
ياسمين فلاحي*
منعطفات الحياة كثيرة لا تعد و لا تحصى و لا مفر منها إلا بمواجهتها، لكن أحيانا يكون التخفيف من ثقلها بالاتكاء على سند يقويك في ضعفك و يمسك بذراعك حين توشك هذه الأخيرة على الالتواء، و حين يصبح الجميع ظروفا و أشخاصا و محطات أعداءَ و غرباء، البعد عنهم واجب و التخلص من المشاعر التي تراكمت بفعل مخالطتهم هدف لا شك في الوصول له، و في الغالب السند هم الذين نضعهم في صفنا عندما يصطف الكل دونا عنا، السند هم الذين نحب بعد الله تعالى و تبارك و بعدك أنت نفسك.
لا يكفيك مشقة التعبير سوى الذين إذا ما هرولت إليهم سبقوك بالأحضان و إذا ما رفعت عينيك توسلا أخفضوا أجنحتهم باطمئنان، فلا الإحراج له سبُل و لا الخوف يتسرب منتشيا، كلاهما يختفيان، تمر على الجميع، دول غريبة، تدخلها منبهرا و تغادرها بالعتاب، فيخيب ظنك و يعود مستحسنا ففي أحبتك رأيت ما لم تره في الأوطان.
النفس كئيبة و العقل مفتون، الأرض ضيقة و إن رحبت و السماء و إن طالت تنطوي عليك بقسوة، انتكاسة تلي مثيلتها و الفؤاد يهيم بشوق لمن ينسج بيديه الحكيمتين خيوطا من القهر و الضنك العتِيّان، فيرسم لوحة الراحة بعد طول عناء فتفيئ عن حزنك و تسلك طريق الصواب، لا ضير في حياة جوهرها أرواح هي كل الحياة.
الذين حين تأتيهم بالعشوائية لك منهم فهم وإدراك، و إذا أرهبك سوء الفهم منهم فاجأوك بالحكمة و غاب عنهم اتهام أو عراك، لأنهم يعرفون جيدا معدنك و يلتمسون فيك السجية الطيبة التي لا تقوى أمواج الحياة المتبدلة على طمسها أو المساس بها، لأن الأصل فيك الطيبة و الأصل فيهم الود و الوداد، لا الشمس غابت إن حضروا و لا القمر مغتال بل هو براق و بشعاع.
تغدو عابر سبيل حين تلقي بك الأيام في زوبعة العالم صلبة القشرة و تؤلمك القسوة و ذكراهم تعطف عليك و تربت على كتفيك بحب و أمان، فيغمرك الامتنان و يرافقك واجب رد الجميل على بعد كل خطوة تخطوها و في تسلقك لِقِمَّة نجاحٍ و أنت تعلوها، ليت كل الذين التقت بهم أعيننا كانوا مأوى من الزمهرير ، مدفأة و نار رحمة، ليت كل الذين طبعوا أسماءهم في ذاكراتنا بالآلام عوضوها بالأفراح، نتمنى و نتمنى لكن للخالق خير أقدار، و لحسن الظن به طريق أولها صبر و آخرها هدايا مغلفة بالأنوار.
أولئك الذين يكفوننا مشقة التعبير يستحقون منا الشكر الجزيل لا بكلمة ملؤها مجاملة و تكبد عناء بل يدفعها حب و إخلاص و تفاني، للذين سبقونا بالخير و علينا إجابتهم بأرقى الأجوبة، حروف تقبع في الذهن طويلا و ترسو على سفينة السعادة بحبور، هدية تترسخ بين الممتلكات و تتربع على عرشهم بقوة حضور، التفاتة سخية تجدد الوئام و تنشر عبقه فعبقه أحلى العطور، ذكريات يخطها قلم الزمان و يحفظها و إن ولى لعقود و قرون، فالعقل يأبى حينها أن يرمي بمن كوَّنوا نضجه و قادوه بسرور، إنهم أولئك.
قد تغنيك نفسك عمن سواها لكنها أحيانا تفقد التحكم و تحتاج لمن يعيد لها السيطرة.