سياسة

سفينة بَوْح

الجبَّار لا يتحالف مع طاغية!

هيثم الفضل

تهديد الشعب السوداني بمآلات الأمور التي حدثت في ليبيا وسوريا والعراق واليمن حتى لا (يسترسل) في ثورته ضد الظُلم والطُغيان ودولة الحركة الإسلامية المستحوذة على الوطن عبر مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش السوداني ويكتفي (قانعاً) بنصف ثورة أو أقل، هو في الحقيقة كلمة حق أُريد بها باطل، فمن وجهة نظري الشخصية من (العيب) و(الظٌلم) أن ننظر إلى ما يحدث في تلك البلدان على أنه (مُجرَّد) حالة من الفوضى وانعدام الأمن والحياة الرخية لشعوبها المُتطلِّعة للسلام والحرية والعدالة مثلنا، لأن ما سبق ذكرهُ هو الجزء الفارغ من الكوب، ويُمثِّل الفرعية الثانوية في ما يحدث في تلك البلدان، السؤال الهام الذي يجب أن يُطرح : ما هو المنظور الرئيسي والحقيقي لما يحدث في تلك البلدان ؟، وما هو الجزء المملوء من الكوب في ما نراهُ من ظلامية واقعها، ولماذا تتَّخذها الأنظمة الشمولية الغاشمة (نموذجاً) للانهيار والدمار يُدفعها لتوظيفهِ كتهديد لكل من تسوِّل لهُ نفسهُ الخروج من قُمقُم الخضوع والإذلال والانعتاق من الطُغيان ؟.

المنظور المُشرق لما يحدث في تلك البلدان، وبغض النظر عن التفاصيل المُعقَّدة لمُجريات الأحداث والضالعين فيها بما فيهم تدَّخُلات المحاور الإقليمية والدولية، هو كونها في نهاية الأمر (ثورات) قاعدية شعبية اندلعت ضد الظلم والديكتاتورية واستحواذ قلةٍ من بنيها على موارد ومُقدَّرات البلاد، ثورات إذا جرَّدناها من تفاصيلها الدميمة، تُنبي عن توق تلك الشعوب (مثلنا) إلى الحُرية والسلام والعدالة والمساواة والاحتكام إلى دساتير تفرض عدم ديمومة الحكم وتوريثهُ، والتداول السلمي للسطلة، والذي لا سبيل إلى تحقيقهُ على أرض الواقع دون إسقاط الطُغاة وبناء مؤسسات الدولة المدنية الديموقراطية.

وإن طال أمد تلك الثورات واستفحلت سوءات النضال من أجل إحقاق الحق فيها، فهي في نهاية الأمر نتيجة حتمية لتحلَّي ثوارها ورافعي راية الحق فيها، بالعزيمة والإصرار والقُدرة على المواصلة في مسيرة النضال، التي و إن طالت فإن نهايتها نصراً حتمياً للحق الذي ينادي به الحقانيون فيها من أصحاب المواجع والمظالم، هذا ما جبل الله عليه مسيرة الكون وأيَّدته قوانين الحياة وطبيعة الأشياء عبر تجارب التاريخ وما سارت عليه الإنسانية في قرونٍ مضت.

الإصرار والعزيمة والاستماتة في النضال من أجل المطالب الثورية المُستحقة في مواجهة الطُغاة، يمكن أن تكون نتيجتهُ استطالة أزمان العَنَت والإرهاق والمُعاناة والفوضى وخسارة الأرواح وسكب الدماء، لكن هل يعيب هذا الثورات؟ ويجعلها بُعبُعاً يُخيفُ به الطُغاة شعوبهم ليستمروا في نهش حقوق البلاد والعباد؟، بالتأكيد لا، وإلا لما استمتعت بلدان مُعاصرة نراها اليوم بأعين المُتحسَّرين على حالنا، بما ترفُل فيه من قيِّم العدالة والحرية والسلام، حصلت عليها عبر نضالات استمرت عشرات بل مئات السنين ضد الحكم الديني والإقطاعي، لكنها في النهاية انتصرت بالعزيمة والإصرار والاستماتة، وقبل كل هذا وذاك بعناية الواحد القهَّار الذي لا ولم يتحالف قط مع ظالم وطاغية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق