ثقافة وفن

مؤلم ان العصافير لا تخصني

يحيى فضل الله

إشعل سيجارتك الاخيرة

و أعلم بان الارض

ليست للجميع

حرض حراسك

و إتئد

بعثر حنينك في المكان

علق على وتر التباريح القديمة

صبحا من ودار

ها هو قمرا يناوش شرفة

لا تتسع إلا لأحلام الرجوع

شارع يهديك عتمته

و يخالف وقع خطوك

و يبتذل الترنم بأغنية

تخص غربتك المكان

إشعل سيجارتك الأخيرة

و اعلم بان الارض ليست للجميع

اشعلها

زحزح خريفك

عن السحب الكذوبة

و انتحارات النهار

جادل شتاء الروح بدفء من حنين

غادر حواسك حين عزلتها تصيبك بالتبلد

و تقذف بانفعالك في متاهات الخواء و الدوار

لا الليل يغويك بنجمته الشريدة كي تقود قوافل الذكري نحو التفاصيل الحميمة

لا وردة يربك عطرها نزق الدواخل في هذا المساء الانعزال

عصفورة الصبح لا تمنح

الشباك بانغلاقه الزجاجي زقزقة تحرض في خباياك العميقة ما تراكم من غناء عصافير الصباح المتقافزة على حوائط الجالوص

و شجرة السدر التي زامنت ما تبلور من تأمل بعلائق قد تشتبك او تبين

هي عصفورة لا تخصني

مؤلم ان لا تخصك العصافير

السياج الذي أعبره، سياج حديدي مطلي بالسواد يفصل العمارة ذات الثلاث طوابق عن فناء يتباهى به صاحب العمارة و بناته و اطفال بناته الي درجة إغلاق الباب المؤدي الي الفناء

الحوش بالسوداني

بطبلة كبيرة، يجادل عيوني هذا السياج دائما حين انحرف يسارا نحو السلالم، يذكرني بكل معاني الانغلاق، هذا السياج، حين أعبره تعبرني جفوة تمنع، تربك، بل تغتال تألفي مع المكان، خطواتي علي السلالم لا أملك إلا ان احس و اتحسس رتابتها

و اتحسس مفتاح الشقة الذي يلازم جيبي و أعرف ان اسوأ ما اكتسبت في طشاشي هذا هو حمل المفاتيح، كم أكره حمل المفاتيح، احب الابواب التي تجافي المفاتيح، باب الحوش، ذلك الموارب بتشهي يعانق القادمين، و الحوش هنا مسيج بالحديد و مغلق الباب.

اشعل سيجارتك الاخيرة

و اعلم ان الارض ليست للجميع

إشعلها

و اعرف ان الضحكة ليست للجميع

إشعلها

و ازحم فراغ الدواخل

فراغ لا يحتمل

ازحمه بالذكريات

بالذكريات مرتبكة الدواخل.

الذكريات المرتكبة

هذيان الحنين

حاول إعادة ترتيب الدواخل

حاول ان تهزم نثر المكان الركيك

وانتمي لشعرية

تصطاد كثافتها

البليغة

كي تشف روحك

علي مجمرة من شجن

لا استطيع ان انفذ رغبة داليا و حسن و مصطفي في هذا الحوش، ها هم ينظرون الي ذلك الفضاء الواسع المغلق تجاه رغباتهم، ينظرون عبر نافذة المطبخ، يتعلقون احيانا بالنافذة و يقفون عليها بتزاحم حميم و يقذفون بنظراتهم نحو ذلك الفناء

و يشتهون ان تركض خطواتهم هناك، خاصة انهم كان و عبر هذه النافذة يتفرجون علي اطفال بنات صاحب العمارة و هم يلعبون هناك، هناك؟  ترى كيف تبدو المسافة بين هذا الاشتهاء الطفولي و بين  فكرة ذلك الغلق و الانغلاق؟، كيف تبدو تلك المسافة بالنسبة لهم؟

إشعل سيجارتك الاخيرة

و اعلم ان دعاة الركاكة

حتما سيتهمونك بالحنين

إشعلها

و انت لا تملك إلا هذا التحديق في الدواخل

الدواخل المضيئة بلمبات من ذكري

ذكري لزمان يخصك في كل شيء

لمكان يخصك في مفصل التفاصيل

هل تري سأجد مكان يخصني؟

هل سأجد زمانا يخصني؟

تري، هل سأجدني و اتواجد حتي ولو في المناطق المحررة؟

اي مناطق محررة تلك؟

هل استطيع في نسيج الذكرى و الذكريات

ان أحرر منطقة تخصني

في الدواخل؟

إشعل سيجارتك الاخيرة

و اعلم بأن الارض ليست للجميع

إشعلها

و تأكد ان العصافير

هنا لا تخصك في شيء. فالأرض ليست للجميع

و سماؤك ليست هنا

إشعل سيجارتك الاخيرة

و اعرف بان السماء ليست للجميع

إشعلها و توغل في النجيع

حرض حواسك و انتفض

و علق علي وتر التباريح القديمة صبحا من ودار

زحزح خريفك

عن السحب الكذوبة

و انتحارات النهار

جادل شتاء الروح

بدفء من حنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق