سياسة

دولة القانون والخيانة العظمى

د. عبد العظيم حسن (المحامي)

اليوم الذكرى الثانية لمجزرة فض اعتصام القيادة العامة. بكل أسف، الأوضاع الدستورية والقانونية تزداد سوءاً وتعقيداً بوجه لا ينبىء بأننا نسير في الطريق الصحيح ما لم نراجع أنفسنا بنسخة صادقة للثورة. إذا سألنا عن الأسباب، فإنها وببساطة لا يجوز حصر المسؤولية عنها بالمكون العسكري الذي لم يخف منذ اليوم الأول تربصه بالثورة. للأمانة يجب أن نلقي بكل اللائمة على المكون المدني الذي ارتكب ما هو أفظع من فض الاعتصام. المدنيون لم يكتفوا بوأد جذوة الثورة وبث الإحباط وسط الثائرات والثوار، وإنما خانوهم باختطافها دون أن يتحدوا أو، على الأقل، يدفعوا بكفاءات وطنية قادرة على العبور بفترة كان معلوماً بأنها ستكون من أصعب المراحل التي ستتعرض لها هذه الثورة.

في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد يبقى لا مناص من دعوة أساتذة وخريجي وطلاب القانون بكافة المؤسسات الحقوقية ليتبنوا منصة قانونية حرة لتصحيح الملف العدلي للثورة في نسختها الثانية وذلك بالتعاون مع السلطة القضائية، وزارة العدل، معهد العلوم القضائية والقانونية والنائب العام. إذا تبنت الفكرة كلية القانون جامعة الخرطوم، على سبيل المثال، فستعيد هذه الكلية مجدها وتاريخها الناصع حيث كان لها فضل صدور أول جمع ونشر للأحكام القضائية السودانية. لكلية القانون شرف المساهمة في صياغة واحدة من أفضل حزم التشريعات والقوانين التي صدرت إبان تولي د. زكي مصطفى منصب النائب العام في الفترة من 1973 وحتى 1975. مرة أخرى بعد انتفاضة مارس أبريل 1985 إبان تولي الأستاذ عمر عبد العاطي منصب النائب العام، فتحت كلية القانون جامعة الخرطوم أبوابها للقانونيين من محامين ومستشارين وأساتذة جامعات فأعدوا ونشروا أكثر من 400 تشريع في أقل من عام واحد.

تصحيح مسار الثورة يكمن في جلوس كل القانونيين من المهنيين والأكاديميين لتتضافر جهودهم من أجل استكمال مهام الفترة الانتقالية بوجه سليم، وبعيداً عن أي حزبية أو جهوية. بالعدم، سيسأل القانونيون عن فشل اضطلاعهم بدورهم الثوري فيكونوا أكبر خونة لأعظم ثورة طالما ظلوا في شقاقهم منشغلين بصراعات شخصية جعلتهم يتقاعسوا عن دورهم الطليعي. بصراحة، ما زال كثيرون منا طافقين في حصاد الغنائم التي أتاحتها لهم أحزابهم وشللياتهم وصداقاتهم على حساب واجباتهم المهنية فتلاشت ملامح تحقيق العدالة. يظل السؤال: هل من عودة للقانونيين في ذكرى مجزرة القيادة العامة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق