مجتمع

أطفال “الأمهات العازبات” بالمغرب …

عبدالعالي الطاهري

هي إشكالية مجتمعية تأخذ لبوساً وصيغة حقوقيتين في بعدهما الإنساني، يتعلق الأمر بوضعية “الأمهات العازبات” بالمغرب، وهي الوضعية التي لطالما كانت محط نقاش وجدل كبير في المملكة ولعقود من الزمن،حيث باتت تؤرق المجتمع المدني المهتم بقضايا المرأة؛ فحسب أرقام دراسة وطنية في المغرب حول الأمهات العازبات أجرتها جمعية “إنصاف للدفاع عن حقوق المرأة” بتعاون مع الأمم المتحدة، سُجّل “وجود نحو 30 ألف حالة حمل للعازبات في المغرب، لافتة إلى أنهن “يُعانين من الإقصاء والرفض والتمييز وحتى الاستغلال”.

أرقام الدراسة المذكورة، تشير أيضاً إلى أن “سبعة من كل عشرة آباء مستقبليّين يتم إبلاغهم بحالات حمل خارج الزواج، لكن معظمهم يرفض الاعتراف بالمولود”.

وجاء إلغاء محكمة مغربية لحكم سابق أقرَّ بحق طفلة وُلدت خارج إطار الزواج في نسب أبيها، أعاد الحديث والجدل في المغرب عن “الأمهات العازبات” وحق أطفالهن في إثبات النسب والحصول على كامل حقوق البنوّة.

إلى ذلك رصدنا النقاش حول هذه المعضلة المجتمعية التي لها تبعات  سلبية بل وكارثية خاصة على الأطفال، لا قدَّر الله، في حال عدم إقرار خطة شاملة لمواجهتها والحد من استفحالها.

وبالعودة إلى الحكم القضائي المذكور، فقد ألغت محكمة الاستئناف بمدينة طنجة، حكماً قضائياً صادراً في نهاية شهر يناير 2017، عن المحكمة الابتدائية بالمدينة ذاتها، كان قد اعترف للمرة الأولى في المغرب بحق الأبُوَّة لطفلة وُلدت خارج إطار الزواج.

الحكم الاستئنافي، أعاد الجدل من جديد حول ما يُعرف في المغرب بـ “الأمهات العازبات” وحقوق أطفالهن، كما أنه أثار خيبة وغضب العديد من الهيئات الحقوقية والمدنية المغربية، لا سيما أنه جاء بعد الحكم الأول (الحكم الابتدائي) الذي أقرَّ للطفلة بعلاقة الأبوة بناءً على اختبار للحمض النووي كانت الأم قد تقدّمت به، وهو ما اعتُبر حينها “سابقة قانونية” في المغرب و”حُكماً تاريخياً” للأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج.

الحق في الأمومة.. من حلم إلى كابوس!

بأسى، وصوت مختنق خافت، تخبرنا مريم (اسم مستعار) 17 سنة، من نواحي مدينة آسفي المغربية، أنها كانت حامل بجَنين ذكر، من شخص يكبرها بخمس سنوات كانت قد دخلت معه في علاقة عاطفية منذ فترة دراستها في السنة الختامية للمرحلة الإعدادية، لتتطوّر بينهما العلاقة وتجد نفسها حاملا منه.

“كان دوماً يعِدني بالزواج وإكمال العلاقة في الحلال، كما أن عائلته كانت على علم بعلاقتنا التي دامت عامين”، تقول مريم في تصريح إعلامي، مُضيفة بأن أسرتها علمت بخبر حملها لكن بعد مرور أكثر من ستة أشهر.

مريم، التي عاشت لأشهر عديدة بمقر للرعاية الاجتماعية تابع لجمعية “إنصاف للدفاع عن حقوق المرأة” بمدينة الدار البيضاء مباشرة بعد إنجاب مولودها، أكدت أنها تابعت الأب قضائياً، وهوالذي “أنكر حملي منه قائلاً إنه عقيم ولديه ما يثبت ذلك طبياً”، مريم التي أردفت قائلة ” لم يكن الحكم القضائي لصالحي أنا  وإبني، لأضطر لتحمل مسؤولية إعالته وتربيته لوحدي،بعد خطأ أتقاسم مسؤوليته أنا والشخص الذي وثقت فيه  وخان الثقة..!!”.

العدالة..تناقضات الأحكام القضائية؟

حالة من صميم الواقع..!

وعن الأسباب التي دفعت محكمة الاستئناف  بمدينة طنجة إلى فسخ ومن ثمة إلغاء الحكم الابتدائي، الذي وُصف بـ “ثورة هادئة” في قانون الأحوال الشخصية بالمغرب، يقول أحمد كنون، محامي الدفاع عن أمّ الطفلة المعنية بالحكم القضائي (م.ن) إنه لا يعلم بالتحديد المستندات القانونية التي بَنَتْ عليها المحكمة الاستئنافية بطنجة حكمها الصادر يوم 11 أكتوبر 2017، لأنه توصَّل فقط بمنطوق الحكم دون تفاصيله، معتبراً أن “الحكم الابتدائي كان مطابقاً للصواب، لأنه جاء معلّلاً تعليلاً علمياً وقانونياً واضحاً على عكس الحكم الاستئنافي الأخير الباعث على الأسف”، يضيف كَنون.

في الوقت نفسه، لم يُخفِ المحامي كنون، في تصريح صحفي نيّته اللجوء إلى الطعن في الحكم الاستئنافي الأخير، قائلاً إنه “واثق من إنصاف الطفلة أمام محكمة النقض التي نضع كل آمالنا على عاتق قُضاتها، باعتبارها أعلى سلطة قضائية في المغرب”.

الأطفال.. ضحايا منظومة مجتمعية قبل أمهاتهم

وفي ذات السياق المرتبط بالواقع المحبط للأمهات العازبات بالمغرب، أكدت بشرى غياتي، رئيسة جمعية “إنصاف” للدفاع عن حقوق المرأة أن “الضحية الأكبر هم الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج، فهُم لم يختاروا آباءهم وليسوا مسؤولين عن إخراجهم إلى هذه الحياة”، واصفة، في معرض حديثها، القرار القضائي المذكور والصادر عن استئنافية طنجة بـ “الفضيحة الحقوقية التي تضرّ بصورة المملكة المغربية قضائياً وحقوقياً رغم أن الدستور في أحد فصوله ينص صراحة على ضمان الدولة للحماية القانونية والاجتماعية لجميع الأطفال مهما كانت أوضاعهم العائلية”.

غياتي عبرت عن استيائها من الحكم الاستئنافي ضد الطفلة بعد الاعتراف سابقاً بنَسَبها لأبيها، قائلة إن “المغرب بلد يساعد فيه القضاءُ الرجالَ على عدم تحمّل نتيجة أفعالهم ومسؤولياتهم المترتبة عن علاقات جنسية خارج إطار الزواج على حساب رضيع”، وأضافت “مؤسف أن يُشجِّع المشرّع المغربي على وقوع حالات مماثلة في المستقبل لأنه لم يكن رادعاً”.

جديرٌ بالذكر أن الجمعية المغربية ” إنصاف”، المعروفة بدفاعها عن حقوق المرأة، كانت قد أطلقت، في شتنبر 2017، حملة إلكترونية تحت شعار “كفى من ظلم الأطفال الذين وُلدوا خارج إطار الزواج”، دعتْ من خلالها السلطات التنفيذية والتشريعية في المغرب، إلى إقرار تشريعات “يحظى في إطارها كافة الأطفال المغاربة بالحقوق الأساسية ذاتها أيّا كانت أوضاع والديهم عند تكوّنهم”.

استثناء محفز..القضاء المغربي يُقرُّ حق أم عازبة في الحصول على دفتر عائلي.

أصدر القضاء الاستعجالي بالمغرب قراراً يعتبر من بين القرارات القضائية المبدئية، حيث أقرَّ بحق الأم العازبة في الحصول على دفتر عائلي (دفتر الحالة المدنية).

▪︎ملخص القضية:

تعود فصول القضية إلى حوالي ثلاث سنوات خلت، حينما تقدمت  أم عازبة بمقال استعجالي إلى رئيس المحكمة الابتدائية بمدينة سوق الأربعاء الغرب تعرض فيه قضيتها، والتي مضمونها أن لها إبنة من أب مجهول، وقامت بتسجيلها في سجلات الحالة المدنية، لكن السلطات المختصة رفضت تسليمها دفترا عائلياً بعلَّة أنَّ الأم العازبة لا يحق لها الحصول عليه ( الدفتر العائلي)، وأضافت بأنها مهاجرة بالديار الإسبانية وتكافح من أجل إتمام إجراءات التجمع العائلي المتعلقة بإبنتها، والتي تستلزم الإدلاء بالدفتر العائلي أمام السلطات القنصلية الإسبانية”.

الأسباب القانونية المعتمدة في الحكم :

إعتمدت المحكمة في تكوين قناعتها ومن ثمة إصدار حكمها، على المقتضيات الواردة في مدونة الأسرة، التي تجعل من الأم نائبة شرعية عن أبنائها في حالة غياب الأب. وطبقت هذا المقتضى على حالة الأم العازبة التي أغفل قانون الحالة المدنية  التنصيص على حقها في تسلم دفتر عائلي. وعزَّزت المحكمة هذا الاجتهاد القضائي الحديث بالاعتماد أيضا على مقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة، التي تنصُّ على مسؤولية الدولة في اتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم، لتخلُصَ إلى أنَّ المصلحة الفضلى للطفلة تقتضي إعداد كافة الظروف الملائمة لإنجاز دفتر عائلي في إسم والدتها وتضمينه كافة البيانات المقررة قانونا المتعلقة بهما، وهو حق طبيعي من حقوق الطفل التي تنص عليه كافة التشريعات والقوانين المنظمة.

قرار المحكمة:

أمر ضابط الحالة المدنية لمكان سكنى المدعية بتسليم الدفتر العائلي للمدعية يتضمن كافة البيانات القانونية اللازمة، مع شمول الأمر بالنفاذ المعجل.

تساؤل مفصلي وجوهري:

هل يضع هذا الاجتهاد القضائي الاستثنائي الحديث، حدًّا لإقصاء الأمهات العازبات من الحصول على الدفتر العائلي من منطلق كونه حق دستوري طبيعي؟

سبق للعديد من المنظمات الحقوقية، النسائية منها على وجه الخصوص، أن أثارت قضية التمييز الذي تعاني منه الأمهات العازبات على مستوى الحصول على الدفتر العائلي ( دفتر الحالة المدنية)، ذلك أن الفصل 23 من القانون المتعلق بالحالة المدنية، ينص على أن الدفتر العائلي يُسلم للزوج، كما تُسلم نسخة منه للزوجة المطلقة أو الأرملة. وقد أدى التطبيق الحرفي لهذه المقتضيات من طرف ضباط الحالة المدنية إلى حرمان الأمهات العازبات من حقهن في الحصول على دفتر عائلي، لأن النص القانوني لم يشملهم بهذا الحق بشكل صريح. والمأمول أن يضع هذا الاجتهاد القضائي المبدئي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمدينة سوق الأربعاء الغرب حداً لمعاناة الآلاف من الأمهات العازبات المحرومات من هذا الحق الطبيعي، المتمثل في الدفتر العائلي، بسبب التمسك بالتأويل والتطبيق الحرفي لبعض النصوص القانونية، علاوةً على عدم تحيين وملاءمة مجموعة من القوانين مع مقتضيات مدونة الأسرة، هذه الأخيرة التي أقرَّت حق المرأة في الولاية على أبنائها على قدم المساواة مع الرجل.

عائشة الشنا..أمٌّ وهبت حياتها ل “الأمهات العازبات”.

علَّقت الناشطة والمناضلة النسائية المغربية الرائدة، السيدة عائشة الشنا، على إعطاء القضاء الاستعجالي المغربي الحق لأم عازبة في الحصول على الدفتر العائلي صادر عن مصالح الحالة المدنية المكلفة بالسجلات العائلية في البلاد ، وصفتها بأنها خطوة إيجابية في مجال حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن غير المعترف بهم في المغرب، وأكدت أنَّ “الانتصار الحقيقي للأم العازبة هو جعل الآباء البيولوجيين يعترفون بأبنائهم بطريقة علمية وبقرار صادر عن القضاء”.

وأضافت السيدة الشنا ” فرحتُ كثيرا بهذا الحكم القضائي، وأُرحب به، إذ إنه لأمر جيد وجد مشجع أن تحصل الأم العازبة على دفتر الحالة المدنية لأبنائها”، لتضيف ” الأم العازبة تعيش وضعاً لا تحسد عليه”، داعية ” إلى التعامل مع الأمهات العازبات بإنسانية أكثر”.

يذكر أن السيدة عائشة الشنا هي واحدة من أهم وأكثر المناضلات  المدافعات عن الحقوق النسائية وخاصة الأمهات العازبات، واعترافاً وتقديرا لمجهوداتها الجبارة والقيِّمة في هذا الإطار ، فقد حظيت بالتكريم في العديد من المناسبات والملتقيات على المستويين الوطني والدولي، علاوةً على توشيحها بالعديد من الأوسمة، لعلَّ أهمها كان وسام الجمهورية الفرنسية، جوقة الشرف من رتبة فارس، وكان ذلك سنة 2014 من طرف السفير الفرنسي بالمملكة المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق