آراء

هنا تكمن المشكلة ..

وليد دبلوك

جهد مضني وملحوظ ولا ينكره إلا من له شئ في نفسه تجاه الرجل ، بل حتى الذي يعقد مقارنة بين مظهر الرجل يوم ان وصل السودان لقبول التكليف ومظهره اليوم ، يجد ان الحمل الثقيل والرهق ، والتعقيد الكبير في المشكل السياسي للسودان ، قد انعكس على هيئة الرجل فبدأ كمن مكث عقدين من الزمن لا عامين …

جهود دكتور حمدوك واضحة كالشمس ، واسلوب إدارته للملفات يتميز بإحترافيه مهنية عالية اخرصت كل من قدح في مقدرات ومؤهلات الرجل ، ومما كان معينا له انه يمتلك علاقات دولية طيبة مكنته من أداء عمله بشكل طيب ..

وليس تعدادا لما قدمه ولكن بمرور سريع نجد ان شطب إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في عهد اكثر زعماء الولايات المتحدة الأمريكية تطرفا وعدم ثبات في مبادئه يشكل نصرا سياسيا  له وزنه ، وادارة ملف الديون والاعفاء منها ، ايضا يحسب لإدارة السيد حمدوك ، الذي يراس حكومة ليست من اختياره المطلق وانما فرضت عليه بهامش حرية اختيار ضئيلة بين خيارات ليست من اختياره ايضا ، في صورة تعكس عشوائية السياسة وعبثية العقلية السياسية التي تدير المرحلة الحرجة والمعقدة والتي تحتاج لعقليات وخبرات تناسبها ، ولكنه حظنا العاثر دوما ..

  محاور دكتور حمدوك بدأت تتجلى للناظرين للمشهد السياسي في السودان ، فالرجل وضع اولويات ورتب ملفات بعد ملفات ، وآمن بان إنهاء الحرب وجلب السلام هو الاساس لما بعده ودونه لايتحقق أمر ، فعمد الى طي هذا الملف ونجح الى حد ما في تحقيقه ولازال هناك بقايا حرب وبعض سلام ناقص ، ثم بعد ذلك عمد الى انهاء العزلة الدولية التي بدونها لايمكن تحقيق اي نمو وتطور ، ونجح في ذلك ايضا لحد كبير جدا . وعدنا للمجتمع الدولي بوجه طيب يعكس الحقيقة الصادقة للسودان كقطر مسالم يملك امكانات وثروات هائلة ولكنه يعجز عن الاستفادة منها بفعل السياسة الغير مسؤولة ابان الحقبة الماضية ..

  ثم انخرط دكتور حمدوك الى ملف الديون واحدث اختراقا كبيرا بشأنها ، الامر الذي له مابعده في ذهن الرجل وهو الاستفادة من فرص التمويل والقروض ، التي يسعى لتوظيفها لخلق بنية تحتية قوية تكون جاذبة للاستثمارات الدولية والاقليمية والمحلية مما يحقق النهوض بالسودان اقتصاديا ، ولكن اتوقف هنا لعرض ماجعلته عنوانا لقولي (هنا تكمن المشكلة) .. ان جلب او تدفق المنح والقروض لخلق بنية تحتية قوية ، يستلزم ان تسبقه معالجات للبنية (الفوقية) اولا ..

  رأس المال جبان ، مقولة معروفة في عالم الاقتصاد ، فأي مستثمر ، دولة او جهة او فرد لن يخاطر بماله في اي استثمار لايضمن له سلامة امواله في المقام الاول ، مهما كانت مغريات الاستثمار ، وإن انشاء اي بنية تحتية متينة وقوية من كهرباء وطاقة وطرق وخلافه ، لن تكون له جدوى وفرد واحد مثل (ترك) كمثال بمقدوره قطع طريق الصادرات والواردات ، فكيف بمستثمر يأتي بامواله الضخمة لياتي فرد ويفسد استثماره ، انما يمثل ذلك تجسيد للدولة المختلة قانونيا وامنيا والعاجزة عن فرض هيبتها فكيف تحمي الاستثمار الخارجي الجبان …

الاختلال الامني والعسكري ، ودولة بداخلها دولة موازية عسكرية ، وعدة جيوش في العاصمة وحولها ، كلها ملفات إن لم تحسم قبل تدفق المنح والقروض نكون كمن نحرث البحر ، الترتيبات الامنية تم التوافق عليها في سلام جوبا ، ولكن لم تنفذ حتى اللحظة ، وبعض القوى ترفض فكرة الدمج العسكري من الاساس مطقلة الخيال للتفكير في  كيف يمكن تخيل دولة بها تيارات عسكرية متباينة مهما تم الترويج والزعم بانها متفقة في الروية تظل الفكرة معيبة من الاساس ، عوضا عن مخالفتها الصريحة والواضحة لما تم الاتفاق عليه في جوبا …

سيدي رئيس الوزراء جهودك مقدرة ويمكنها فعلا لا قولا ان تعبر بالوطن المنكوب ولكن دون تحقيق هيبة الدولة وسيطرتها المطلقة على كامل ترابها ، ودمج كل المكونات العسكرية تحت غطاء جيش قومي واحد بلا إستثناء او معالجة لاي مكون مهما بلغ شانه ، وبناء نظام قانوني نظيف ونزية يفرض الهيبة القانونية للنظام العدلي على الجميع ، فإن العبور سيكون من الاستحالة بمكان ..

عليك سيدي رئيس الوزراء الاعتكاف نحو الداخل لمعالجة تلك القضايا الشائكة والتي لا احسبها غائبة عنك ولكن لربما انها مرتبة في اجندتك في مراحل لاحقة ، ولكني اقول انها بنية فوقية لازمة المعالجة قبل البنية التحتية ، واعلم انها معقدة وشائكة وتمس بعض الأمور الحساسة ولكن مواجهة الحقيقة المرة افضل من الدوران حولها ، جيش واحد وقانون واحد رادع ونزيه ودولة ذات سيادة مطلقة ، تلك مفاتيح العبور الحقيقي سيدي فأبدا بها …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق