سياسة

حق تقرير المصير ما بين العاطفة والقانون …

لا يحق لجبال النوبة طلب حق تقرير الانفصال (1)

نضال عبد الوهاب

تبني الحركة الشعبية برنامجها السياسي في المفاوضات مع الحكومة المركزية على تضمين حق تقرير المصير في بنود الإتفاقيات في حال عدم قيام الحكومة بإقرار العلمانية وفصل الدين عن الدولة .. من غير أن تحدد ماهية هذا الحق وكيفية إستحقاقه ..

وللأسف الشديد جداً أن كثير جداً من تغبيش الوعي والإلتفاف على القوانين الدولية فيما يخص هذا الحق مُورست وتُمارس داخل الدولة السُودانية و من نخبها و متخذي القرار بالدولة إلي عامة الناس فيها ..

يذهب الكثيرين من هؤلاء أن حق تقرير المصير هو حق لكل الشعوب في تحديد مصيرها وأنه حق أعطته المواثيق الدولية لها ، و بالتالي فُهم و تمّ تأويله على أن من حق الحركة الشعبية وجبال النوبة الحق في طلب هذا المبدأ ، بل وكُل الحركات و الأقاليم التي تري أنها مهمشة في السُودان يري هؤلاء أنهم يمتلكون هذا الحق أيضاً .. وهذا غير صحيح وفيه تجني وتعدي كبير جداً على القوانين والمواثيق الدولية و فهمها وطرق وآليات تطبيقها ، وبالتالي فيه تعدِّي واضح على حق الدولة السُودانية وجميع شعوبها التي تسكنها في المُحافظة على سيادة و وحدة بلدهم ( السُودان ) ..

حق تقرير المصير المقصود هو أنه لكل الشعوب حقها في التحرر من المُستعمر (الأجنبي) ، وهذا الحق أُضيف وأُعلن عنه مُنذ العام 1945 في مواثيق الأمم المُتحدة لكي تستفيد منه الشعوب التي كانت مُستعمرة من قوي أجنبية ودول أُخري في التحرر والإستقلال ، وقد إستفادت دول كثيرة من هذا الحق ومن ضمنها السُودان نفسه كدولة في تقرير مصيره والإستقلال من بريطانيا وعدد كبير جداً من الدول مارس هذا الحق وتحرر وإستقلّ كدولة ذات سيادة ..

تطور حق تقرير المصير لاحقاً و أصبح هنالك نوعان منه ، و هما حق تقرير المصير الخارجي أو الإنفصالي كما في حال شعب دولة كانت مُستعمرة من دولة أُخري ، أو حق تقرير مصير داخلي ويتم في إتجاه نيّل الحقوق الإقتصادية و السياسية و المزايا و يُستخدم هذا الحق في حالة ثبوت إضطهاد مورس ضد شعب أو أقليّات مُعينة و تمييز عُنصري مُثبت ضدها كحالة دولة (جنوب أفريقيا) أيام الفصل العُنصري مثلاً من الدولة المركزية ، ولكنه لا يُعطيها حق الإنفصال عنها و إنما يتم منحها حق الحُكم الذاتي على أن تكون ضمن حُدود الدولة الأم وتحت سيادتها ..

وحتي حق المصير الداخلي هذا له أيضاً شروط تجانس الأقليات هذه التي تُطالب به ، ولم يُترك أيضاً مفتوحاً ..

من هي الأقلية إذن وما تعريفها ؟

الأقلية المتجانسة هي التي لها تاريخ ثقافي مشترك وتتحدث لغة واحدة وتتكون من إثنية واحدة و لها ديانة واحدة وبهذا يتم شرط التجانس لها ، والذي يمكنها في حال تعرضها لإضطهاد وتمييز عنصري مُثبت أن تطالب بحق المصير الداخلي أو الحُكم الذاتي داخل حدود الدولة لتُحصن نفسها ضد هذا التمييز والإضطهاد الذي مورس عليها وفي ذات الوقت تُحصن الدولة الأم نفسها بحقها الواضح والمُثبت في القوانين الدولية ومواثيقه في حقي الأمن والسِّلم وحقها في وحدتها وسيادتها و مبدأ عدم التدخل في شؤنها الداخلية ، فكل هذه حقوق وُضعت لحماية الدول من الحركات الإنفصالية الداخلية من الأقليّات والقوميات داخلها ولحمايتها من التفتت وحماية السّلم والأمن لها بل ولكل العالم الذي تعيش داخل حدوده العديد من القوميات وتعدد الإثنيات و وجود الأقليّات ..

بالرجوع لشرط التجانس وتعريف الأقليّة هنا يأتي سؤالنا الهام والذي طرحناه باكراً من قبل على قيادة و منظري الحركة الشعبية جناح الحلو ، وهو ( هل إقليم جبال النوبة إقليم مُتجانس ؟؟ ) .. و ( هل شعب جبال النوبة يُمثل مفهوم الأقليّة من حيث شروط التجانس ؟؟ ) .. ويمكن أن نضيف أسئلة مثل ( ماهي الإثنيات التي تعيش داخل جبال النوبة ؟؟ ) ،  و ( هل يتحدث شعب النوبة في الأقليم لغة واحدة ؟؟ ) ، و ( هل له دين واحد ؟؟ ) ، ( هل له ثقافة مشتركة واحدة وتاريخ واحد مشترك ؟؟ ) ..

الإجابة على هذه الأسئلة ضرورية وهامة جداً لتحديد إذا ما كانت الشعوب التي تعيش في إقليم جبال النوبة تُمثل أقليّة أم لا ..

الإجابة ببساطة قطعاً لا و (لااا كبيرة كمان)..

فإقليم جبال النوبة يتكون من عدد كبير من الإثنيّات والقبائل ومزيج بينها ، وتتعدد فيه اللغات و الديانات و لهم تاريخ ثقافي غير مشترك ، فتنوعه الداخلي هذا وتعدد قبائله لا تشترك في ثقافة واحدة .. إذن شعوب جبال النوبة لا تنطبق عليها صفة التجانس وشرط الأقليّات المنصوص عليها في حالة تقرير المصير الداخلي بفعل وقوع الإضطهاد والتمييز العُنصري .. وينعدم تماماً كذلك حق تقرير المصير الخارجي فهي ليست شعب مُستعمر أو كان دولة سابقة تم إستعماره من الدولة السُودانية المركزية الحالية ..

يتحدث بعض إنفصالي الحركة الشعبية و أعضائها و من يتعاطفون معها في مسألة حق تقرير المصير بدون وعي ومنطق قانوني أن جبال النوبة مورس عليها حرب إبادة و تطهير عرقي من الدولة السُودانية ممثلة في نظام البشير والإسلاميين ، نظام البشير مارس الإبادة على اهل دارفور وتمت إدانة دولية له وموثقة ، و مارس حرب قذرة على إقليم جبال النوبة و محاولات واضحة للتطهير العرقي لكنه لم يتم إدانته ونظامه وبالتالي الدولة التي يمثلها كما حدث لإقليم دارفور  التي وصلت للمحكمة الجنائية الدولية ، وعلى مستوي عدم التمييز في المُشاركة السياسية ضحدتها الحركة الشعبية نفسها بمشاركة عضويتها في الإنتخابات العامة والتي أُنتخب فيها القائد عبدالعزيز الحلو نفسه كمنافس للحاكم بالإقليم في إنتخابات عامة تمثل الإقليم بمشاركة أعضاء الحركة الشعبية في تلك الحكومة والسلطة التنفيذية والتشريعية بها ، وهذه نقطة هامة جداً تُثبت عدم التمييز فيما يخص المنع من المُشاركة السياسية كحق دستوري لمواطني الإقليم ، و هذا شرط آخر في حال عدم إعطائه للأقليّات يُمكن أن تثبت به التمييز العنصري ضدها و المطالبة بالتالي بحق تقرير المصير الداخلي لنيّل الحقوق بفعل وقوع تمييز بين المواطنين وقتها ، مع إنه الثابت للكل أن نظام البشير والإسلاميين مارسوا التمييز والتهميش لمعظم أبناء الوطن في الشرق و الجنوب ، والشمال، بل إنه كان على إستعداد لإبادة نصف الشعب دون تمييز لإثنياته او قبائله للبقاء في الحُكم وهذا الأمر مُثبت وقاله بعظمة لسانه وأنه تلقي فتوي في ذلك حسب الهوس الذي كان فيه الرجل المريض هذا .. إذن الآن وبعد سقوط البشير السؤال الهام للحركة الشعبية (هل لا يزال يُمارس ضد إقليم وشعوب النوبة والحركة الشعبية الإضطهاد من السُلطة الإنتقالية الحالية ؟؟ ) ..

(يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق