ثقافة وفن

عبد المنعم عجب الفيا

قراءة في كتاب الشعر السوداني (الجزء الثاني)

تقديم وعرض د. حامد فضل الله (برلين)

الفصل الخامس: محمد أحمد محجوب     

يفرد الكاتب فصلا كاملا لمحمد أحمد محجوب، بصفته أديب ومفكر وشاعر كبير سرقته السياسة وظلمته في ذات الوقت. فعندما يأتي الحديث عنه دائما يكون الجانب السياسي هو الطاغي، ويعتبرهُ أحد أهم ناقدين أدبيين ظهرا بالتزامن في تلك الفترة بعد طمبل، أي المحجوب ومعاوية محمد نور، ويشير إلى مقالاته العديدة التي نشرها بمجلتي النهضة والفجر. والمحجوب شاعر مطبوع، جزل الأسلوب، ناصع العبارة. صدرت له ثلاثة دواوين هي ديوان (قصة قلب) وديوان (قلب وتجارب) وديوان (مسبحتي ودَني) ويُعتبر الأخير في نظره، أفضل ما كتبه المحجوب من شعر.    

الفصل السادس المجذوب مجمع البحرين

“شهد النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، وأوائل الخمسينيات، بداية التحولات الجذرية في مسيرة الشعر العربي، إذ بدأت تتبلور محاولات الخروج على عمود الشعر العربي، وكانت الساحة الفكرية تعج بالتيارات والاتجاهات الفلسفية والنقدية، ومعارك الصراع الفكري والحضاري، بين أنصار التراث وأنصار المعاصرة كانت على أشدها. ومن خلال هذه الفترة، بدأ الشاعر الضخم محمد المهدي المجذوب (1918 ــ 1982) كتابة الشعر كما تكشف دواوينه”. ويشير الكتب إلى أبرز شعراء هذه الحقبة: إدريس جماع، محمد محمد علي، سعد الدين فوزي، عبد الله الطيب، منير صالح جبريل، الهادي أدم، والطيب العباسي وآخرون، ويعتبر المجذوب مدرسة قائمة بذاتها، وهو يمثل عنده ملتقى تيارات الحداثة الشعرية بالمدرسة التقليدية. ويقوم الكاتب بعرض العديد من قصائد المجذوب من دواوينه المتعددة، ويقول بالرغم من أن شعره، يغلب عليه النظم على عمود الشعر العربي، إلا أنه كتب بكل الأشكال الشعرية: عمودي، وشعر تفعيلة، وقصيدة نثر، ويقوم بتحليل هذه القصائد، والتفات المجذوب إلى المكون الأفريقي، الاِثني والثقافي، في الذات السودانية ويفاخر بأصله الأفريقي.

عندما يقول في أحدى قصائده:

عندي من الزنج أعراقُ معاندةُ

وإن تشدق في أشعاري العربُ

وفي قصيدة أخرى:

فليتي في الزنوج ولي ربابُ

تَميلُ به خطايَ وتستقيم

وفي حَقويَ من خرز حزامُ

وفي صدغيًّ من وَدع نظيمُ

وأجترعُ المريسةَ في الحواني

وأهذِرُ لا ألامُ .. ولا ألوم

طليقُ لا تقيدنــــــي قريشُ

بأحساب الكرام ولا تميم

وكان أبناء جيله والأجيال السابقة، يغفلون هذا الجانب في ذواتهم، ويكتفون فقط بالتغني بالانتماء العربي مكوناً وحيداً.

وفي قصيدة بعنوان (معرفة):

وحدي أعيشُ على بؤسٍ ومعرفة

وأكتبُ الشّعرَ ألواناً من الوجع

وهذا يذكرني بقصيدة صلاح أحمد إبراهيم، القائل فيها:

لو أنّ الشعر شواظّ لهب / لمضيت أقول الشعرَ / أقول إلى أن تفنيني الكلمات

لو أن القلب يسيل بحار لهب / لعصرت القلب عصرة / إلى أن يفلت من كفي قطرات

مثل هذا الشعر يضع بصماته في روح وجسد مبدعه.

ويقول عبد المنعم في ختام مقال المجذوب:

” وإذا كان المجذوب يرى في طمبل، أول شاعر وناقد (سودانوي)، فنحن نرى في المجذوب ثاني شاعر (سودانوي) بعد طمبل. فالمنجز الشعري العظيم للمجذوب، هو ثمرة من الثمرات الكبرى لمشروع طمبل التنويري. ليس المجذوب وحسب، بل صلاح أحمد إبراهيم، ومحمد المكي، ومحمد عبد الحي، وعلي عبد القيوم، والمحجوب، ومحمد الحسن سالم (حميد)، ومحمد طه القدال، وعاطف خيري، وكل شعراء بلادي العظام، بل وكل كتًاب القصة والرواية، هم ثمرات ذلك المشروع النهضوي السوداني، الذي وضع لبناته الأولى طمبل ومعاوية وأولاد عشري، والمحجوب، وعرفات، ورسخه المجذوب ومحمد محمد علي، وآخرون كثر جاءوا من بعدهم”.

الفصل السابع: قصيدة وحدة التفعيلة في السودان

ثورة الشعر السوداني في الستينيات

“لم تتحول قصيدة التفعيلة عند الشعراء السودانيين إلى موجة أو حالة عامة إلا في مطلع الخمسينيات حيث بدأ عدد من الشعراء الشبان الذين كانوا يقيمون بمصر نشر تجاربهم الشعرية الجديدة وأصدروا دواوينهم الأولى في فترات متقاربة”. ويشير إلى الفيتوري وديوانه الأول (أغاني أفريقيا) في عام 1955، وكذلك الشاعرين  جيلي عبد الحمن وتاج السر الحسن، ومحي الدين فارس، وحسن عباس صبحي. وقد تم نشر دواوينهم قبل نشر صلاح عبد الصبور ديوانه الأول (الناس في بلادي) سنة 1957، أحمد عبد المعطي حجازي وديوانه الأول (مدينة بلا قلب) في عام 1959. ومن السودان صلاح أحمد إبراهيم ديوان (غابة الأبنوس) في عام 1959 وكذلك قصائد محمد عثمان كجراي في الصحف والمجلات. ويقوم بشرح وتحليل بعض القصائد البديعة من الشاعر الفيتوري. ويقول بأن قصيدة التفعيلة نضجت واستوى عودها في السودان في ستينيات القرن الماضي، ويذكر شعراء تلك الفترة، محمد المكي إبراهيم، والنور عثمان أبكر، ومحمد عبد الحي، وعلي عبد القيوم، ومصطفى سند، وعمر عبد الماجد، وعبد الرحيم أبو ذكرى وغيرهم، ويقدم أمثلة لإشعارهم. وظهرت في السبعينيات أصوات شعرية منها: كمال الجزولي، وعالم عباس، وفضيلي جماع، وعبد القادر الكتيابي، ومحمد نجيب محمد علي، ومحمد محي الدين وغيرهم. وظهرت في الثمانينيات أصوات شعرية جديدة أيضاً منهم: ألياس فتح الرحمن، ومحمد مدني، وأحمد الغالي، وعاصم حنفي، وعبد الله شمو، ومحمد عبد القادر، وعبد المنعم الكتيابي، ويوسف الحبوب، والطيب البرير، والمعز عمر بخيت، وروضة الحاج وغيرهم.

الفصل الثامن: قصيدة النثر في السودان

” ظهرت بدايات هذا النمط من الكتابة الاِبداعية في السودان في شكل محاولات معزولة متباعدة، وتم ازدهار قصيدة النثر في عقد السبعينيات من القرن الماضي، وصارت الغلبة في إنتاج الشعراء الشباب. ويقول بأن محمد المهدي المجذوب أول شاعر سوداني يكتب (قصيدة نثر)، ويشير إلى التجارب التي يجدر التنويه بها، تجربة الشاعر، التجاني سعيد، ومحمد عبد الحي(حديقة الورد) ومن الذين سجلوا حضورا منذ التسعينيات، يذكر على سبيل المثال: عاطف خيري، محمد عبد الخالق، محمد عبد القادر سبيل، الصادق الرضي، بابكر الوسيلة، حاتم الكناني، محجوب كبلو، أسامة الخواض، كلتوم فضل الله، بهجة جلال، نجلاء عثمان التوم، أنس مصطفى، محمد الصادق الحاج، نصار الحاج، بله محمد الفاضل، أحمد النشادر، مأمون التلب، مصطفى عجب، محفوظ بشرى وآخرين. ويقول وقد بلغ بعضهم مستوىً رفيعاً من الكمال في هذا النمط من الكتابة. فهم يكتبون قصيدة النثر بكل جمالياتها المعروفة في أرقى النماذج التي تكتب عالمياً. ويشير إلى عاطف خيري وديوان(الظنون)، ويعتبر عاطف خيري عبقرية شعرية فذة واشتهر بفرادته الشعرية، وإلى محمد عبد الخالق ووضوح الصورة والفكرة في شعره، ويقدم نماذج عديدة من قصائدهما.

الفصل التاسع: موسيقى الألفاظ والأفكار

في هذا الفصل مادة تعليمية قيمة، يتحدث عن موسيقى الشعر من الوزن ومن الجَرس، أي الموسيقى الداخلية، وإلى علم البديع والمحسنات اللفظية: السجع والتكرار والجناس والتضمين وعن المحسنات المعنوية (الطباق، والمقابلة والتورية) وهي التي تولد موسيقى المعاني والأفكار. إن الطباق والمقابلة القصد منهما، المقارنة بين المعاني والصور وتناظرها، ويُعرَف الطباق بأنه “الجمع بين الشيء وضده في الكلام”.

الفصل العاشر: إشكالات وتحديات قصيدة النثر

يقول “برغم من الانجازات والفتوحات الشعرية، فإن قصيدة النثر، تواجه بعض الاِشكالات والتحديات. ومن ذلك إنها قصيدة النخبة، كونها تتطلب من القارئ حصيلة معرفية واسعة ووعى جمالي معقد، لا يتوفر عند كثير من الخاصة، دعك من عامة القراء، كما إنها كُتبت لتُقرأ لا لتُلقى أو تُسمع لتخليها عن الوزن والقافية وهما أساس الإنشاد الشعري، وكذلك مشكلة الغموض الدلالي ويواصل، فلو تأملت الرؤى الفكرية لقصيدة النثر العربية، منذ الستينيات وحتى اللحظة، لوجدت أنه تغلب عليها الرؤى العبثية والعدمية للوجود، وفقدان الاِحساس بالمعنى والمعقولية. وهي السمات الفكرية التي لازمت قصيدة الحداثة في الغرب منذ نشأتها، وكذلك نزعة التجريب اللاهث الذي لا يعرف حداً ولا نهاية أو استراحة أو إقامة في أي شكل أو أسلوب، قطعاً لا جدال أن التجريب من حيث المبدأ، أصل الفن والأدب، ولكنه وسيلة وليس غاية في حد ذاته…”

الفصل الحادي عشر (خاتمة الكتاب): صوت شعري جديد

“في الوقت الذي تتسيد فيه قصيدة النثر ساحة الاِبداع الشعري العربي، هل علينا صوت شعري جديد أعاد وحدة التفعيلة اعتبارها وجماهيريتها التي افتقدتها على مدى الثلاثة عقود الأخيرة، أنه الشاعر السوداني الشاب، محمد عبد الباري، من مواليد 1985م،  فهو موهبة شعرية كبيرة”. ويقدم الكاتب نماذج كثيرة من قصائد متعددة للشاعر الشاب ويتولاها بالشرح والتحليل.

بعد هذا العرض المكثف لهذا الكتاب الكبير، أود أن أبدي بعض الملاحظات القصيرة:

ــ أن مصطلح (قصيدة التفعيلة) صكه ناقد الأدب السوداني الأستاذ عز الدين الأمين في مطلع عام 1962، (أنظر عبد الله محمد الغَذامي، تأنيث القصيدة والقارئ المختلف ص 22)، لا أدري، لماذا لا يذكر الكاتب ذلك؟

ــ ذكر عبد المنعم أسماء العديد من الشاعرات السودانيات، ولكن كل أمثلته واستشهاداته وتحليلاته الضافية تعود إلى قصائد الشعراء الذكور.

ــ يرى العلامة عبد الله الطيب أنه سبق نازك الملائكة والسياب وغيرهما في كتابة شعر التفعيلة، ويشير عبد المنعم إلى قصيدة عبد الله الطيب اليتيمة بعنوان (الكأس التي تحطمت)، التي يعود تاريخها إلى أبريل 1946، ويرى عبد المنعم، أن قصيدة الطيب مزج من وحدة التفعيلة والكتابة النثرية، وهي لا تخلو من أصداء لقصيدة لـ تي اس إليوت. “ولا شك أن محاولات مبكرة ظهرت في العراق منذ 1919 ومحاولات أخرى في مصر وفي لبنان وجميعها سابقة ولكنها مجرد محاولات فردية معزولة وغير فاعلة ولم تتمخض عن حركة واعية، كما أنها جميعها لم ترق إلى مستوى إبداعي لافت، ولم تشتعل حركة الشعر الحر إلا في عام 1948 أي بعد سنة من تجارب نازك والسياب، وهذا رأى يميل إليه عدد من الباحثين منهم محمد النويهي وإحسان عباس، ولذلك يُنسب الحدث إلى نازك وبدر” (عبد الله محمد الغَذامي، مصدر سابق، ص 34).

ــ يختار عبد المنعم نصوص الشعراء بعناية شديدة ويخضعها إلى تحليلاته الثرية والعميقة ويظهر جوانبها النحوية والصرفية وحتى شرح بحور القصيدة وكشف المستور عن آفاقها اللغوية والدلالية والبلاغية والجمالية، ويقدم بذلك فائدة للقارئ غير المتخصص فائدة لا يستهان به.

ــ كتاب عبد المنعم يشمل الأدب والشعر والنقد الأدبي ويؤرخ لمسيرة الشعر السوداني، ودليل لطلاب الثانويات والجامعات ومرجع للمعلمين والأساتذة لا غنى عنه، بجانب ذلك فهو كتاب ممتع يجمع بين التاريخ والفكر والأدب.

ــ التحية للأستاذ عبد المنعم لهذا السِفر الهام، وفي انتظار المزيد من إبداعاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق