
يحيى الناعبي .. شاعر من سلطنة عمان – مقيم حاليا بأستراليا
من مواليد ١٩٧٣. حاصل على الماجستير في علوم الإتصال ـ جامعة بوند ـ استراليا. حاليا أدرس دكتوراه بجامعة جنوب استراليا USQ عمل لسنوات سكرتيرا للتحرير بمجلة «نزوى الثقافية» العمانية (الفصلية).
عمل أيضا صحفي في جريدة عمان. عضو إتحاد الكتّاب في مدينة جولد كوست ـ كوينزلاند- استراليا عضو بجمعية الكتّاب والأدباء العمانية شارك في مهرجان «سيت» العالمي للشعر بمدينة « سيت» الفرنسية ٢٠١٢
له ثلاثة دواوين شعرية: « حياة بين شاهدتين» ٢٠٠٦ «أناشيد تبحث عن ضفاف» ٢٠١٤ « ذهبت وكأنها موسيقى» ٢٠١٩
نشر العديد من المقالات الصحفية محليا وعربيا.
يحيى الناعبي – شاعر من سلطنة عمان
من النافذة .. أنظر!
في المدينة المائلة
من على جبل
أنظر إلى عشب يجز بمهارة
أرى خارطة خضراء من الذكريات
أتساءل
هل للغيم رحلة واحدة
أم أن أحزانه تطارده
يبكي ويرحل إلى جهة أخرى من الكون!.
كما تفعل بنا الذكريات
لماذا علينا أن نعود إلى الماضي
وأعيننا تحدق للأمام
لماذا نذوق المرّ مرتين
مرة في فنجان القهوة
ومرة على ماض لن يعود.
أراني في مرآة ذاتي
وأرى الحيرة
تنبش بالمخلب أوراق الجسد
وأنا كالنهر
ليس عليه سوى أن يتبع مساره في الجدول.
لماذا أقلق أو أرتاب
وقد توقف الحلم
وباعد بيننا الأرق
ربما كان السراب هو الحلم والأمنية
” عش ليومك لا لحلمك”*
كيف أحمل طاقة جبارة
بإمكانها أن تفكر؟
أنغمس في الأذى
وأعلم أن بمقدوري
أن أملك خيارا خفيفا مثل جناح فراشة.
” اللا مكان”
لماذا على الجثة في قبرها
أن تجلد ذاكرتي
وأنا
أعيش في أعماق جثث حية
أشرب معها ونطعم القطط معا
واعالج نفسي من ذكرياتي
بالتأمل
أطرق أبوابا كثيرة
في الحياة والخلود.
من النافذة أنظر
نحو الأوراق الساقطة
من أشجار بعيدة
خذلتها الأمومة والتكوين
جرفتها الرياح
لترقص في غابات مظلمة
سافرت
باحثة عن إجابة
حول ماهية الحنين.
كل شيء يفنى
كل شيء
ألسنا نلاعب أنفسنا؟
ونحن نعدّ مسافات خطواتنا
نلملم أوجاعنا.. كذبتنا الأبدية
شعورنا الوهمي.
كل شيء له اجابته المزيفة
كل شيء
لكننا آلات صماء
لا تعترف بالحقيقة
نفكر في الورق المسافر بلا عودة
وحين نكتب
ننظر إلى سرب الطيور العائدة
من بعيد إلى مهاجعها
فنحنّ.
نفكر في موسيقى
تحمّلنا وزر هذا الفراق
وننسى أنّنا مُذ ولدنا
استلمنا مفاتيح الغياب.
** المقطع للشاعر محمود درويش
زيارة
يختبئ ضوء هذا الصباح
بين ملاءة السرير وبين حزن طفيف
تعوّد أن يزور القصيدة
يشرب القهوة معها ثم يمضي
أمسك بأكرة الباب
اسحب قدميّ لأطأ بهما النهار
وبيت المتنبي يزنّ برأسي
” فكان أحسن خلق الله كلهم …
وكان أحسن ما في الأحسن الشيم”
أفكر في الحسن
كم مرة التقيته؟
في سلوك الآخرين
العابرين بلا مأوى
في السفر
في جمال شقراء أسترالية
في ثرثرة طفل
في ذاكرة حملتها معي سنوات
في مقاطع شعرية لن تتكرر
في أغنية لفيروز
تذكرني بسنوات من التنقل والترحال
بين المساكن والمدن
وبقصيدتي الدمشقية الأولى في “المزة”*
منتصف تسعينيات القرن الماضي
في حانة Churchill
في امرأة تهرول في الشارع المقابل
تطرق أقدامها بخفة الكائن
الهارب من مصير إلى مصير.
الحسن الذي رأيته هذا الصباح
يشبه الحنين
لم يكن بيت المتنبي
سوى بندول تذكار
وضع ورقته أمامي
وغادر
آخذا معه الشيم.
* المزة حي على سفح جبل في دمشق
“حياة مليئة بالصخب”
في هذه المدينة المائية
نضجت مع الموت أكثر
والحب في دمي
مثل حقول الريح
وحين أكون مكبلا كأسير
يعريني الحنين
وتكون كأسي فارغة
وأحس بأني وجع
يخرج من بين النخيل
هزيلا
مثل راع يعدو في ظهيرة صيف
يتبع صداه.
في هذه المدينة المائية
تعلمت ماذا يعني
أن يغسل الماء قلبك
واخترت أن أحلم
فإن العمر سويعات
وأن الريح تحمل كل أوراق الفصول
فحلمت أني حالم أبدي
وعلمت أن سحابة واحدة
هي من يؤنس الوحدة
وأن ليالي الشتاء
كنهر من الحب
حين تشعلها الذاكرة.