ثقافة وفن

مثقفون بحرينيون كُثر أسهموا في تنمية المناخ الثقافي والأدبي بالمنطقة الشرقية من السعودية

إضاءة حول العلاقات الثقافية بين البحرين والسعودية في عهد الصحافة

خالد أبوأحمد

حين بدأ العهد الأول لصُدور الصُحف في البحرين منذ أواخر الثلاثينات من القرن العشرين وحتى خمسينياته برزت من خلال هذه الصحف وخاصة (جريدة البحرين) ومجلة (صوت البحرين)  أسماء لامعة من المفكرين والشعراء والأدباء من المملكة العربية السعودية والبحرين أسهموا اسهاماَ كبيرا في تنمية العلاقة الفكرية والثقافية والأدبية بينهم وتطويرها أمثال الأساتذة محمد على لقمان، والشاعر عبدالله محمد الشارخ، والمفكر أحمد الراشد المبارك من المملكة العربية السعودية، أمثال الشاعر عبدالرحمن المعاودة، والأستاذ عبدالرحيم عبدالملك روزبة، والأستاذ على التاجر ولتفصيل أدق نسوق هنا نموذجا لحيثية أدبية مهمة من حيثيات ذلك الاتصال، وهي حيثية لقضية أدبية هي قمة في القضايا الأدبية في الخليج إبان أوائل أربعينيات القرن العشرين، قضية استغرقت محاضرها صفحات من أعداد (جريدة البحرين) عام 1941 ووصلت بعض صبغ في محاضرها إلى تعابير حادة كان أطراف هذه القضية بإيجاز هي أن الشاعر عبدالرحمن قاسم المعاودة قام بنشر رباعيات شعرية في (جريدة البحرين) وحين اطلع عليها أدباء شعراء من السعودية والبحرين وجد بعضهم فيها ضعفا في الأسلوب، وركاكة في التعبير فنشر أحدهم ويدعى ابن الرومي من الاحساء نقدا لها في نفس الجريدة فرد عليه المعاودة.

ثم دخلت أطراف أخرى في القضية من كلا البلدين، فصار المتحاورون فيها فريقين الأول إلى جانب ابن الرومي، والآخر إلى جانب الشاعر المعاودة، فكان الأستاذ أحمد الراشد المبارك، والأستاذ علي التاجر إلى جانب ابن الرومي، وكان الاستاذ عبد الرحيم عبد الملك روزبة ويوسف ساتر إلى جانب المعاودة ولقد استفحلت محاضرة هذه القضية الأدبية وكادت تستمر لولا تدخل الشيخ الشاعر عبد الحسين الحِلي لوقفها ونجاحه في ذلك نجاحا كبيرا.

وبعد احتجاب (جريدة البحرين)، وخلال خمس سنوات قبل صدور مجلة (صوت البحرين) في أواخر عام 1949 لم تجد روح تلك العلاقة جسدا تتقمصه لتمارس من خلاله شيئا من حياتها الأدبية ، فلما صدرت صوت البحرين بادر بعض الأدباء السعوديين مباشرة بالإسهام في تغذيتها بنشر نتاجهم فيها كان على رأس قائمة هؤلاء الأدباء كُتاب وشُعراء أمثال محمد سعيد المسلم، وأحمد الراشد المبارك، وناصر سليمان بوحميد، وعبد الرسول الجشي، عبد الله القرعاوي، أحمد عبد الغفور عطار، وحسن عبد الله القرشي.

وفي ذات السياق فقد أسهم مثقفون بحرينيون أمثال فهد الظاعن، محمود المردي، ومحمد المنصوري ومهدي خزام في تنمية المناخ الثقافي والأدبي، في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، في إصداد صحف البحرين الأسبوعية كـ(القافلة) و(الوطن) و(الميزان) و(الخميلة) وما تلاها من صدور بعض الصحف الأولية بالمنطقة الشرقية من المملكة كـ (قافلة الزيت) و(الإشعاع) و(الخليج العربي)، اتسعت قاعدة التلاقي والاتصال بين مثقفين وأدباء وشُعراء بحرينيين، وسعوديين حتى وصل الأمر بالأدباء والشعراء العرب إلى أن يحسبوهم كأعضاء في اتجاه أدبي واحد، فقد دعوا عينة منهم ويمثلها الشاعر الأستاذ ابراهيم العريض، والأستاذ حسن جواد الجشي من البحرين، والأستاذ محمد سعيد المسلم، والشاعر ناصر بوحميد إلى تجمع أدبي عربي في بيروت دعا إليه البير أديب صاحب مجلة الأديب اللبنانية عام 1952م وذلك حسب ما نشرته مجلة (المجلة) اللندنية في العدد 355 بتاريخ 26 نوفمبر 1986م.

المشاركة الثقافية بين الجانبين

وخلال النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، والنصف الأول من ستينياته ظل المثقفون السعوديون يسهمون بتواضع من خلال العمل الثقافي والفني في أحدث جهاز للإذاعة المرئية آنذاك في الخليج، ولن ينسى مشاهدو تلفزيون الظهران آنذاك تلك الثلة المثقفة من الشباب البحريني في الظهران أمثال الأساتذة عيسى أحمد الجودر، وأحمد راشد العبسي، ومحمد الخطيب، وهم يؤدون واجبهم اليومي، ومع ذلك فإنه في مقابل ذلك النشاط الثقافي الجزئي بين المثقفين السعوديين والبحرينيين فان هذه الفترة تميزت وحتى السبعينيات بركود في حركة استمرار العلاقة الثقافية والأدبية بين المثقفين والأدباء والشعراء السعوديين والبحرينيين. ويذكر الأديب البحريني المعروف مبارك الخاطر موضحا صورة الواقع الثقافي في تلك الفترة فيقول «فيما عدا ما تقوم به المجالس العليا للشباب والرياضة في الخليج، من تنفيذ لقاءات ثقافية وشبابية ليس للأدباء والشعراء والمفكرين الكهول نصيب فيها الا لملء الفراغات، فان الاتصال العلائقي في الثقافة والأدب بين مناطق الخليج في دول مجلس التعاون، وبالأخص بين السعودية والبحرين ما زال يحبو والأمل كبير أن يتولى مسؤولو الثقافة في الخليج والجارة الكبيرة المملكة العربية السعودية الدعوة إلى مؤتمر للأدباء في الخليج وآخر لمؤرخيه تسفر عنهما توصيات بإقامة مجلس واحد للثقافة والفنون والآداب لدول مجلس التعاون أو ما يشبه ذلك من مراكز أو مؤسسة، يبقي بعد ذلك كله الحديث عن العلاقة المشتركة بين البلدين في مجال التراث الخاص بهما (التراث الشعبي) وهو حديث ذو شؤون وشجون وخاصة في جزئياته كالموسيقى والرقص والألبسة والأطعمة والأشربة، والفن المعماري، والتشكيلي وهو مالا يتسع له المجال في هذه العجالة» (اخبار الخليج البحرينية مقال للاستاذ مبارك الخاطر يوليو 1982م.

ما بين الاحساء والبحرين

تفصيل أدق فإنّ التاريخ الثقافي القريب يحدثنا عن هذه الحقبة فيذكر أسماء رجال أجلاء في كل من مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية أسهموا إسهامها كبيراَ في توطيد العلاقة الثقافية والأدبية بين البلدين،  وخاصة بين كل من الأدباء والشعراء والعلماء في الإحساء والبحرين كان هناك تواصل مستمر بين الشعراء والأدباء من آل خليفة كالشيخ الشاعر ابراهيم بن محمد آل خليفة، والشيخ الشاعر محمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ القاضي جاسم بن مهزع وأخيه الشيخ أحمد، والعلماء من بني الصحاف والمحمود وأمثالهم في البحرين وكل من الأدباء والعلماء والشعراء في الأحساء، أمثال أولئك من آل مبارك وآل عبدالقادر، كالعالم النحرير الشاعر عبدالعزيز بن عبداللطيف المبارك، والعالم الشيخ عبدالله بن عبدالله بن علي العبد القادر والعالم الشيخ عبدالعزيز بن حمد المبارك.

وكنموذج لذلك نأخذ ظاهرة العلاقة الأدبية بين الشاعرين إبراهيم بن محمد الخليفة، ومحمد بن عيسى الخليفة من البحرين والشاعرين عبد العزيز بن حمد، وعبد العزيز بن عبد اللطيف المبارك من الأحساء فقد نشطت المراسلات الشعرية فيما بينهم في صور قصائد متبادلة، ومن ذلك قصيدة بعث بها الشاعر عبد العزيز بن حمد إلى الشاعر إبراهيم بن محمد آل خليفة يقول فيها:

أود لو كانت الأرواح تحملني

إلى (أوال) وأنتم دونها أربي..

فرد عليه الشيخ إبراهيم بقصيدة مثلها قال فيها:

وهاك محول فتى ألقيت مهجته

بذكرك البين في واد من اللهب..

هذا بعض ما كان بين الشاعرين من مراسلات شعرية وهي كثيرة في هذا المجال أما ما كان بين الشاعرين الشيخ محمد بن عيسى الخليفة والشيخ عبد العزيز بن حمد المبارك من مراسلات شعرية فهاك شيئا منها فقد بعث الشاعر عبد العزيز بن محمد، وقد مرضت عينه بأبيات قال فيها:

وقيت بعون الله من كل علة

وفزت بأجر من إله البرية..

فأجابه الشيخ عبد العزيز بقصيدة طويلة قال في مطلعها مشيراَ إلى أبيات الشاعر محمد الخليفة:

جلت ظلم الأقدار حين تجلت

ولم تبق للآلام لما ألمت..

هذا ايضا بعض ما كان بين الشاعر العالم عبد العزيز بن حمد المبارك، وبين أميري الشعر في البحرين في هذه الحقبة، أما ما كان بينهما وبين الشاعر الخليجي الفحل عبد العزيز بن عبد اللطيف المبارك، فهناك نموذجاَ منه وهو نموذج ذو شقين ويظهر كيف كان الشاعر عبد العزيز شاعر عصره ورائد مصره، وكيف كان يعيش هموم ومعاناة البحرين آنذاك، قال في قصيدة إلى الشيخ الشاعر محمد بن عيسى الخليفة ما يلي- ويبكيني وميض البرق شجوا إذا ما أفتر وهنا في (أوال).

ألم ترني انفراد (محمد)  بذري المعالي أوال

سقاك وسمى الضوادي فأنت أحق بالوسمي الموالي

تسميها الورى البحرين عدلاَ وفي الأسماء وصف للمعالي

هما بحران بحر الجود (عيسى)  وبحر فاض بالدر الغوالي

هذه الأبيات من الشاعر الفحل عبد العزيز بن حمد المبارك الذي كان يفيض عشقاَ للبحرين وأهلها، وقد أفرز هذا العشق عنده قلائد شعرية، قلدها البحرين وأهلها ايضاَ، من ذلك معلقتاه الرائعتان في أحداث في البحرين عام 1923 فقد قال في الأول:

وتلاعبت فتيان أوربا بنا تلاعب الصبيان بالمرصاع

بدأوا بسلب حمى أول لأنها مفتاح سائر هذه الاصقاع

وقال في الثانية:

إنّ النصارى من بني انجلترا

جاؤوا من الأمر بأمر عجيب

قد نقضوا ميثاق عيسى

كما قد نقضوا ميثاق عيسى النقيب

كانت هذه سياحة شعرية وأدبية مع مجموعة من النماذج التي تؤكد على عمق العلاقات الفكرية والثقافية والأدبية بين مملكة البحرين و المملكة العربية السعودية، عبر الأدباء والشعراء فيهما خلال الربع الأول من القرن العشرين، أما ابتداء من النصف الثاني وخلاله فقد استمرت هذه العلاقة، وواكبها شيء من التطوير نتيجة لانتشار التعليم الحديث في الخليج، وكان لطلاب المملكة العربية السعودية من أبناء أسرها المقيمة في البحرين أمثال آل بسام والعجاجي والشارخ والمبارك والقصيبي والنافع والذكير والبوحميد، والجويسر وأمثالهم، دور في تنمية جميع العلائق الأخوية بين البلدين وخاصة الفكرية والثقافية والأدبية.

قصيدة (درب من العشق) في جسر الملك فهد

هناك الكثير من العناصر التي عبّرت عمّا يربط بين الشعبين الشقيقين من المحبة والتآلف وعلاقة الدم والأرحام، وأكثر ما عبر عن هذه المشاعر الشاعر الفقيد غازي القصيبي عليه الرحمة الذي ترجم بمشاعره الرقيقة هذه الصلة، وعكس وحدة الشعبين والتلاحم  وما يجمع القلوب، ويوحد المشاعر، كانت قصيدته (درب العشق) صورة تقارب عذب ومبهر في تجلياته بين إنسان المملكة وإنسان البحرين عبر تناول ما يمثله جسر الملك فهد من معانٍ تتعدى المشهد المادي، والتصميم الهندسي، وتجسير حركة النقل بين المملكتين، إلى ما تعطيه الإيحاءات من تاريخ نضالي لمواجهة الحياة، والعوز، والفقر، والمغامرة، ومن ثم العبور إلى واقع حياتي جميل صنعته إنصهارات الطموح، وأخضعت عقباته، ومعوقاته إرادة التحدي، وما يجمع الأطياف على شواطئ الخليج العربي من حب، وتناغم.. قائلا فيها:

الإخاء بينا وبينكم موب مباراة بالكرة

وموب حروف مصفوفة، موب شعر..

سمعوا كلامي:

من زمان بينا وبينكم موب جسر

من زمان بينا وبينكم ألف جسر..

إحنا روضة ورد، وسيف على العدوان

البحر نفس البحر، تضحك عين الرياض لين ضحكت عين المنامة

ولو اشتكوا أهل الرفاع

فزّوا لهم كل أهل نجد وتُهامة..

النظر للجسر من بعيد يعود بالناس للفترة التي كان يتواصل فيها الأهل بين البلدين بحرا بالمراكب الشراعية واللنجات، وهي تقترب من محطة الوصول حيث يكون اللقاء بين قلوب مرهَقة ومتعَبة بالوجد والحنين، ولهفة البعد يكون عبر ركوب المغامرات المخيفة، واعتلاء موجة عاتية ربما تحمل في تكوّنها، واندفاعات مدّها نهاية حياة إنسان، وتحويل المركب الصغير إلى ما يشبه أوراق الشجر اليابس تلعب به رياح الشتاء الشديد في غضب طبيعته، وأنوائه، ومناخاته؛ فإذا وصل إلى شاطئ المنامة بعد صراع مع الموج، وإنهاك السواعد، وكلل المجاديف فكأنما ولدت حياة ثانية لمن يكون على سطحه، بحيث يكون استدعاء الشاعر الكبير (السيّاب) في تصويره القاتل، والمثخن باليأس.

أصيح في الخليج،

يا خليج ..

يا واهب المحار، واللؤلؤ، والردي،

فيرجع الصدى، كأنه النشيج

يا خليج..

يا واهب المحار، والردى..

وينثرُ الخليجُ من هباته الكثار

على الرمال، رغوةَ الأجاج، والمحار

وما تبقى من عظام بائس غريق

من المهاجرين ظل يشرب الردى

من لجة الخليج والقرار.

عبور متدفق للمسافرين خلال إجازة العيد

عبور متدفق للمسافرين خلال إجازة العيد

يسافر الناس إلى أحضان أحبتهم، وجلسات السمر، والذكريات، والصوت الخليجي النازف ألماً من حنجرة محمد زويد، وضاحي بن الوليد، وحكايا الغوص، إما حصه، وإما شاذوب ولا خيار ثالث، إما الثراء، وإما الحيتان تلتهم البشر، يسافرون عبر مياه الخليج من شاطئ إلى آخر قريب في مسافاته الجغرافية، بعيد في كل أمانيه، وآماله، والحلم في امتلاك الأشياء الجميلة، والمترفة.. مرددين مع الموال المسافر عبر المياه:

يا لله اليوم أنا سالك بطه والاحزاب

يا كريم أنت يا الله

سهل الرزق يا رحمن وافتح لنا الباب

قال ذي كتبت الله ..

من بغى الزين يصبر لو رقد فوق الاعتاب

قال ذي جنة الله

لكن الواقع غير الحلم، إنه يقتل ويغتال الأحلام.

غدار أعرفك يا بحر

ضحكة أمواجك تسل سيوف،

تطعن في الظهر،

تغوص في خد الخليج.

في شواطيك

صرخة للنهام، غناته قهر.

خذ يا بحر كل ما تبي

اللولو، والمرجان، والثوب الحرير.

كل الحلي صارت رماد

فدوة لكم، فدوة لعيون السندباد..

فدوة لكم يا عيون هلي

خذ يا بحر كل ما تبي

بس يرجع المحبوب طول في السفر..

التقارب كبير بين أناس في نجد، والحجاز، والدمام، وأبها، ومع قلوب نقية محبة في المنامة، والمحرق، والسِيف، والرفاع، وحيث تتكرس وشائج الحب والود عبر تاريخ طويل من أواصر الدم والقربى، وأُسر متشابكة في علاقاتها وزيجاتها، وتتماهى هذه العلائق مع الطموحات، وصناعة المستقبلات، وإنتاج حياة مستقرة وآمنة ومنتجة تجعل من الخليج لؤلؤة حقيقية بجهود أبنائه، تسافر نسائمه تحمل تلاحم القلوب، وصدق العواطف.

وكانت إرادة الشعبين في المملكتين تقصي مغامرات البحر، ومفاجآت أمواجه، وعواصفه، وتلغي المجاديف، والقوارب الصغيرة؛ ليختصر جسر الملك فهد المسافات بين القلوب، ويوحد الحب والتآلف؛ فإذا بخفقة قلب في نجد، تتجاوب معها تنهيده عشق في المنامة عبر تواصل يلغي كل لحظة زمنية من البعد. ويُعد الجسر أحد أبرز القطاعات السياحية التي تعتمد عليها مملكة البحرين والمملكة السعودية، وذلك من خلال الأعداد المتزايدة في العبور، بالإضافة إلى أن الجسر مازال وسيستمر في العطاء والترابط بين الشعوب الخليجية، كيف لا وهو الذي حقق حلم الآباء والأجداد، حيث ربط مملكة البحرين باليابسة، بعد أن كانت جزيرة داخل الخليج العربي لا تصلها السيارات ولا المسافرين براً، كما ساهم أيضاً في زيادة أواصر العلاقات الأسرية التي تربط مواطني المملكة بأشقائهم البحرينيين، وسهل للوصول إلى مملكة البحرين للراغبين بالعمل والدراسة-(مجلة الجسر) العدد الأول أبريل 2015م- تصدرها الملحقية الثقافية للمملكة العربية السعودية بمملكة البحرين.

أما قصيدة غازي القصيبي فقد احتفى بها كثير من النقاد والأدباء وظلت معلما بارزاَ محفوراَ في وجدان أهل السعودية والبحرين والخليج العربي، ويقول في بعض أبياتها:

ضرب من العشق لا درب من الحجر.. هذا الذي طار بالواحات للجزر

ساق الخيام إلى الشطآن فانزلقت.. عبر المياه شراعا أبيض الخفر

ماذا أرى؟ زورقا في اليم مندفعا؟ … أم أنه جمل ما مل من سفر؟

وهذه أغنيات الغوص في أدنى؟ … أم الحداة شدوا بالشعر في سحر؟

واستيقظت نخلة وسنى توشوشني

من طوق النخل بالأصداف والدرر؟

نسيت أن أنا ؟ أن الرياض هنا… مع المنامة مشغولان بالسمر

(القصيبي)  و(رفيع)  وبحر وافر من المحبة الشعرية

كان للشعر والرواية والملح الفكاهية والنوادر الأدبية حظ موفور في رسم صورة العلاقة الثقافية والاجتماعية بين البحرين والسعودية على مر العصور، ونكتفي هنا بذكر مثالين دالين، فالشاعر السعودي الراحل غازي القصيبي رحمة الله (23 محرم 1359هـ- 5 رمضان 1431هـ، 2 مارس 1940- 15 أغسطس 2010 م)، والذي كان سفيراَ للملكة العربية السعودية في البحرين (1404هـ- 1984م) كتب قصيدة في حب البحرين يقول في بعض أبياتها:

بحرين! هذا أوان الوصل فانسكبي…

على بحرين من دور ومن رطب

تنفسي في شجوني وادخلي حرقي..

وإسترسلي في دمائي واسكني تعبي

وسافري في عيوني يا معذبتي- بالهجر…

يا ظمأى المعطاء يا سغبي

يا فرحتي ورياح اليأس غاضبة

يا نشوتي..

حين يذوى موسم العنب يا ضحكتي

والدموع الحمر تعصرني… يا واحتي وهجير القفر يعبث بي.

أما الشاعر البحريني الراحل عبد الرحمن رفيع فله مع غازي القصيبي طرائف ومواقف، لعل أبرزها ما رواه الشاعر البحريني علي الشرقاوي، حيث قال الشرقاوي:

لقد جمعت الشاعر رفيع بالشاعر الراحل غازي القصيبي صداقة امتدت لأكثر من خمسين عاماَ، يقول عنها رفيع: بدأت على طاولة الدراسة في البحرين، وانتهت في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، واللقاءات الثقافية والمراسلات الشعرية سواء في البحرين أو خارج البحرين.

وتحدث رفيع- رحمة الله للشرقاوي عن قصة مثيرة وممتعة حدثت بينه وبين الراحل القصيبي أطلق عليها اسم (لحية القصيبي) عندما قام بزيارة للسفارة السعودية بالبحرين، وكان القصيبي سفير المملكة في البحرين، لتقديم التهنئة بمناسبة اليوم الوطني، وكان معه عدد من مثقفي وأدباء البحرين، وكانت للشاعر القصيبي لحية قصيرة وعندما سأله رفيع عن اللحية رد القصيبي: لابد للشاعر من لحية تنبئه في الحين عن عمره، فكتب الشاعر رفيع ومجموعة قصائد يرثون فيها لحية القصيبي، ومما قال رفيع:

لا بد للشاعر من لحية

تنبئ في الخمسين عن عمره

تعلن للناس ذهاب الهوى

وحلوه أكثر من مره

عذر الهوى كان جنون الصبا

فأطبق الشيب على عذره.

الشيب للشيب فما باله

في شعره دب وفي شعره.

يقول رفيع:

وقد بدأت أنا ملحمة اللحية الشعرية، وتوالت بعد ذلك قصائد الرثاء من شعراء البحرين:

ما رأينا قبل هذا……… لحية عاشت قليلاَ.

مثلما لحية غازي……. لم تدم عمراَ طويلاَ.

ولدت ذات صباح……..واختفت عنا أصيلاَ.

لحية ريح الليالي…… لم تر العيش الجميلاَ

ما سعى مشط أنيق…… في ثناياها مجيلاَ

لو على اللحية يبكى…. لبكيناها عويلاَ.

قتلت من غير ذنب…. رحم الله القتيلاَ.

فرد د. غازي- يرحمه الله-: لقد أفلس شعراء البحرين، فلم يعد لديهم موضوع سوي لحيتي ليكتبوا فيها، أبيات شعر ما أجملها من طرافة بين الأقران في وطنهم الواحد (السعودية البحرين) تؤكد على الدوام قوة الصلة بين الأشقاء، ووحدة اللغة والتعبير والفكر، وذلك كله موصول بوحدة المصير، فالشعر أكثر الضروب الفنية التي تعبر عن قوة العلاقات بين الشعوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق