سياسة

بأي مرجعية أخلاقية يحاكم الإخوان لجنة إزالة التمكين؟

صلاح شعيب

هناك حملة منظمة رافقت لجنة إزالة التمكين منذ تكوينها. الاستهداف يتم على مستويين. فالأول يتعلق بطبيعة إجراءاتها، إذ يكثر بعضهم من مساءلة شفافيتها العدلية، وهذا أمر مشروع، ومطلوب. أما الاستهداف الثاني فيتقصد اغتيال شخصية المسؤولين في اللجنة لدواعٍ تتماشى مع خطة تلطيخ سمعة الموظف العام.

الإخوان المسلمون هم أصحاب المصلحة في تهديم سمعة اللجنة ثم أبحث عن الباقين. ولذلك من الطبيعي أن يعمل الإخوان بمرجعياتهم كافة ضد اللجنة. ولكن الغريب أن يستهجنوا إجراءاتها من ناحية أخلاقية محضة تتعلق بالحقوق، والعدالة. فمعظمنا يعرف أن العشرية الأولى، والثانية، والثالثة، شهدت تطبيقا لقانون الغاب الإخواني، ولم يوجد هناك “قانون ديمقراطي” آخر عداه ساعتئذ.

بفتاويهم الدينية المستمدة من أيديولوجيتهم استخدموا “الشرعية الثورية” فقتلوا، واغتصبوا، وعذبوا، وحازوا على أراضي الدولة، وجنبوا مال الشعب لقضاء أغراض فئاتهم الاجتماعية بالتخصيص. أما قضاتهم الذين ينتمون للتنظيم فهم الذين صاغوا القوانين لثلاثة عقود وحدهم. ومحاكمهم الدستورية كان معظم أعضائها قادة في المكتب السياسي للتنظيم.

الإخوان السودانيون يعرفون أن الثورة قوضت دستورهم فلم يحتجوا على هذا بمفهوم قانوني، أو معيار أخلاقي، أو ديني، وليتهم يفعلوا، ولن يفعلوا. والثورة أزالت مؤسساتهم التي قامت على أساس تسنيد قانوني بذلوه فلم ينافحوا في هذا، وعسى أن يحاولوا، ولن يحاولوا. ولكنهم بالطبع يتحججون قانونيا بعسل الكلام المتراوح بين الحقوق في الدولة الديموقراطية، وبين العدالة وفق الإسلام الذي استغلوا معانيه السمحة. ذلك رغم أن الشرعية الثورية لثورة ديسمبر لم تعدم نحو ثلاثين ضباطا في الشهر الحرام، ولم تؤسس مراكز تعذيب، ولم تقم بإحالة عشرات الآلاف من الخدمة المدنية، والقوات النظامية، في شهر واحد للصالح العام. فهل لديك “ذرة حجة” لتقارن بين ثورة سموها إسلامية وثورة وجهتها ديموقراطية؟

لا مشاحة في نقد لجنة إزالة التمكين من الحقوقيين، وعامة الناس الذين يستفسرون عن عدالة إجراءاتها. وعندئذ يغدو أمام اللجنة تأكيد شفافية هذه الإجراءات، وإظهار الدليل على أنها تلتزم بشعار الثورة، حيث هو العدل، لا الظلم الذي يولد ضررا، أو ضرارا، على مواطن لمجرد أنه ثري، وينتمي للإخوان. على أنه كم كان عدد أثرياء الجبهة الإسلامية القومية، وكم أصبح عددهم بعد أن صار  رأسمالهم المتاجر استغلال القرآن الكريم، وسنة نبيه المطهرة؟!.

لو أن اللجنة ظلمت شخصا بالاشتباه، وأخذت ماله بلا وجه حق لكونه فقط كان مسؤولا نافذا في نظام البشير فيستلزمها هنا الاعتذار، ورد الحقوق فورا، وسد منافذ الخطأ في التجربة، وهذا أمر لا محيص عنه، وينبغي ألا نخجل من أي تظلم من اللجنة، وسائر مؤسسات الانتقال. أما إذا كان نقد لجنة إزالة التمكين بأنها لا تعدل لمجرد أنها تستهدف الذين سرقوا أموال الشعب فعندئذ لا معنى للحوار مع الرافضين.

لا خوف من النقد الموضوعي المعني بتحقيق سلامة إجراءات اللجنة، وأي لجنة أخرى تكونها مؤسسات الانتقال. لكن كثيراً من النقد الموجه للجنة يبدو وجهه مغرضا. بل يندرج تحت خطة استهداف كل ما يمت بصلة إلى محاولات تقويض البناءات الفاسدة التي قامت عليها دولة الإخوان المسلمين التي بناها أعضاء المؤتمر الوطني، والمؤتمر الشعبي، وجماعة الإصلاح الآن، وكل أخ مسلم غير جلده ليتهرب بلافتة جديدة تحدثنا عن ضرورة اصطحاب الحداثة في عملية الإصلاح الإسلاموي.

إن دولة القانون هي ما نبحث عنها وسط ركام الفشل التاريخي الذي سببته النخب، وليس هناك شيئا مستقيما اليوم قبل الإصلاح العام حتى يستقيم العدل. ولا نعتقد أن دولة العدل تقام عند يوم، أو ليلة، أو عام، أو عقد. فنحن ندرك أن الثورة الفرنسية واجهت ذات الظروف التي تواجهها ثورة ديسمبر، إذ شهد عقدها الأول محاولات نبلاء الإقطاع، والإكليروسيين، لتحجيمها بذات الطريقة التي يتبعها أصحاب المصلحة الخاصة الآن في بلادنا.

فالتأسيس لهذه الدولة يستلزم أولا تسوية تاريخية بين مكوناتنا الثورية لإرساء الدستور الدائم الذي يعالج كل المشكلات التاريخية الموروثة، وذلك في وقت تمخر سفينة الثورة وسط عباب لجي، وتتاقذفها الأمواج العاتية، ولا يمكن أن ترسي بسهولة لتحقق مطلق العدالة، أو السلام، أو الحرية.

هناك فرق بين أن تُخطئ كادر لجنة إزالة التمكين ليتعلموا من أخطائهم وبين أن تستهدف اللجنة ذاتها لتنتهي حتى يساوق ذلك مع تفجير كل فعل ثوري ملهم. فإذا أخطأ وجدي، أو مناع، أو غيرهما، فعلينا تصويبهم بالنقد البناء. وإذا أثبتت وقائع التقاضي أنهم فسدوا بأي قدر تمثل في استغلال مناصبهم، أو ابتزوا شركة، أو فردا، فعندئذ تجدنا أول من ينادي بمحاكمتهم. فالعدالة التي نشدتها الثورة لا تحابي أحدا مهما كان موقعه في هرم السلطة.

بعض الكتاب الإسلاميين يحتجون بأن لجنة إزالة التمكين هي الحكم، والفيصل، وهذا قمة الهراء، فما تزال الجهات العدلية هي التي تقرر، وتنظر الآن في التظلمات التي رفعها بعض الذين صادروا أموالهم. ولكن دعنا نسأل هؤلاء عن دولة الكهنوت الديني التي أقاموها لمدى ثلاثة عقود: هل كان الإخوان هم الذين يشرعون القوانين وحدهم أم كان يشاركهم أنصار السنة، وحزب الأمة، والحركات المسلحة، والجمهوريون، والاتحاديون، والشيوعيون، والبعثيون؟ وهل كان رؤساء القضاء، والنيابات العامة، والمحكمة الدستورية، يضمون فردا واحدا خلفيته من هذه الاتجاهات السياسية؟ وهل فصلت المحاكم في قضية واحدة لآلاف الذين تم تعذيبهم في بيوت الأشباح، وهل كان متاحا أن تجد مآسي دارفور، ومناطق النزاع، وقضية شهداء العيلفون طريقا للمحاكم، وهل اقتصت المحاكم لشهداء ثورة 2013 التي كادت أن تعصف بنظامهم؟ وهل شهدت المحاكم ترافعا لقضايا الفساد الإداري في الدولة ونهب الأموال العامة، والفساد في التخلص من المؤسسات الحكومية مثل مشروع الجزيرة، والخطوط الجوية، والبحرية، إلخ؟

في النظام الديموقراطي يمكن قبول أي مرجعية عدلية لمساءلة عدالة الإجراءات التي تتبعها لجنة إزالة التمكين. بل يجب الاستماع لأي شكوى من متظلم منها عبر القضاء، ورد حقوقه عاجلا، إذا حدث هناك أي تقصير. أما إذا كانت مرجعية الداعمين للعدل في نظام الثلاثين من يونيو هي التي تحاكم لجنة التمكين فتلك شنشنة أعرفها من أخزم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق