خارج الحدود

سقوط “الإخوان المسلمين” أم إخفاقهم في المغرب؟

منير أديب

الخسارة التي طاولت “الإخوان المسلمين” في المغرب هي جزء من تراجع التنظيم في المنطقة العربية، يبدو هذا التراجع في صورتة السياسية، خسارة مقاعد في البرلمان أو حتى خسارة حكومة سبق أن قاموا بتشكيلها، والحقيقة أن تنظيم “الإخوان المسلمين” يمر بمرحلة ما قبل الإنهيار الكامل وإن كان يعيش تداعياتها، وما حدث في المغرب هو جزء مما حدث لـ”الإخوان” في عدد من البلدان العربية، فضلاً عن أنه من الصعوبة وصف هذا الانهيار بمجرد الخسارة أو حصر ما يمر به التنظيم بمجرد التراجع أو حتى الإخفاق. 

يحاول حزب “العدالة والتنمية” المغربي أن يخلع عباءة التنظيم الدولي لـ”الإخوان” رغم أنه جزء لا يتجزأ من هذا التنظيم، وله في عنقه وعنق أتباعه بيعة لمرشد التنظيم “المصري”، فضلاً على أن أعضاء الحزب تربوا على أفكار المؤسس الأول حسن البنا، ويتلقون أفكاره التي ربما تخالف، ليس فقط القانون المغربي، ولكنها ضد مفهوم الدولة الوطنية، عدم ظهور أي سلوكيات من “العدالة والتنمية” في هذا السياق لا يعني أنها غير موجودة. 

دخل “إخوان” المغرب ساحة العمل السياسي من خلال الانتخابات وخرجوا منها بالطريقة نفسها، ولكن هذا لا يُعني أنهم ليسوا جزءًا من تنظيم “الإخوان المسلمين” وأفكاره، لا يمكن أن يقبل تنظيم “الإخوان” بوجود فرع له إلا إذا كان متبنياً كل أفكار التنظيم ويخضع لقراراته ويقوم  بتنفيذ تكليفاته، والتي غالباً ما يصوت عليها غير المغاربة على اعتبار أن مكتب الإرشاد ومرشدي التنظيم كانوا وما زالوا مصريين، وهنا حزب “العدالة والتنمية” له انتماء فكري وتنظيمي بـ”الإخوان”، ونفي الارتباط أو التقليل منه يعني عدم وضوح الرؤية. 

وهنا نستطيع القول إن تراجع “الإخوان المسلمين” في المغرب هو جزء من تراجع التنظيم عموماً؛ هذا التراجع فكري إيديولوجي في المقام الأول، وأي خسارة سياسية هي مجرد إنعكاس لانهيار مشروع التنظيم، والذي بدأنا نلحظة في منطقة الشرق الأوسط التي صعد فيها إلى السلطة. 

حصل حزب “العدالة والتنمية” على 13 مقعداً من أصل 125 مقعداً كان قد حصل عليها في انتخابات 2016، ولم ينتهِ التراجع عن هذا الحد، بل خسر أمين عام الحزب ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في الدائرة التي ترشح فيها أمام مرشح يبدو مغموراً بالنسبة الى رمز “الإخوان المسلمين”! 

اختصر “العدالة والتنمية” ما حدث له في أنه تراجع سياسي وطالب الأمين العام السابق ورئيس الحكومة السابق عبدالإله بن كيران، سعد العثماني بتقديم استقالته، حتى يختصر المشهد في فشل بعض القيادات في إدارة الصراع السياسي، والابتعاد عن السبب الحقيقي وراء التراجع ممثلاً بانهيار مشروع “الإخوان المسلمين”، وأن ما حدث في المغرب مجرد رد فعل أكبر من وصفة بالتصويت العقابي أو الإخفاق في إدارة بعض الملفات في هذا البلد الأفريقي. 

سقوط “إخوان” المغرب إمتداد لسقوط مشروع “الإخوان المسلمين”، والذي بدأ بمصر ثم تحركت أحجار الدومينو بعد ذلك إلى أن وصلت إلى المغرب مروراً بالسودان وتونس، كان السؤال الذي نطرحه دائماً، لماذا تأخر سقوط “الإخوان” في هذه البلدان؟ وليس لماذا سقط التنظيم في هذه البلدان؟ البحث لم يكن عن الدلالات، بل كان عن تأخر السقوط. 

من الخطأ الشديد اختزال سقوط “الإخوان المسلمين” في المغرب بمجرد إخفاق للحزب السياسي الذي يمثل التنظيم، ما حدث لم يكن سقوطاً سياسياً ولم يكن إخفاقاً أو تراجعاً، وإن كان كذلك في صورته، ولكنه إمتداد لحالة السقوط، والسقوط السياسي مجرد إنعكاس للحالة التي نرى التنظيم عليها الآن. 

سقوط “الإخوان المسلمين” سوف يأخذ وقتاً، فالتنظيم يتواجد في أكثر من ثمانين دولة، وهنا نرى أن هذا السقوط يتم بصورة متدرجة، اذ يتهاوى الجسد الكبير والممتد؛ لن يسقط هذا الجسد مرة واحدة ولكنه يفقد اجزاءه  واحداً تلو الآخر حتى يتم إعلان وفاته بصورة كاملة فيصبح التنظيم مجرد سطر في كتب التاريخ تحكي سيرة أفكار كانت تحض على الكراهية والقتل لجماعة لم يعد لها وجود حقيقي على أرض الواقع. 

الأدل على أن ما حدث في المغرب من تداعيات سقوط مشروع “الإخوان المسلمين”، أن السقوط بدأ في مصر والتي تتواجد فيها القيادة المركزية للتنظيم وهي موطن المرشد العام لـ”الإخوان” منذ تأسيسة على يد حسن البنا، وهنا نؤكد أن ما حدث لهم كان رفضاً شعبياً لم يسبق له مثيل، تولد هذا الرفض من رحم المعرفة التي كان يفقتدها الشعب المصري لفترة طويلة؛ عندما تولد الوعي الذي بنت عليه الجماهير رؤيتها الصحيحة والدقيقة ثارت على التنظيم، وأهمية هذه الثورة أنها كانت مبنية على قراءة التنظيم قراءة دقيقة. 

سوف يكون من السابق لأوانه القول إن “الإخوان المسلمين” قد انتهوا بشكل كامل، هناك جهود كبيرة للقضاء على بقايا التنظيم، فضلًا عن تفكيك بقية أفكاره التي قام وما زال عليها، وهو ما يحتاج إلى وقت وجهد ومتابعة، بخاصة أن التنظيم يبحث كثيراً عن بدائل يقوم من خلالها بإعادة إنتاج نفسه مرة ثانية، لا سيما أنه عبر عمره الممتد نجح في إعادة تقديم نفسه بعد أن تعرض لاخفاقات سياسية، صحيح أنه فعل ذلك من خلال رفع بعض الشعارات المزيفة ولكن في نهاية الأمر نجح في مقصدة، فالجهود التي لا بد أن تبذل في هذا الشأن لا بد من أن تكون مضاعفة حتى تكون المواجهة حقيقية وذات أثر ملموس وأن تصب في خانة المواجهة الفكرية. 

مشروع “الإخوان المسلمين” قائم على الشعارات المزيفة التي لا أصل لها في الواقع؛ تستخدم هذه الشعارات في محاولة التأثير في مشاعر النّاس، وبخاصة المشاعر الدينية والروحية، ويستغلون في ذلك علاقة النّاس بالدين، شعارات بلا مضمون “مزيفة”، وقتها لفظت الجماهير هذا التنظيم، وهو ما حدث بالفعل في أغلب البلدان العربية. 

تحضرني في هذا السياق شعارات “الإخوان” في الدفاع عن القضية الفلسطينية والتي اقتربوا بسببها من قطاعات عريضة من هذه الجماهير وكانت تقاس وطنية التنظيم وعروبته من هذه الشعارات، حتى أتضح أنها مجرد شعارات، وكان ذلك واضحاً من تأييد سعد الدين العثماني، ريئس حزب “العدالة والتنمية”، فرع “الإخوان المسلمين” في المغرب، لإقامة علاقات مع إسرائيل، فقد كان مؤيداً لهذا السلوك، وهو ما كشف عن متاجرة التنظيم بالقضية الفلسطينية تحت مسميات العزة والكرامة والجهاد وغيرها من تلك التي استقطبوا من خلالها قطاعات عريضة من النّاس بينما في الحقيقة يقيمون علاقات قوية معها. 

هاجم “الإخوان المسلمون” في الجزائر سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية وربطوا ما بين سقوطه وموافقة بلاده على إقامة علاقات مع إسرائيل، والحقيقة أن السقوط مرتبط بشكل أكبر بمتاجرة هؤلاء بالقضية الفلسطينية؛ يرفعون شعارات بينما سلوكهم يخالف هذه الشعارات، وهو ما سبقهم إليه الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، والذي كتب رسالة الى رئيس الوزراء الإسرائيلي يصفه فيها بـ”عزيزي بيريز”، كل التنظيمات المتطرفة ذات خطابين، أحدهما علني وآخر سري، خطاب داخلي وآخر خارجي. 

وهنا نستطيع أن نلمح مدى التناقض بين سلوك التنظيم “المخفي” وسلوكه المعلن، بين ما يضمرون وما يعلنون، مجرد تسليط الضوء على هذه المساحة التي تخفيها تنظيمات الإسلام السياسي وحركة “الإخوان المسلمين” كفيل بسقوط مشروعهم الأيديولوجي إلى الأبد.  

(٭نقلًا عن النهار العربي)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق