
“التأليم” … وعبثية الرسوم!
وليد عبداللطيف دبلوك
ذهبت الى مدرسة تتبع (لمؤسسة الخرطوم للتعليم الخاص) مستفسرا عن الرسوم الدراسية، واضعا في اعتباري ان الرسوم ستكون اعلى من العام الماضي بحكم ان زيادة اسعار كل شيء في هذا البلد أصبح مثل الموضة، يتبارى الجميع في التفنن فيها …
رسوم العام الماضي كانت (اربعون ألف) للتلميذ، بخلاف المستلزمات الاخرى مثل الزي المدرسي وخلافه، واضعا في تقديري الخاص ان الرسوم ستتضاعف للضعف على اقل تقدير، او بالأحرى على اعلى تقدير وتكون ثمانون او تزيد قليلا … ولكن ان تقفز الرسوم بالزانة وتشطح الى (مئتان وعشرة ألف) من الجنيهات فهذا ما لم أجد له تفسير ولم يكن في الحسبان مطلقا …
على أي اساس تم تقدير الرسوم، ام أن كل مدرسة خاصة تقرر رسومها على هواها الخاص، وهل ترجع المدارس الخاصة الى وزارة التربية والتعليم وتطلعهم على تلك النسب التي تحددها كرسوم، ام انها استغلت عدم وجود وزير للتربية والتعليم، وحددت تلك الرسوم الخرافية، ام ان امر تحديد الرسوم لا يدخل ضمن اختصاصات الوزارة …
علمت ان هنالك مدارس تبلغ رسومها مبالغ لا اجيد وضع الاصفار أمام ارقامها من كثرتها ..
ان كانت تلك الرسوم يعادلها في الجانب الآخر ارتفاع في مستوى العملية التعليمية بشكل عام ، كأن تملك كل تلميذ جهاز لوحي ، و تدخل نظم تعليم مطابقة للمعايير التي تضعها الجهات ذات الصلة ، أو ان البيئة المدرسية نفسها تم تحسينها مثل ادخال اجهزة تكييف في كل الفصول، ومطابقة الحمامات للمواصفات الصحية الحديثة ، و استخدام التقنيات المتطورة في العملية التعليمية ، فلا بأس وربما نهضم تلك الزيادات في هذه الحالة وان كان على مضض ، لكن ان تكون البيئة هي هي كما يقولون ، نفس الاوضاع و نفس الفصول و لم تجر فرشة طلاء واحدة على حائط ناهيك عن باقي التحسينات ..
انها فوضى العملية التعليمية التي ضربت كل المؤسسات التعليمية في الدولة، وستشهد المدارس الخاصة هجرة عكسية الى المدارس الحكومية، وهذا هو الوضع الطبيعي..
فقديما كان الطلاب الذين يحرزون نسب ضعيفة يتجهون للمدارس الخاصة، والذين يتفوقون و يحرزون نسب عالية يتجهون للمدارس الحكومية، لجودة و قوة التعليم فيها، وهذا هو الاصح..
ولما اتت الانقاذ وظهرت الطفيلية الاقتصادية الساعية للربح قبل كل القيم، ظهرت موجة انتشار المدارس الخاصة على حساب الحكومية التي غيبتها الثورة التعليمية المزعومة ايامها وحولتها الى جامعات مثل حنتوب وخورطقت وغيرهما ..
حري بالدولة بعد الثورة ان تركز على التعليم لأنه مفتاح التطور والتقدم ولأن انتاج تلميذ مؤهل مقتدر سيكون اكثر ضمانا لتولي اي مسؤولية في اي موضع يوضع فيه مستقبلا لأنه تلقى تعليما متقدما وصحيحا، و سينعكس اثر ذلك في نهاية الامر الى الارتقاء بالدولة و اقتصادها عبر تلميذ تلقى تعليما اقتصاديا عاليا، وعلى صحة الدولة عبر طبيب درس دراسة ممتازة، و على تعليم الدولة في ذاته عبر معلم مؤهل لتقديم تعليم راق و جيد …
ان ما نراه من تردي في منظومات خدمية عديدة يعود في كثير من الحالات الى عدم كفاءة شاغلي مناصبها لأنهم لم يتلقوا تعليما يؤهلهم لتأدية المطلوب منهم باقتدار، ودونكم اخطاء إملائية مخجلة وعدم تفرقة بعضهم بين الزين و الذال و غير ذلك من قصور و تدني، و كل هذا يعود لأن اغلبهم قد تم تفريخهم من مدارس خاصة راعت معايير الربح وليس الجودة..
على الدولة ان تقوم بواجبها الاساسي ممثلا في وزارة التربية والتعليم وتتدخل لوضع حد لهذا العبث التقديري، و ان تزور كل مدرسة على حدة عبر لجان فنية متخصصة لتقييم الوضع ومطابقة البيئة المدرسية للاشتراطات والمعايير المعتمدة من الجهات ذات الصلة و ستجدون العجب العجاب …
وإن كانت وزارة التربية والتعليم بلا وزير فأننا نرفع الامر الى مجلس الوزراء لان القضية ليست بالهينة وترتبط بمستقبل من تعول عليهم الدولة في رفعتها وتقدمها مستقبلا..
نقبل بالزيادات في الرسوم على اعتبار ان مرتبات المعلمين ارتفعت، ومدخلات العملية التعليمية ازدادت مثل الطباشير وغيره ولكن ايضا ينبغي ان تكون نسب الزيادة متوازنة، فقطعا لم تزيد مرتبات المعلمين بذات نسب الزيادة تلك، و لا المدخلات ايضا … انه نهم وجشع المؤسسات التعليمية الخاصة التي تضع الربح اولا ثم التعليم ثانيا..
على السيد رئيس الوزراء او السيد وزير شئون مجلس الوزراء ان يتدخلوا ويضعوا حدا لهذا السيرك التهريجي المبالغ، وتلك أمانة تقع على عاتقهم لأنهم مسؤولون عن مستقبل الوطن، والوطن يبنى بسواعد ابنائه، وابنائه مهددون في مستقبلهم لان الكثيرون الان حائرون في كيفية الحل وهم عاجزون عن دفع هذه الرسوم الجزافية الخرافية …
تدخلوا قبل نتحسر على ذلك العهد الذي مضى فقد بتنا نضيق ذرعا بما يحدث من انفلات في كل شيء.. كل شيء حتى أمننا وصحتنا والان اتى الدور على تعليمنا.
كسرة … هل المناهج جاهزة وكل الكتب تمت طباعتها، خصوصا للمرحلة المتوسطة التي دخلت السلم التعليمي بشكل رسمي هذا العام.. هل كل ذلك تم تجهيزه ام انه سيتم تحصيل الرسوم والباقي (يحلها الحل بلة.. !!) …
كسرة صغيرة، المدارس تفتح كيف مع الخريف الذي لازال في اوجه، ودونكم مطر الامس!!!