سياسة

كلمة معهد جنيف لحقوق الإنسان

بمناسبة اليوم العالمي للتعدّدية والدبلوماسية

في الرابع والعشرين من نيسان/أبريل من كل عام يقف العالم وقفة تفاؤل احتفالاً باليوم العالمي للتعدّدية والدبلوماسية من أجل السلام الذي اعتمدته الجمعية العامة بقرارها بإعلان “اليوم العالمي لتعدّدية الأطراف والدبلوماسية من أجل السلام ” (A/73/L.48) بتاريخ 12  كانون الأول/ديسمبر 2018، استجابة لدعوة الأمم المتحدة التي ظلت منذ إنشائها عام 1945، في أعقاب الدمار الذي خلّفته الحرب العالمية الثانية، تنادي بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين.

ولأجل ذلك وُضع ميثاق الأمم المتّحدة مركّزاً على واحد من أهم أغراضها ومبادئها، وهو الالتزام بتسوية المنازعات عبر الوسائل السلمية لتجنيب الأجيال المقبلة ويلات الحروب، وفي هذا تأكيد لمعنى الحكمة القائلة بأنّ الأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى، كما أن واقع العلاقات العالمية اليوم يؤكد عدم إمكانية إدارة المخاطر، إلا إذا تضافرت الجهود وعمل الجميع في انسجام تام.

واحتفال هذا العام جاء في ظروف يواجه العالم فيها تحدّيات أعجزت الدول العظمى إذ وقف العالم متحيّراً أمام جائحة الكورونا التي هدّدت حياة الكثيرين، مّما يستدعي التعاون بين كافة الدول لمواجهة هذا الخطر .

والجمعية العامة للأمم المتحدة في احتفالها بهذا اليوم تجدّد دعوتها لجميع الدول الأعضاء والمراقبين ومؤسسات الأمم المتحدة إلى الاحتفال باليوم العالمي بطريقة مناسبة غايتها التوعية بمزايا التعدّدية والدبلوماسية من أجل السلام من خلال أنشطة التوعية والتثقيف المختلفة؛ الندوات والمحاضرات والأعمال الأدبية والفنية والرياضية.

وقد جاء في كلمة سابقة للأمين العام للأمم المتحدة: “إن ميثاق الأمم المتحدة يرسم النهج الذي ينبغي انتهاجه، إذ إنه يشتمل على رؤية تدعو إلى أن تعيش الشعوب والبلدان في ظل علاقات حسن الجوار، وأن تدافع عن القيم العالمية، وأن تسلم بمستقبلنا المشترك. وإن تعزيز تعدّدية الأطراف يعني تقوية التزامنا بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء عالم أكثر أماناً وعدلاً للأجيال المقبلة”. وفي ذلك إشارة لدور الدبلوماسية والتعدّدية كأكثر الأداوات فاعلية، سواء كانت إقليمية أو عالمية، لتحقيق أهداف السلام والتنمية المستدامة الشاملة وحقوق الإنسان للجميع.

وتعدّ الدبلوماسية الوقائية أكثر الدبلوماسية فاعلية إذ تعمل على تخفيف التوترات قبل نشوب الصراعات، وتدعم جهود الأمم المتحدة للمساعدة في تسوية المنازعات بالوسائل السلمية. وعليه يعدّ اليوم العالمي بمثابة تجديد وتأكيد لميثاق الأمم المتحدة ومبادئه المتعلقة بحل النزاعات بين الدول عبر الوسائل السلمية. كما يشدّد مفهوم القرار على استخدام الدبلوماسية المتعدّدة الأطراف في التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات بين الأمم.

إن قيم التعدّدية والتعاون الدولي، التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة وخطّة التنمية المستدامة، أمر أساسي ينبغي الحفاظ عليها لتعزيز ودعم ركائز الأمم المتحدة الثلاث – التنمية، وحقوق الإنسان والسلم والأمن؛ ممّا يسهم في رفع سقف الالتزام بالمعايير الدولية والنظم. كما أنّ القضايا العالمية؛ كتغيّر المناخ والتوترات الجيوسياسية والأزمات الإنسانية بقطاعاتها المختلفة، تجعل من الضرورة إيجاد تفاهمات تحترم قيم ومصالح الأمم، مما يتطلب الاهتمام والعمل الجماعي من خلال التعدّدية والدبلوماسية، في وقت تتأثر فيه المشاهد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلاقات بين الدول بأثر التقدّم التكنولوجي والتّسارع المعلوماتي. 

معهد جنيف لحقوق الإنسان ومن خلال ديباجته التي غايتها احترام الحقوق بين كافة فئات المجتمع الإنساني ليعيش العالم حياة مستقرة، يبعث برسالته عبر كلمته في هذه المناسبة إلى كل الدول التي تتناوشها الاختلافات السياسية والبيئية، والنزاعات المسلحة خاصّة في المناطق التي تشهد أحداثاً مستمرّة لأسباب لا ترقى لهذه الصراعات الدامية في دول مثل اليمن وسورية والعراق وليبيا وغيرها، أن تحكّم العقل وترجع للغة الحوار وتفعّل الدبلوماسية بين كافة الأطراف، بل يشدّد المعهد على اعتبار الاختلاف في الرؤى ووجهات النظر بأنه اختلاف تكامل لا اختلاف تقاطع من أجل تحقيق التعايش السلمي، كما يدعو معهد جنيف لحقوق الإنسان الدول الكبرى المؤثرة في توجيه الرأي العام أن تسعى بشتى السبل، وتتعاون من أجل خلق توافق مشترك يصبّ لصالح سيادة التعدّدية الدبلوماسية العالمية، والتحوّط لمنع نشوب النزاعات بين المختلفين باعتماد آلية تمنع وقوع النزاع قبل أن يحدث لتفضّه وتدعم هذه الآلية فنياً ومادّياً بتوفير المعينات، فضلاً عن تعزيز قوات حفظ السلام الدولية الموجودة في بعض الدول التي تشهد منازعات، وبذلك تسلم الأجيال اللاحقة من معاناة وويلات الحروب.

ومن حكمة ربّ ضارّة نافعة يناشد معهد جنيف لحقوق الإنسان دول العالم كافة أن تستمرّ متماسكة ومتعاونة كما وحّدها فيروس كورونا باعتباره عدواً للجميع، أن تضيف لقائمة هذا الفيروس كل ما من شأنه زعزعة الأمن والسلم، وتتمسّك بالتعاون والتعدّدية الدبلوماسية، وتعيش الشعوب في أمن واستقرار وكذا تتحقق التنمية المستدامة.

جنيف 24 أبريل 2020م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق