سياسة

السياسة الدولية تحت ظروف الوباء: الاتجاهات والآفاق لعام 2021

تحرير: باربرا ليبرت / ستيفان ماير / فولكر بيرتيس

تقديم وترجمة حامد فضل الله / برلين (أوراق المانية)

صدر عن مؤسسة العلوم والسياسة – المعهد الألماني للسياسة والأمن الدولي – برلين، دراسة حديثة بالعنوان أعلاه، قام بها عدد كبير من باحثي المؤسسة. الدراسة تقع في 90 صفحة وتحتوي بجانب المقدمة على فصلين وخاتمة.

جاء الفصل الأول بعنوان “النظام الدولي والديناميكيات العالمية”، ويضم الأبحاث التالية: المتغيرات للنظام القادم: ثلاثة سيناريوهات. كوفيد ــ 19 والاقتصاد العالمي: تحديات لألمانيا وأوروبا. لا ازدهار للحكم الشعبوي في زمن كورونا. لا “إغلاق” للعنف، كوفيد ــ 19 يعمق من مخاطر نشوب النزاعات ويزيد من صعوبة التعامل معها. البلاد سريعة النمو ووباء فيروس كورونا. هشاشة أكبر في أفريقيا والحاجة إلى استعدادات على جميع المستويات. آثار وباء كوفيد ــ 19 على الهجرة الدولية. على مفترق طرق: توزيع لقاح كوفيد ـ 19، وضوح الانعطاف؟ تشكيل سياسة المناخ الدولية واستدامتها. تأمين التوريد: تخطيط لديناميات السوق وتحولات السلطة. أما الفصل الثاني بعنوان “أوروبا ومحيطها”، ويضم: الاتحاد الأوروبي والوباء: باعث للتكامل مع تأثير غير مؤكد. السياسة الخارجية والأمنية في ظل الوباء. الرعاية المرنة في أوقات الأزمات: مزيد من التنسيق عبر السياسات، بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. “الصفقة الخضراء” أزمة مستحكمة. الاضطراب الاِقليمي في الجوار الجنوبي لأوروبا، فاعلي الصراع ومتابعة المصلحة الذاتية بإصرار. كوفيد ــ 19 وإدارة الأزمة في المانيا. أما الخاتمة فجاءت بعنوان “آفاق عام 2021”: العام الثاني للوباء والفرص، إنعاش التعاون المتعدد الأطراف من جديد. سوف نقوم بتقديم وترجمة بعض هذه الأبحاث تباعا، ونبدأ بتقديم كلمة مدير المؤسسة البروفيسور فولكر بيرتس. تم اختياره كممثل خاص للأمين العام ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) لدعم الانتقال في السودان.

الوباء والسياسة الدولية: نظرة تمهديه عامة

فولكر بيرتيس

يعد وباء كوفيد ــ 19 ثالث صدمة ملموسة لبداية القرن الحادي والعشرين. فإن نطاقه، على عكس الهجمات الإرهابية في أيلول (سبتمبر) 2001 والأزمة المالية والمصرفية في 2007/2008، فهو يؤثر في الواقع على نطاق عالمي وبشكل مباشر على جميع الناس في جميع دول العالم تقريباً، وأن كان بدرجات مختلفة. لا يزال من السابق لأوانه الإدلاء بأي تصريحات نهائية حول كيفية تأثير الوباء على السياسة الدولية. ومع ذلك، يمكن الافتراض بدرجة عالية من اليقين بأن الجائحة وعواقبها ستستمر في تشكيل الظروف الدولية، وعلى مستوى التعاون والتنمية الداخلية لعدد كبير من البلدان في الوقت الحالي، وحتى لو تم تطوير لقاحات فعالة وتم السيطرة على المرض.

منذ بداية الوباء، يدور نقاش حول ما إذا كان الوباء يمثل لحظة تغير تاريخي هامة فحسب، أو يمثل بالأحرى تغييراً متسارعاً في مسار التاريخ. تظهر المساهمات في هذه الدراسة حقيقة، بأن بعض الاتجاهات الدولية، التي كانت معروفة قبل الوباء، اكتسبت قوة أثناء مساره. ولكن، ما يتضح بشكل عام، وجود انقطاعات لهذا الاتجاه أيضاً. ويبدو السؤال الأكثر إثارة للاهتمام وذو صلة سياسية، بأن تسارع التطورات الحالية لا تعني ببساطة المزيد مثلها في فترة زمنية أقصر، وإنما تتحول أو يمكن أن تتحول إلى تغيير نوعي.

لذلك يوجد بلا شك الخطر، بان تزايد عدم المساواة ليس يؤدي إلى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية فحسب، بل إلى صراعات مسلحة تزعزع استقرار مناطق بأكملها. بالعكس كذلك، لا يمكن استبعاد أن يكون التغيير النوعي، بمثابة نموذج يحتذى به، إذا تم تحقيق تعاون دولي ناجح في توزيع اللقاحات. يمكن لهذا المثال أن يساعد في إزالة الحواجز المتعددة الأطراف، أمام العمل، على الأقل في مجالات سياسة أخرى. توضح نظرة مقارنة لمجالات مختلفة من النشاط في مناطق العالم، بأن كوفيد ــ 19 أصبح عاملاً طوال الوقت، لكن الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة ليست موحدة أبدًا، ولكنها دائمًا عرضية. بالإضافة إلى الظروف الهيكلية ذات الطبيعة الاقتصادية أو الجغرافية أو الديموغرافية، وتوافر الموارد المادية والقدرات التقنية والمؤسسية، تلعب قضايا الحوكمة دوراً رئيسياً أيضاً – أي كيفية تنفيذ الحوكمة على المستوى الوطني أو الدولي. وهذا يعني، أن العواقب طويلة المدى للوباء كظاهرة طبيعية تظل معتمدة على صنع القرار السياسي أيضاً. من المتوقع أن الدول التي تمر بالأزمة بشكل جيد نسبياً، يجب أن تواجه توقعات أعلى من المجتمع الدولي – أو بعبارة أكثر إيجابية: ستكون مطلوبة كشركاء في التعاون. لقد تم حتى الآن، تأكيد هذا لألمانيا. لذلك يأتي تساؤلنا في معظم المساهمات، عما يمكن ويجب لألمانيا والاتحاد الأوروبي أن يساهما ليس من مصلحة ذاتية مفهومة جيدًا، لاحتواء الوباء فحسب، بل ولدعم البلدان والمجتمعات الأخرى في التعامل مع العواقب أيضاً، وتقوية التعاون الدولي وجعل العالم ككل أكثر مرونة. تلعب الديناميكيات الجيوسياسية دوراً في التغلب على كوفيد ــ 19، والتحديات الفعلية التي يفرضها الوباء على المجتمع الدولي. وهكذا استغلت كل من إدارة دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية والحزب الصيني، وقيادة الدولة، الوباء محليًا وكجزء من التنافس الاستراتيجي بينهما. كما قدمت الأزمة أسباباً أخرى للسعي من أجل تأكيد الذات الأوروبية أيضاً – ومن أجل المزيد من السيادة الأوروبية أو الاستقلال الذاتي – على الأقل فيما يتعلق بمدى أمان ووثوق سلاسل التوريد. أن النظرة الكلية، تؤكد مساهمات هذه الدراسة، قبل كل شيء، على أن قضايا الاستدامة، تمثل مركزية للسياسة الوطنية والأوروبية والدولية لبلورة المهام التي تنشأ استجابة للوباء. كما لا تقل أهمية توسيع الاسئلة المتعلقة بقدرة ألمانيا وأوروبا على العمل في مواجهة المنافسات المستمرة بين القوى العظمى، وهياكل النظام الدولي المتعثرة، والصراعات العنيفة في المنطقة الجغرافية المجاورة.

النظام الدولي والديناميكيات العالمية.

هناك أسباب وجيهة لافتراض أن فوز جو بايدن الانتخابي والطريقة التي يتعامل بها اللاعبون الآخرون في جميع أنحاء العالم، سوف يؤثر على النظام الدولي في السنوات القادمة، أكثر من الوباء. ومع ذلك، فإن للوباء تأثيره على هذا النظام أيضاً. كما يمكن أن تساعد السيناريوهات في تنظيم أفكارنا وكذلك لعرض الفرص والمسارات غير المرغوب فيها. وبذلك يمكن تحديد الأسئلة المتعلقة بخيارات العمل في مجالات السياسة التي سوف يتم تحليلها في هذه الدراسة. تبرز في السناريوهات الثلاثة التي طورها لارس بروزوس وهانس ماول بشأن أهمية الاتحاد الأوروبي في التعامل، والتي تشمل القدرة على التعامل المشترك مع فاعلين متعددي الجنسية وغير حكوميين أيضاً.

تتجلى الطبيعة العالمية للوباء أولاً وقبل كل شيء في آثاره الاقتصادية. لقد تسبب في أعمق ركود اقتصادي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لكنه ترك بصماته على مناطق العالم، بدرجات متفاوتة. من المرجح أن تستمر الصين وشرق آسيا، كما أوضح كل من هانس جونتر هيلبرت وبيتينا رودلوف وباول توكارسكي، بأن تستمر الصين وشرق آسيا، في اكتساب وزن نسبي في الاقتصاد العالمي. غالبا ما تكون العواقب الاقتصادية للوباء مصحوبة باعتبارات عصيبة. يؤكد كوفيد ــ 19 أهمية الاقتصادات المستدامة، ولكن في الوقت نفسه أصبحت الشروط أكثر صعوبة، التي بموجبها يجب تنفيذ أجندة النمو المستدام. وبغض النظر عن مقدار المطلوب من الاتحاد الأوروبي لتقليل نقاط الضعف الأوروبية في توريد السلع الحيوية، يجب أن يعمل من أجل المزيد من التعاون والتنسيق الدوليين – على عكس الاتجاهات الحمائية التي تكثفت في جميع أنحاء العالم في أعقاب الوباء. أخيرًا وليس آخرًا، من المهم الحفاظ على قواعد تجارية موثوقة ومتعددة الأطراف.

وكما ظهر سياسياً أيضاً، لا يمكن، تحديد الاتجاهات دائما بوضوح. ومثلما أوضح كاي أولاف لانج وكلوديا زيلا، فإن الوباء لم يساعد دائمًا الحكومات الشعبوية أو الاستقطابية أو الاستبدادية على تعزيز أو توسيع قوتها. ومع ذلك، تزدهر في أوقات الأزمات، سياسة الاستقطاب في كل مكان تقريبًا. وهذا درس يجب أن يؤخذ على محمل الجد في ألمانيا. لا يزال يتعين استكشاف إلى أي مدى ساهم الوباء والتعامل معه من قبل إدارة ترامب، في عدم تجديد انتخاب الرئيس الأمريكي. الشيء الوحيد المؤكد اليوم، بأن نتائج دراسة الرأي العام بالغت في تأثير كورونا على نتيجة الانتخابات.

كما لا يمكن إثبات الروابط السببية المباشرة بين الجائحة والنزاعات العنيفة؛ ومع ذلك، فإن الآثار غير المباشرة واضحة. حتى الدول التي كانت هشة في السابق، أصبحت الآن أقل قدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها وفي بعض الحالات تترك المجال لفاعلين متشددين غير حكوميين. تستغل القوى الإقليمية أو القوى الكبرى المتنافسة، الوباء: على الصعيد الدولي وفي أوروبا أيضًا، تتوفر موارد أقل للتعامل مع النزاعات. لذلك، أوصت كلاوديا مايور وماركو أوفرهاوس ويوهانس تهم وجوديث فورات، بسياسة ألمانية وأوروبية لوقاية الأزمات، بإعطاء الأولوية لتلك الدول الهشة التي يهدد كوفيد ــ 19 وضعها الداخلي بحدة.

البلاد السريعة النمو هي الأكثر تضررا اقتصاديا. وفي نفس الوقت، فإن الأزمة توسع اتجاه التمايز بينهم. وكما كتب جانيس كلوج وجونتر مايهولد وستيفان رول وكريستيان فاغنر، فأن هذا التطور سوف يستمر في الغالب. ما يهم هنا، المكان الذي يحتله كل منهم على خريطة سلاسل القيمة العالمية؛ ومن ناحية أخرى، يتعلق الأمر، قبل كل شيء بالظروف السياسية المحلية والمتطلبات المؤسسية لكل دولة. ينبغي على أوروبا أن تقدم الدعم بشكل خاص إلى الأكثر فقراً، في البلاد السريعة النمو – من خلال تقديم اللقاحات وكذلك مع تخفيف الديون. وهذا بدوره يجعل من الممكن الضغط من أجل سياسة اقتصادية تحافظ على البيئة أو تحترم حقوق الإنسان.

كان رد فعل الدول الأفريقية، التي يتم التركيز عليها هنا بشكل خاص، مختلفًا تمامًا تجاه الوباء. كما يتضح هذا من مساهمة سوزان بيرجنر وميلاني مولر وأنيتا فيبر وإيزابيل فيرينفيلس، ساهم الفيروس بشكل أساس في زعزعة الاستقرار حيث تهدد النزاعات الداخلية بالفعل التماسك الاجتماعي. فكلما قلت قدرة الدول والحكومات على إمداد السكان وحمايتهم، كلما زاد خطر اكتساب الجماعات المتطرفة والجماعات المسلحة قوة. ومن ناحية أخرى، مع الثقة الأساسية في القيادة السياسية، فإن الدول التي تعاني من ضعف المؤسسات أو البنية التحتية، ظلت إلى حد ما مستقرة. حتى أن بعض الدول الأفريقية تمكنت من توسيع قدراتها في إدارة الأزمات من خلال المشاركة الفعالة للفاعلين في المجتمع المدني، وكما ساهمت المنظمات الإقليمية بفعالية، في تسخير خبرات الأوبئة السابقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق