القوات يجب أن يتم علي أسس موضوعية ليس فيه تعدي و يجب ان يأتي مقرونا بالدلائل و الوقائع و هذا ما نشتغل بأتجاهه عبر هذه الدراسة..و ابتداءا نقول، لقد اتيحت الفرصة التاريخية لهذه القوات لكي تتحول الي قوات تحرير وطني ضد الديكتاوريات و تكون ضمن القوي الوطنية عندما اتخذ قائدها موقفا عارض فيه قرار عمر البشير رئيس سلطة الانقاذ في ضرب المتظاهرين اتبان حراك ثورة ديسمبر ٢٠١٨..و لكن لم يستطع قائد هذه القوات بتطوير موقفا يجعله واقفا في صف الحركة الجماهيرية، اذ سرعان ما عاد ليكون جزءا من السلطة و عبر ما عرف حينها بالمجلس العسكري، و مشاركا في دورة العنف التي استهدفت ميدان اعتصام الجماهير اتبان هذه الثورة ، و قد حدثت مجزرة راح ضحيتها الكثير من الشباب و الشابات و تعطلت نتيجة لذلك اهداف الثورة.. و قد عاد قائد هذه القوات مرة اخري ليخرج عن مجري السلطة في معارضته لأنقلاب البرهان الذي حدث في اكتوبر ٢٠٢١ و الذي كان شريكا أصيلا فيه ليذهب تجاه القوي المدنية ضمن ما عرف حينها بالأتفاق الاطاري، و أستمر الحال حتي حدث الصدام بين الجيش و هذه القوات في حرب أبريل ٢٠٢٣.. هذه الحالة من الصعود و الهبوط في تفكير قائد هذه القوات و الذي بدأ يتحدث عن الديمقراطية و الدولة المدنية مؤخرا تنتج عن طبيعة تكوين هذه القوات و المعايير التي قامت عليها… فهي كانت محكومة بالواقع و الظروف التي نشأت فيها من حيث وعي قيادتها و محدودية دورها في العمل السياسي المباشر لأنها كانت محكومة بطبيعة النظام الذي نشأت في كنفه و بكافة أشكاله الديكتاتورية و نمطه الرأسمالي الطفيلي و التي اصبحت هذه القوات جزءا منه.. و لهذا فهي و بكل القياسات الممكنة ليست قوات تحرير وطني بل هي ميليشيا من حيث التنظيم العسكري و قد نشأت في واقع صراع قبلي ، و تحولت لاحقا و ضمن نمط النظام الحاكم و المرتبط بالفساد لتكون قوات همها جمع المال، اي انها اصبحت قوات مرتزقة و لهذا فان المصطلح الصحيح لهذه القوات هو ميليشيا- ارزقية اي ميليشيا تعمل علي الأرتزاق و جمع المال و دون اعتبارات للواقع الوطني و الذي تم تدميره اصلا عبر حكم (الاسلاميين). و قد كشفت هذه الحرب الدائرة اليوم في السودان عن ممارسات بعض أفراد هذه القوات و التي سعت الي تجريد المواطنيين من ممتلكاتهم و طردهم من بيوتهم، و بالرغم من استنكار قائد هذه القوات لتلك الافعال و التي قد لا تأتي منفصلة عن حالة و ثقافة النهب الاكبر لموارد السودان منذ ان تشكلت هذه القوات.. الدليل الأكبر علي أن هذه القوات قد تأسست علي قاعدة المال، هي هذه الحرب التي تخوضها هذه القوات و لأكثر من السبعة شهور بالرغم من تكلفتها العالية، و هذا يؤشر لحجم الأموال التي تملكها هذه القوات و التي توازي امكانيات القوات المسلحة او تفوقها، و التي قال حميدتي في احدي خطبه انه قد اشتري لها أي القوات المسلحة خمسة طائرات عندما كانت العلاقة طبيعية بينه و بينها..لقد تأتت اللحظة التاريخية لقوات الدعم السريع لتتحول لقوي وطنية تحررية عندما رفض قائدها ضرب المتظاهرين بعدما أمره عمر البشير بفعل ذلك كما اوضحنا ذلك سابقا… و لكنه و بعد ان سقط نظام عمر البشير فأنه ذهب مع السلطة التي قامت بفض الاعتصام امام القيادة العامة..السؤال الذي يطرح نفسه جديا هنا هو: لماذا لم يعترض قائد الدعم السريع علي فكرة فض الاعتصام اذا كان هو منحازا للحركة الجماهيرية و منذ البداية؟ و اذا لم يكن يعلم بقرار فض الاعتصام كما يقول بعض أنصاره، فلماذا لم يتخذ موقفا يجعله واقفا ضد الذين قاموا بذلك و بعد أن حدثت جريمة فض الاعتصام و من ثم قطع صلته بالمجلس العسكري و من ثم الأنحياز للحركة الجماهيرية؟ و استنادا لحالة التردد هذه فأن قائد الدعم السريع يبدو و كأنه يتعامل في السياسة بمفهوم أقرب لحركة التاجر الذي يوزن الأمور ضمن منظور الربح و الخسارة… و بهذا المعني فهو لا يذهب مع الخاسر، و لهذا فقد ترك عمر البشير عندما تأكد أنه غير قابل للأستمرارية تحت ضغط الحركة الجماهيرية، و بنفس الدرجة و بعد أن شارك في انقلاب البرهان و رأي ان هذا الانقلاب كان فاشلا نتيجة لضغط الحركة الجماهيرية فقد أنتقد نفسه و دوره في ذلك الأنقلاب و ذهب تجاه القوي المدنية عبر الإتفاق الإطاري..هذا التردد في الانحياز الكامل للحركة الجماهيرية يطرح اسئلة عديدة بدلا من أن يقدم أجوبة و هذا ما يجعلنا نناقش مستقبل هذه القوات علي الخارطة السياسية السودانية مستقبلا..

المستقبل السياسي لهذه القوات
مستقبل اي حركة سياسية يرتبط بماضي هذه الحركة و لا يأتي منفصلا عنها، اي بمعني أخر فأن طبيعة و نشأة اي حركة سياسية يرتبط بتطورها اللاحق و يحدد مساراتها..و لهذا فعند النظر الي نشأة قوات الدعم السريع و الظروف التي انتجتها علاوة علي الفئات المكونة لها و طبيعة الوعي الذي يحكم هذه الفئات ، فانها لا تخرج من كونها مجموعات غير متجانسة الا من حيث الاعتبار القبلي و المناطقي، اذ تنعدم الرؤي و التصورات التي تجعل منها مجموعة تسير علي نهج واحد و هذا يؤشر لعدم وجود مشروع يرتبط بمنطلقات تقود الي تشكل حركة سياسية يمكن ان تقود المجتمع ككل نحو التغيير ..و لهذا فيمكن قراءة هذه القوات ضمن منظور الثابت و المتحول، اذ الثابت النسبي في واقع هذه القوات و علي الاقل عبر السنوات القادمة هو بقاء تفكير قاعدتها علي طبيعة النشأة التي ارتبطت بهذه القوات لأن التحول في هذه القاعدة يحتاج الي جهد غير عادي لوضعها في مهمة التغيير السياسي و الاجتماعي، و هي مهمة صعبة اذ ان استرجاع و زرع الوعي لقوي و بعد ان تكونت علي أسس غير صحيحة يبدو مهمة صعبة معقدة..اما المتحول و النسبي كذلك في مجري هذه القوات هو وعي قياداتها و المتمثل في محمد حمدان دقلو و الذي يتمتع بذكاء جعله يتحول من حواف البوادي الي اخطر شخصية في السودان و ان يتقاطع مع عمر البشير و يرفض الصدام مع الجماهير و كذلك لموقفه ضد انقلاب البرهان و طرحه لشعارات الديمقراطية و الدولة المدنية..و هنا يبرز سؤال إذا ما كانت هذه المواقف و الشعارات تكتيكية ام ترتبط بالحفاظ علي المصالح و حفظ مكانة هذه القوات و في كل الظروف؟ ام هي تعبر عن تحول حقيقي لدي قيادة هذه القوات و تعد انسلاخا عن وعي القبيلة و وعي الرأسمالية الطفيلية التي تم وراثتها عن (الاسلاميين؟ كلها أسئلة تظل مشروعة، لكن المهم في كل هذا هو علاقة هذه القوات بالحركة الجماهيرية و كذلك مشروعها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي مستقبلا و مدي قدرتها علي اقناع الجماهير باطروحاتها، و الاهم من كل ذلك القدرة علي تبرير مواقفها و ممارساتها التي اضرت بالجماهير سواء كان ذلك قبل هذه الحرب او من خلالها او من خلال علاقتها السابقة بالحركة الاسلاموية و التي قطعت الجماهير صلتها بها..و هنا تكمن القضية و من ثم الماهية التي يمكن أن تكون عليها هذه القوات مستقبلا..حيث أن الشعارات التي يطرحها قائدها اثناء هذه الحرب وحدها لا تؤدي الي لعب دور فاعل اذا لم ترتبط بفكرة تتجلي في الواقع و تحدث فيه متغيرات، حيث و ضمن التجربة الواقعية فقد حكم (الاسلاميون) السودان بالشعار و لم يقدموا اي نقلة حضارية للسودان كما كانوا يطرحون شعار المشروع الحضاري.. و لقد قلنا و ضمن احدي الفرضيات ان القوي التي تنشأ تحت إشراف هكذا نظام اي نظام ( الاسلاميين ) فهي بالضرورة تحمل نمطه و نسقه المعرفي، و لقد حملت قوات الدعم السريع نمط (الاسلاميين) المرتبط بالرأسمالية الطفيلية من جهة، و من جهة أخري تلبست نسقهم المعرفي المرتبط بالشعارات، و هذه الشعارات تكون احيانا مرتبطة بالديمقراطية و احيانا اخري بالشوري كما صرح قائد هذه القوات في إحدي خطاباته، و الفرق شاسع بين الشوري من جهة و مفهوم الدولة المدنية و الديمقراطية من جهة اخري، و هنا نحن أمام متناقضات جذرية نتجت عن طبيعة الوعي الذي حكم مسار هذه القوات و التي تم وضعها علي حواف السلطة دون استعداد لدور قيادي في واقع معقد كالواقع السوداني..و ضمن هذه الرؤية المرتبطة بالمستقبل السياسي لهذه القوات يدخل جانب جوهري و مهم و هو مدي قدرة هذه القوات علي التماسك الداخلي بعد أنتهاء هذه الحرب.. المعروف ان تكوين هذه القوات قد أستند علي قاعدة قبلية كما ذكرنا ذلك سابقا و احتوت علي قبائل متعددة، بل يمكن القول أنها قد احتوت لاحقا علي تيارات مختلفة أثناء هذه الحرب، سواء كانت تيارات سياسية او مجموعات تابعة للحركات المسلحة…و هذا وضع قابل للصراع و التشظي اذا ما أنتهت هذه الحرب حيث أن ما فرضته هذه الحرب من وحدة ظاهرية بين هذه المكونات يبدو قابلا للصراع بعد أنتهاءها، و الأسباب الجوهرية في ذلك يمكن تلخيصها في الآتي:
١-العلاقة التي تجمع بين غالبية هذه المكونات لا تقوم علي أساس عقائدي أو فكري انما علي اساس قبلي وجهوي كان محكوما بدور الدولة من جهة، و من خلال دورة المكاسب و المال من جهة أخري، و هذه المعادلة قابلة للتغير بعد الحرب لأنه لن تكون هنالك رعاية مباشرة من الدولة لهذه القوات الا اذا اصبحت هي الدولة، كما ان العامل المادي هو الآخر قابل للتغير و الأنحسار..
٢- في حالة سيطرة هذه القوات علي مستوي الأرض و من ثم قيادتها للمشهد السياسي فأن هذه الحالة نفسها قابلة للصراع الداخلي علي اساس المكاسب و الدور سواء كان علي الأساس القبلي او علي أساس واقع التيارات المختلفة داخلها، و هذا يمكن أن يقود الي صراع آخر ستكون ادواته هي السلاح مما يفتح المجال لدوامة عنف أخري في السودان..
٣- العاملان المذكوران سابقا يمكن تلافيهما اذا ما توفرت ظروف تحدي جديدة امام هذه القوات مثل الدخول في حروب أخري داخلية او خارجية، لكن في حالة السلم فأن الصراع الداخلي سيستمر داخل هذه القوات علي أساس سلطة المال و الغنيمة مدعوما ذلك بالنزوع القبلي و المناطقي محكوم كل ذلك بالوعي الذي اكتسبته هذه القوات عبر مسيرتها و التي تحدثنا عنها سابقا..الجزئية الاخيرة في هذه الدراسة ترتبط بمقولة حميدتي و التي قال فيها أنه لا يتطلع للحكم مستقبلا..و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يخوض حميدتي هذه الحرب و التي يفقد فيها الكثير من رجاله من أجل أن يسلم السلطة للأحزاب السياسية الأخري و يتخذ دور المراقب؟ ام عدم السعي للحكم يشير الي حالة تجرد ذاتي تتنامي عند حميدتي في السنوات الأخيرة؟ أم يشير الأمر كله لعدم وجود مشروع أو خط سياسي للحكم والذي يؤهل هذه القوات للحكم مستقبلا؟ كلها أسئلة تحتاج لأجابة، لكن الراجح و في تجربة القوي او الحركات السياسية في أنها تسعي للحكم لأنها و عبر الحكم يمكن ان تستطيع انفاذ مشاريعها و يصبح هذا حقا مشروعا لها، و لكن ما يطرحه حميدتي حول مفهوم عدم تطلعه للحكم يمكن قراءته علي المستويات و الاحتمالات التالية:
١- ربما يشير الأمر الي جانب موضوعي يري فيه حميدتي انه غير مؤهل لحكم السودان واضعا تاريخه و علاقته مع النظام السابق في الاعتبار..
٢- قد تكون دلالة لا اريد ان أحكم قد تشير الي الحكم المباشر، لكنه ضمن الحكم الغير مباشر فهو سيكون موجودا لتوجيه العملية السياسية حسب توجهاته و وفق القوة التي ستؤول إليه اذا ما حسم هذه الحرب لصالحه..
٣- لقد طرحت هذه القوات و عبر مستشاريها مؤخرا قضية تفكيك دولة ٥٦ متماهية مع خط الحركات المسلحة الدارفورية و قبلها الحركة الشعبية، او تبني منظور دولة الهامش، و هذه مهمة و مع الاختلاف حول منطلقاتها صعبة و معقدة، و لا يقوم بها الا من يريد أن يفرض أجندته علي الواقع و هذه النقطة و في تقديري هي التي تنفي مقولة حميدتي التي تتحدث عن البعد عن الحكم.. فالذي لا يريد أن يحكم لا يتبني الأجندات الخطرة و هذا الأمر يجعل كل ما يقوله حميدتي يأتي مرتبطا بالشعار دون أن تكون هنالك دلائل من الواقع تسنده و هنا تتجلي مشكلة قوات الدعم السريع و قائدها، فحتي الشعار الأخير و الذي تطرحه قيادة الدعم السريع و بالرغم من اهميته و هو المتعلق بحرب الفلول، لم يتأتي هذا الشعار عن موقف أبتدرته تلك القوات، بل فان الفلول هم من أبتدر الحرب ضد قوات الدعم السريع و أصبحت هذه القوات في موقف المدافع في بداية هذه الحرب، و بعدها تم طرح شعار محاربة الفلول من قبل قائد الدعم السري من أجل البحث عن غطاء شرعي، لأنه لو تم طرح فكرة مسبقة امام الحركة الجماهيرية من قبل قوات الدعم السريع بكونها ستحارب من أجلها و قد خاضت هذه الحرب و علي هذا الأساس حينها لتطابق الموقف مع الشعار، لكن الراجح أن الشعار قد جاء ضمن نظرية (الملاحقة) و هذه النظرية هي التي حكمت حركة و تطور هذه القوات و منها ملاحقة الديمقراطية حيث تنعدم الديمقراطية داخلها، و ملاحقة مفهوم الدولة المدنية حيث أن تكوينها يتعارض مع مفهوم الدولة المدنية نتيجة لأساسها القبلي، و بالنتيجة فأن نظرية (الملاحقة) لا تبني اوطانا لكنها تخلق نسيجا من الشعارات و هذا من نشاهده من نهج عبر مسيرة هذه القوات..
خاتمة
هذه الدراسة حاولت الربط بين فشل الدولة السودانية تاريخيا و بالذي يحدث في الراهن من خلال هذه الحرب الدائرة اليوم..كما أنها ناقشت طبيعة الصراع في دار فور ملقية الضوء علي إقليم دار فور و طبيعته و من جانب تاريخي و جغرافي .. ولقد أوضحت هذه الدراسة و وفق الفرضية المرتبطة بالأبعاد الأقتصادية و السياسية و انعكاسها علي طبيعة و نشأة أي قوي، أوضحت و ناقشت طبيعة أقليم دار فور و طبيعة الصراع فيه مرتبطا ذلك بالواقع السياسي العام الذي سيطر فيه (الاسلاميون) علي الدولة و في هذه الظروف فقد تم إنشاء قوات الدعم السريع..و لقد حددت هذه الدراسة طبيعة العلاقة التي ربطت بين نظام (الاسلاميين) و هذه القوات و القوانين التي صممها نظام عمر البشير لهذه القوات و التي تمتعت عبرها بالحصانة..و من اجل الأجابة علي السؤال الرئيسي لهذه الدراسة فقد حللت هذه الدراسة و ناقشت مفهوم و مضامين قوات التحرير و الميليشيا و المرتزقة و حددت طبيعة هذه القوات بكونها لا تخرج من مفهوم الميليشيا و بجانبه السلبي الذي يرتبط بالأنظمة الديكتاتورية و بالمال مما يحولها لقوات مرتزقة..و أخيرا فقد حللت الدراسة و نظرت في مستقبل هذه القوات في مستقبل السودان مستبقة هذا المستقبل ضمن المعطيات الحالية و ضمن ربط هذه الحالة بالشعارات التي يطلقها قائد قوات الدعم السريع و مدي مصداقيتها، حيث أوضحت هذه الدراسة ان مشروع التغيير و المرتبط بتطور المجتمعات يحتاج الي الفكر الذي يتجلي في الواقع و بالتالي فأن الشعارات و التي يطرحها قائد الدعم السريع تنسجم و طبيعة الشعارات التي تم طرحها من قبل نظام (الاسلامين) و الذي نشأت قوات الدعم السريع في كنفه، حيث لم تؤدي شعارات (الاسلاميين) الا لتدمير السودان و بالرغم من قوة هذه الشعارات، و هنا تنوجد الفرضية المطروحة في الدراسة و التي تقول ان اية قوي تنشأ في ظل نظام مثل نظام (الاسلاميين) و مرتبطة به و ليست ضده بأنها ستحمل نمطه و نسقه المعرفي و هذا ما تحقق من خلال نمط الرأسمالية الطفيلية الذي انتقل لقوات الدعم السريع، و النسق المعرفي الذي لا يتجاوز الشعارات و من هنا تتم مساءلة و اختبار مشروع قوات الدعم السريع و بالتالي مستقبلها السياسي في السودان…ان اي عمل بحثي محكوم بفجوات و بفرضيات قابلة للنقد و هذا ما يتقبله كاتب هذه الدراسة و يتحمل مسؤولية الكتابة هنا و علي أسس يراها موضوعية..

المصادر
١-احمد عبد القادر ارباب- تاريخ دار فور عبر العصور-الخرطوم ١٩٩٨..بحث غوغل
٢-عبد البادي محمد ابكر – تاريخ سلطنة الداجو-
www.dajocivilization.wordpress.com
3-مصطفي محمد مسعد- سلطنة دار فور تاريخها و بعض مظاهر حضارتها – دار المصورات للنشر..كتاب علي النت..
٤-مصطفي محمد مسعد..المصدر السابق.
٥-احمد عبد القادر أرباب- المصدر السابق..
٦-سلمان محمد احمد سلمان- قوات الدعم السريع النشأة و التمدد و الطريق الي حرب أبريل- مركز ابحاث السودان ٢٠٢٣..كتاب علي النت..
٧- سليمان محمد احمد سليمان- المصدر السابق
٨- سليمان محمد احمد سليمان- المصدر سابق..
٩-سليمان محمد احمد سليمان- المصدر السابق
١٠-سليمان محمد احمد سليمان..المصدر السابق
١١-en.m.wikipedia.org.

-١٢- alarabia.net
١٣- المصدر السابق..
١٤- قدس..مفهوم التحرير- www.qudsn.com
١٥- نفس المصدر السابق
١٦- قاسم بلشان التميمي- الميليشيات ما هي؟ و لماذا..معهد ابرار معاصر- طهران- www.tisri.org
١٧- قاسم بلشان التميمي..نفس المصدر السابق.
١٨- علاء اللامي- و لماذا تستفز هذه الكلمة(Militia ) ما معني الميليشيات في العراق- الحوار المتمدن-٢٠٢١-
www.m.ahewar.or g.

١٩-Jeremy Scahill-
Black Water: The Rise of the Most Powerful Mercenary Army– Nation Books- New York- 2007

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق