خارج الحدود

العراق بين الرّسائل الصاروخيّة … والدبلوماسيّة

سميح صعب

تلقي الصراعات الإقليمية بثقلها على العراق، لتجعل منه مجدداً ساحة لتوجيه الرسائل بين الولايات المتحدة وإيران. وتصطدم مساعي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لتحييد العراق بالكثير من العقبات الكأداء التي تبرز عند كل مرحلة من مراحل التفاوض الأميركي – الإيراني لإحياء الاتفاق النووي الجارية في فيينا.

ولم يحل الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن لوضع جدول زمني لسحب القوات القتالية الأميركية من العراق، دون عودة إطلاق الصواريخ أو المسيرات المفخخة على القواعد التي تؤوي جنوداً أميركيين، ما يستوجب من الحكومة العراقية تسريع المفاوضات مع الولايات المتحدة للإعلان عن مراحل الانسحاب العسكري الأميركي على غرار ما حصل في أفغانستان.

قد يساعد هذا الإعلان الكاظمي ويعزز أوراقه داخلياً، ما دام لا يزال متوافقاً عليه أميركياً وإيرانياً، ولا يلوح في الأفق بديل منه قبل الانتخابات النيابية المقررة في الخريف. 

ومع ذلك، لن يمنع ذلك احتدام المنافسة الأميركية – الإيرانية على العراق، التي تتخذ أحياناً أشكالاً غير صاروخية، على غرار القمة الثلاثية التي عقدت الأحد الماضي في بغداد بين الكاظمي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

هذه القمة غنية بدلالاتها السياسية، أكثر مما هو معلن منها على صعيد التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث وخلق سوق مشتركة بينها.

ومن بين هذه الدلالات، أن السيسي هو أول رئيس مصري يزور بغداد منذ عقود، في رسالة تلقاها الكاظمي عندما رحب بالرئيس المصري “في بغداد العروبة”. كما أن الزيارة أتت في وقت بارك الرئيس الأميركي جو بايدن قيام مصر بدور إقليمي أوسع منذ أن انخرطت القاهرة بقوة في مساعي وقف النار في قطاع غزة في أيار (مايو) الماضي.   

ويهم واشنطن، التي ستنسحب من العراق في نهاية المطاف، أن تجد دولة عربية بثقل مصر، تبادر إلى لعب دور أكبر في هذا البلد بهدف إيجاد توازن مع الدور الإيراني. وكان لافتاً أن القمة الثلاثية عقدت غداة العرض العسكري الكبير الذي أجراه الحشد الشعبي في ديالى بحضور الكاظمي الحريص أيضاً على عدم الظهور بمظهر الخصم للحشد، ومن قبيل سياسته القائمة على الإمساك بالعصا من المنتصف.

وتخوض واشنطن معركة عدم جعل العراق يقع بالكامل تحت دائرة النفوذ الإيراني بعد الانسحاب العسكري الأميركي. ولذلك تحاول أن تجد ثقلاً عربياً في مقابل الثقل الإيراني. وقبل مصر، حصل تقارب عراقي – سعودي وتبادل للزيارات، بينما عادت تقريباً كل السفارات الخليجية إلى بغداد.

وحتى قبول واشنطن بلعب العراق دور الوساطة بين السعودية وإيران، كان من قبيل تعزيز الدور الإقليمي لبغداد، وإعادة الاعتبار لبعض من مكانتها على الساحة العربية والإقليمية، والتي قضى عليها الغزو الأميركي عام 2003. 

هذا الغزو نفسه هو الذي ألغى العراق وجعله مجرد ساحة لتبادل الرسائل، وكان مقدمة للتحولات الكارثية التي حلت بالمنطقة في ما بعد.   والغزو الأميركي هو الذي شرع باب التدخلات الإقليمية في العراق وجذب إليه التنظيمات الجهادية، من أربع رياح الأرض. 

وقد يساهم إحياء الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى في تجنيب العراق المزيد من تبعات التوترات الإقليمية، ويعزز من دوره في محيطه ولا يعود مجرد ساحة.

(عن النهار العربي)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق