مجتمع

روما

المدينة الخالدة

د. محمد بدوي مصطفى

يرجع أصل التسمية (روما) إلى عدّة روايات نُرجِئُ بعضها إلى الأصول التأريخيّة والبعض الآخر لسيمائية الكلمة:

> من روميلوس (رومولوس) بن أسكانيوس مؤسس المدينة.

> من رومون اسم قديم لنهر التيبر (بالإيطالية: تاڤير) وهو ثاني أطول نهر في إيطاليا ينبع من أعالي جبال التوسكانا)

> من الكلمة التوسكانيّة أو كما تسمى أيضا الإتروسكانية (حضارة قديمة بمنطقة التوسكانا الإيطاليّة) ruma والتي جذرها rum-  أي “حلمة” في إشارة محتملة إلى رمز الذئبة التي، حسب الأسطورة، تبنت وأرضعت التوأمين رومولوس وريموس.

هذه العروس التي تجدل في ثوب حضارة تليدة بثوبها الأصفر الفاقع اللون الذي يسرُّ الناظرين، هي عاصمة إيطاليا، ويبلغ عدد سكانها حوالي ٢،٧ مليون نسمة. تقع في الجزء الأوسط من شبه الجزيرة الإيطاليّة، على نهر التيبر في إقليم لاتسيو.

فإذا تحدثنا عن التاريخ نجده قابعا في كل رجا من أرجاء المدينة، وفي كل حارة، زنقة وركن، إذ يمتد زهاء الألفين وخمسمائة سنة من عمره. يُعرف أنها كانت عاصمة الامبراطوريّة الرومانيّة التي مثّلت الوريد المغذّي لقلب البلدان الأوروبيّة وكانت وقتئذ ذات سيطرة وهيمنة دينيّة، فكريّة وثقافية خارقة للعادة، حيث امتدت لأكثر من سبعة قرون، ذلك منذ القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي وبأغلب أنحاء هذه القارّة. لقد اتسم نفوذ “روما” منذ بدايات القرن الأول الميلاديّ بطابعه الدينيّ الأرثوذكسي حيث استقرّ مقام البابويّة بها واتُخِذت عاصمة للديانة الكاثوليكيّة واستمر الحال هكذا إلى العقد السابع من القرن التاسع عشر. كانت روما، مدينة الروم والرومان، جوهرة ثقافتهم التليدة، وإحدى أهم مراكز عصر النهضة الإيطالية على الإطلاق ذلك إلى جانب فلورنسا البديعة – ما أحلاها – واتُخِذت عاصمة للمملكة الإيطاليّة وبعد زوال شمس هذه الأخيرة عاصمة لجمهوريتها.

تعتبر روما من أهم المدن الغنيّة بالفنّ والتاريخ والثقافات، كيف لا! ألم تكن قبلة للمفكرين والتشكيلين والمعماريين العظماء؟ حيث أقام بها المشاهير منهم، مثال مايكل أنجلو (عبقريّ الرسم)، رفائيل (رسّام ومهندس معماري جبَّار في عصر النهضة)، برامانتي (أحد عباقرة المعمار) وجان لورنزو برنيني (نحّات ومثَّال مقدّس في عصر الباروك). شهدت روما انشاء أجمل الكاتدرائيات في العالم، ككاتدرائية القديس بطرس، مكّة المسيحين في الفاتيكان، وكنيسة سكستينا المشهورة، التي زيّنت على يدّي مبدع لوحة “العشاء الأخير” مايكل أنجلو. وتستقبل متاحف المدينة لا سيما متاحف الفاتيكان حوالي 4.2 مليون سائح وأيضا بنفس القدر المسرح الروماني الشهير “الكولوسيوم” (يعني: العملاق، وهو مدرج روماني عملاق يقع في وسط مدينة روما، تم تشييده إلى شرق المنتدى الروماني، ويرجع تاريخ بنائه إلى عهد الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول فيما بين عامي 70 و72 بعد الميلاد).

ما أبدع هذه الأماكن وما أروع التنقل في جنباتها لقد زرت روما مع أسرتي وأصدقاء ألمان في عام ٢٠١٢ وكانت وقتئذ حرارة الصيف تكتم أنفاس المدينة والزوّار على حدا سواء ورغم ذلك تجد البشر يتهافتون ألا تفوتهم فائتة في متعة الرؤى ونشوة التذوق والنهل من صفحات التاريخ التليد الماثل أمام أعينهم في كل لمحه ونفس وبكل ركن من أركان المدينة. وضعت منظمة اليونسكو مركز المدينة التاريخيّ على قائمتها التي تحوي أهم مواقع الإرث العالمي. “روما” مدينة ساحرة ينبغي زيارتها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق